أكد مثقفو مصر أن المخرج الراحل يوسف شاهين كان صاحب مشروع سينمائي ومهموما بالقضايا الإنسانية من خلال التغيرات السياسية و تأثيرها على الحياة الاجتماعية للناس، و أنه لم يكن فنانا فحسب بل كان يقدم في أفلامه موقفا وطنيا سياسيا لمواجهة الاستعمار و الإقطاع و الظلم و الفساد. وأشاروا أنه خاض معارك ضارية لتجسيد أحلامه في الحرية و كان له دور كبير في تأسيس حركة كفاية و شارك في مظاهرات تطالب بحرية فلسطين و العراق كما شارك في تأسيس حزب الكرامة. جاء ذلك في الندوة التي نظمها المجلس الأعلى للثقافة في إطار الاحتفالات المتوالية بسينما شاهين وقضاياه وأفلامه لتكريم اسم المخرج يوسف شاهين. ورحل يوسف شاهين نهاية يوليو/ تموز 2008 عن 82 عاما تاركا أفلاما بعضها يعد من كلاسيكيات السينما العربية وحول (سينما يوسف شاهين في عيون الكتاب والمثقفين) قال الناقد السينمائي على أبو شادي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة "إن شاهين مخرج استطاع ببراعة أن يتعامل مع الماضي والحاضر في أفلامه، فإذا كان شاهين يعرض في أفلامه الأحداث التاريخية في الماضي فإنه كان يقرأ المستقبل من خلال رؤيته لأفكار المستقبل و قضاياه المعاصرة لقراءة و استكمال الحاضر". وأتبع أبو شادي "فمثلا في فيلم (المهاجر) استلهم شاهين قصة سيدنا يوسف كما ذكرها القرآن الكريم وقدم لنا دراما شديدة المعاصرة تربط بين الماضي و الحاضر في قصة متشابكة العواطف". و قد عرض أبو شادي دراسة عن أعمال يوسف شاهين أكد فيها أن فيلمي "المصير" و "المهاجر" هما أنضج أعمال شاهين و أكثر فيلمين تعبيرا عن شخصيته و عن زماننا من خلال أصفي لحظات الشعب القديمة. و كذلك قدم المفكر السياسي أحمد بهاء الدين شعبان رؤية سياسية عن يوسف شاهين و قال "إنه كان يخفي وراء مظهره القلق المتوتر و كان عقلا ماردا قادرا على رؤية النظام من خلال الفوضي و الوصول إلي الحقيقة خلال الظلام". و أضاف "أن شاهين ولد في الإسكندرية و عاش وسط مزيج من الجنسيات الأجنبية و الحضارات الأوروبية حتى كون ثقافته الأساسية و استطاع بذلك أن يجسد شخصية المثقف العضوي و يعكس أفكارها مدافعا عن العدل و الحرية بأسمي معانيها". وأشار شعبان "أن شاهين شخص بالغ العمق و شخصية معقدة مركبة قادرة على الغوص في القضايا السياسية، و كذلك هو فيلسوف و مفكر سياسي قادر على التعبير عن قضاياه السياسية بسهولة". "يوسف شاهين: ثوري شيطاني" و قال بهاء شعبان إن يوسف شاهين أقرب إلي الثوار الرومانتيكيين لايربط نفسه بصيغة محددة و إنما ينجذب إلي الإنسان بفقره، و بالرغم من أنه يبدو متشائما إلا أنه شديد التفاؤل و أغنية "لسه الأغاني ممكنه" أكبر دليل على تفاؤل شاهين و من الممكن إطلاق اللقب الذي أطلقه الفنان نور الشريف على شاهين و هو " يوسف شاهين: ثوري شيطاني"، فهو لم يتلق المباديء الثورية عبر مدرسة سياسية و كان مثقفا وطنيا على قدر هائل من المعارف مع إتقانه لبعض اللغات الأجنبية مثل الفرنسية. و كان شاهين على وعي مبكر بقضايا الوطن و السياسة، ففي كل أفلامه نجد موقفا وطنيا سياسيا في مواجهة الاستعمار والإقطاع و الظلم و الفساد و قد خاض شاهين معارك ضارية لتجسيد أحلامه في الحرية و كان له دور كبير في تأسيس حركة "كفاية" و شارك في مظاهرات التي طالبت بحرية فلسطين والعراق كما شارك في تأسيس حزب الكرامة الذي لم تتم الموافقة علىه حتى الآن. وأضاف شعبان أن شاهين كان يقدم أفلامه السياسية بقضايا الناس الإنسانية إيمانا منه بالعدل و الحرية وكان يساهم في صيانه وعي الأمة حيث إن أفلامه قدمت أبدع و أنقي ماقيل في القيم الاجتماعية فمثلا فيلم "باب الحديد" قدم للناس صورة حقيقية لمواطنين على الهامش و سدد شاهين نظره بكاميراته إلي شرائح اجتماعية من قاع المدينة حتى الريف وكان تقدم قبل شاهين كإطار خلفي لأبناء الطبقة الوسطي. و قال الدكتور عبد المنعم تليمة أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة إن شاهين ظاهرة ثقافية و هو ابن الوطن بالغريزة، وانتمي للحركة المصرية الديمقراطية، وهو فنان عاش الانقلاب الذي تلا نكسة 67. المستقبل في أعمال شاهين و قد تجلي المستقبل في أعمال شاهين بعد عام 67 ويبدو فيها مشروعه قائما على دراسة و تجديد التقنيات الفنية كل 5 سنوات و بعد ذلك اتجه إلي التخطيط لأعمال أخري تجسد سيرته الذاتية والتفكير في المستقبليات وكانت أهم فكرة مستقبلية لشاهين أن يترك مدرسة مستقبلية وكوادر ورموز شبابية من تلاميذه الذين يجسدون المسقبل. و قال الناقد الدكتور شريف الجيار إن يوسف شاهين مخرج ليبرالي متحرر يمثل جيلا ليبراليا وأفلامه تحمل مشروعا أساسيا وهو الحرية خاصة بعد عام 67 حيث أصبح يتعامل مع السياسة بشكل صريح مثل فيلمه "الأرض" الذي يجسد شخصية أبو سويلم و دفاعه عن الأرض حتى الموت و من الممكن أن نحمل الفيلم بعدا عربيا إسلاميا حيث يتحدث الفيلم للمصري أو العربي أو الفلسطيني عن ضرورة التمسك بأرضه وأرض فلسطين. و في فيلم "الاختيار" ناقش قضية ازدواجية المفكر المثقف بعد هزيمة 67 و الارتداد الذي حصل بعد النكسة و كان يريد أن ننتبه إلي النكسة الحقيقية و هي "النكسة الاجتماعية". و أكدت الروائية أمينة زيدان صاحبة رواية "نبيذ أحمر" أن هذه الاحتفالية عن يوسف شاهين وقضاياه بعنوان (سينما يوسف شاهين في عيون الكتاب والمثقفين) تتتضمن عرض مجموعة أفلام لافتة وعرض مجموعة أفلام تسجيلية نادرة عن مسيرة يوسف شاهين كما أن الشهادات المقدمة من جانب الحضور من كبار الكتاب والمثقفين المصريين ستطبع في كتاب تذكاري عن المجلس. وشارك في الاحتفالية نقاد وسينمائيون ومتخصصون في النقد الأدبي منهم محمد السيد سعيد وأحمد يوسف وعبدالمنعم تليمة وأحمد بهاء الدين شعبان وسامية الساعاتي وفتحي إمبابي ومحمود الورداني وأستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة محمد عفيفي.