فوجئ الفتى محمد غريب (15عاما) بسؤالنا عن ما هو مكتوب على قميصه، فهو لم يفكر بقراءته أصلا أو ترجمته، ولم ينتبه سوى أن تصميم القميص أعجبه فاشتراه من دون أن يقرأ ما كتب عليه، وحالة محمد ليست الوحيدة فهناك عدد كبير من الشباب والشابات لا ينتبهون إلى الكتابات التي طبعت على قمصانهم ولا يعيرونها أهمية على الرغم من أنها قد تسخر منهم أو تسيء إليهم أو إلى الذوق العام، فقد اعترف مجد محسوب 30 عاما أنه لا يدري ما كتب على قميصه بل طلب منا تهجئة الحروف ليستطيع أن يعرف الكلمات الموجودة على قميصه. وبرر موقفه قائلا: «أحضر لي هذا القميص من إندونيسيا صديق لي وهو يرتدي مثل قياسي ووجدته أنيقا ومناسبا فارتديته من دون أن أفكر بما كتب عليه، وقد كان يجب أن أنتبه إلى تلك النقطة، وأنا بالعادة لا أشتري ملابس تحتوي كتابة معينة إلا نادرا». والكتابة على الملابس ليست موضة جديدة فقد ورد أن جواري القصور في العصر العباسي كن يكتبن أبيات الشعر على عصائبهن وثيابهن ومناديلهن، وكن يخترن تلك الأبيات للفت الأنظار ونيل الاستحسان والتفضيل، ومع مرور الزمن وتغير الأزياء والموضة أصبح للكتابة عليها دور كبير في صناعة الإعلان، بل وصلت إلى حد انها تعبر عن الآراء والأفكار والمواقف السياسية أو الاجتماعية، وهي تناسب المعارضين والمؤيدين للتعبير عن مواقفهم إذ أصبحت في كثير من الأحوال بديلا للافتات. وكان يقال : «الملابس تصنع الناس» فهل حقا يمكن الحكم على شخص من ملابسه المزخرفة بعبارات لا يعرف معانيها أو لم يفكر بقراءتها؟ وهل يمكن أن يكون الشاب قويا إذا ما عبر عن نفسه بعبارات القوة والتحدي على قميصه، وتكون الفتاة رقيقة إذا ما ارتدت زيا نقش بكلمات الرقة والرومانسية؟ اختيارات الشباب يدافع بسام قاسم 20 عاما عن اختيار الشباب للملابس ذات النقوش والكتابات المختلفة قائلا : معظم الشباب يعرفون ما كتب على ملابسهم وهم ينتقون تلك الملابس بأنفسهم، فهم يتقنون الانجليزية ويرغبون بالتعامل مع الموضة، وما ترونه غريبا اليوم ربما لا يكون كذلك غداً، فلماذا يتم التدقيق في كل شيء يفعله الشباب. بينما تقول سلام حاتم - موظفة: «لا مانع من اقتناء ملابس عليها كتابه معينة ولكن يجب قراءتها ومعرفة معناها، فقد حدث معي ذات مرة أني اشتريت (تيشيرت) أعجبني لونه ولم انتبه الى ما كتب عليه حتى وصلت البيت وكانت الكلمة غير مناسبة فقمت بإرجاعه إلى المحل، وصرت انتبه الى تلك الكتابات». وذكر ايمن ايهاب ( 27 عاما) أن مسألة اقتناء الملابس مسألة شخصية بحتة، والإنسان الطبيعي يستطيع أن يقدر ما يناسبه، ونحن قد نجد كلمات غريبة على الملابس لكن تلك الموضة لا تتعدى المراهقين الذين بدورهم يتجاوزونها مع مرور الوقت. أما حصة سعيد -طالبة فتقول: «أنا اقتني ملابسي بنفسي وأختار ما يعجبني سواء عليها كتابات أم لا، لأني اعرف أن تلك الملابس لن تكون ظاهرة خارج البيت فأنا أرتدي العباءة ولن تبدو الكتابات على التيشيرت أو القميص واضحة للآخرين، ومع ذلك يهمني أن أعرف ما كتب على ملابس قبل أن أرتديها». إلى جانب الملابس التي تكون الكتابات جاهزة عليها هناك سوق جديدة لملابس تتم الكتابة عليها حسب الطلب، ففي أحد مراكز التسوق يعرض سايلش كومار بضاعته مع أدوات عمله حيث يختار الناس العبارات التي يرغبون بطباعتها على القمصان ويحصلون عليها وفق تقنية حديثة خصصت لهذا الأمر. حيث يتحدث كومار عن عمله هذا قائلا: «بدأت العمل في المشروع قبل ثلاثة أشهر وأنا أعمل مع صاحب المشروع وهو رجل فرنسي حيث علمني طريقة الطباعة وقد استفدت من دراستي في تصميم الجرافيك وكذلك خبرتي في هذا المجل لتصميم ما يطلبه الزبائن. حيث جاءني في إحدى المرات شاب طلب طباعة الوشم الذي يحمله بيده على القميص وبالفعل قمت برسم الوشم وطباعته، وهناك الكثير من الأشخاص الذي يطلبون طباعة أسماء محلاتهم أو مطاعمهم على الملابس، كما ترغب السيدات بطباعة أسماء أطفالهن على التشيرتات وهناك من يطبع أشياء مضحكة أو أمور لها علاقة بالقوة والتحدي، ونحن نطبع التيشيرت الكبير بخمسين درهما والأصغر بخمسة وأربعين درهما بينما تكون الطباعة للأطفال الصغار بأربعين درهما». وتختلف الأمهات بين متقبل لهذا النوع من الملابس أو رافض لها فأم محمد غريب كانت تختلف مع ابنها حول اختياره ملابسه وهي تقول: «الأولاد عنيدون ويختارون ملابس غريبة ولا يتقبلون الرأي الآخر، وقد تعبت من محاولة إقناعه بالملابس التي أراها مناسبة، وهذا الأمر نعاني منه كلما خرجنا للتسوق». أما أسماء غريب فترى أن ما يفعله الشباب اليوم هو تقليد للغرب وابتعاد عن الهوية الإسلامية والعربية، فالكتابة باللغة الانجليزية تحمل أبعادا مختلفة منها تكريس لفكرة تفوق هذه اللغة على لغتنا العربية، إضافة إلى عرض عبارات تمثل ثقافة غريبة عنا وقد تسيء إلينا لكن التقليد وعدم الشعور بالثقة هو الذي يجعل الشباب يتجهون هذا الاتجاه. بينما تبدو ايلينا أسعد أقل حدة وهي تحاول اقتناء قمصان أطفال عليها عبارات مضحكة حيث تقول: تضحكني هذه العبارات، وأنا أريد شراء هدايا لأولاد أخوتي، فأحاول اقتناء قمصان عليها عبارات تضحكهم وتدهشهم، وليس سيئا أن يستسلم الأطفال للمرح ولكن علينا أن نفهم معاني تلك العبارات وأن لا تكون مسيئة للطفل أو لمحيطه. إحدى مظاهر العولمة ومن الناحية النفسية يعود اتجاه الشباب إلى الملابس التي تحمل عبارات مختلفة إلى تأثرهم بالعولمة حيث يقول الدكتور عدنان الفضلي استشاري الطب النفسي: إن هذه الظاهرة هي أحد مظاهر العولمة التي يمكن أن نراها في مجتمعنا أو في أي مجتمع آخر، وهي دليل على الرغبة بالتباهي ولفت الأنظار وتعبير عن الانتماء إلى المجتمع الفوضوي الذي فقد القيم والعادات. والظاهرة ليست جديدة فقد عرفت في المجتمعات الغربية منذ الستينيات والسبعينيات، لكن التلفزيون وهو الغول الأكبر أعادها إلى مجتمعنا، حيث يتبع الشباب النماذج التي تقدمها لهم الشاشة الصغيرة، ليعبروا عن ثورتهم على الأسرة والأهل والالتزام بمختلف أنواعه. مجاراة لصرعات الموضة ترى الاختصاصية الاجتماعية سحر الهاشمي أن تلك الظاهرة بشكلها العام تشكل مجاراة لعروض الأزياء وصرعات الموضة، وهي أمر مستفز لدى المراهقين لجذب انتباه المحيط وخاصة الجنس الآخر، وأحيانا يدخل بها عنصر التحدي حيث ينسجم المراهق مع ما هو مكتوب بطريقة صبيانية يتحدى فيها الواقع أو أقرانه من الشباب. ويكون دور الأهل صعبا بسبب عناد الأبناء، لذا لابد من توجيههم إلى ارتداء ملابس أقل حدة لا تحمل عبارات تخدش الحياء أو تسيء إلى الشخص أو المجتمع، فالمنع الكلي يجعل العناد أشد فيقوم المراهق بارتداء تلك الملابس بدون علم أهله لذا لابد من الموازنة في التعامل مع هذا الامر، لأن المؤثرات الخارجية من الأصدقاء والاعلام والانترنت كثيرة ويصعب السيطرة عليها جميعا.