يكثف المختصون الاميركيون جهودهم لتطوير مشروع أمني مهمته الكشف عن نوايا المشتبه بهم من المسافرين الذين يحطون رحالهم في المطارات الاميركية المختلفة، من دون ان يشعروا بذلك. فالاميركيون يعتبرون قضية الأمن من أهم القضايا التي تواجههم حاليا وعليها طوروا مشروعا دقيقا للكشف عن المجرمين قبل ان يقوموا بعملهم الاجرامي ويقول عنه البعض أن فكرته مقتبسة من أحد مشاهد الفيلم الشهير Minority Report، الذي يلعب فيه دور البطولة الممثل توم كروز. تصور أنك تحط في مطار نيويورك بعد عناء رحلة طويلة استغرقت بضع ساعات، ثم لا تلبث أن تقف لفترة ليست قليلة في طابور طويل امام نقطة تفتيش الجوازات، من دون ان يراودك شك في انك خلال هذه الوقفة تخضع لاختبارات اشعة اجهزة الليزر المختلفة والميكروفونات الرقيقة للغاية التي تتجسس حتى على نفسكَ وضربات قلبك. ان هذه المجسات الحسية الدقيقة والسرية ليس هدفها الكشف عن المتفجرات أو الاسلحة أو المخدرات، فتلك لها طرق اخرى انما هدفها اكثر دقة وهو التلصص على نواياك. وحالما تكتمل دائرة المعطيات التي تؤخذ من المسافر الذي يقف في الطابور (من دون علمه) وتشمل دماغه وجسمه خلال لحظات، تنتقل الى اجهزة الحاسوب الذي يقوم بتقييم تلك المعلومات في الحال ويتأكد من انه لا توجد في دماغك ثمة قطعة من شر أو نوايا ارهابية. ففي حالة اعطى دماغك الكهربائي اشارات لنوايا ذات طبيعة ارهابية أو اجرامية، ستخضع لمقابلة شرطة المطار الامنية للتأكد من هذه النوايا. المشروع تحت الاعداد من الممكن ان يتحقق هذا المشروع خلال السنوات القليلة القادمة، وهو يشكل واحدا من عدة مشاريع ينبغي استكمال اعدادها حتى عام 2012. تقول المتحدثة باسم جهاز الامن الحكومي الاميركي لاري اورلوسكي «سوف نتحقق من خلال هذا النظام من نوايا 400 مليون شخص يزورون الولاياتالمتحدة سنويا». يحمل المشروع اسم «مشروع مقاصد الاعداء»، وفي الانكليزية Project Hostil Intent، ويرمز إليه بالاحرف الثلاثة «PHI»، ومهمته ضبط ورسم حركات الوجه وتقلصاته وطريقة انضباط اعضاء الجسم وقياس مستويات ضغط الدم اضافة الى مراقبة سرعة التنفس. وتلعب التكنولوجيا دورا اساسيا في هذا النظام، فهي تعتمد بصورة كبيرة على البرنامج الالكتروني الذي يستطيع حل الرموز والاشارات والامزجة وتحويلها الى افتراضات نهائية. وتقول كريستين دوتنيها من جامعة هارفورد، المختصة بتطوير اجهزة الانسان الآلي القادرة على تفسير انفعالات الانسان «لا يمكن ان نتصور كيفية عمل مثل هذا البرنامج». انتبه إلى الطابور ان نقص التفاؤل شمل ايضا البروفيسور باول اكمان من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وهو احد المختصين بحركات وانفعالات الوجه، حيث يقول: «في واقع الامر، فان الانسان يحاول ان يغطي انفعالاته من خلال الابتسامة المزينة التي تختلف بشكل واضح عن الابتسامة الحقيقية». فالحالات الانفعالية تتكشف بواسطة ما تدعى ب«التعابير الدقيقة» التي تطرأ على وجه الانسان (مثل اصطكاك الفكين أو ارتجاف الاسنان أو تقلص الحاجبين) وكل هذه المظاهر تظهر على الانسان المرتبك خلال لحظات بسيطة. ومعلوم ان هنالك نظاما امنيا متبعا في المطارات الاميركية منذ العام 2003، ولايزال ساري المفعول ويعتمد على مراقبة رجال الامن لحركات المسافرين من خلال كاميرات منصوبة في كل زوايا القاعات، وحالما يكتشفون تغييرات في تعابير المسافر الدقيقة، يصطحبون المشتبه فيه الى غرف التحقيق، وقد ساعد هذا النظام بالوصول الى الكثير من النتائج الملموسة، التي يقول عنها المختص اكمان «ان هذه الطريقة تتم بدقة في بعض الاحيان». صعوبة في معرفة الوجوه من المشاكل العويصة التي تواجه البرنامج، هي كثرة المسافرين وكثافة الحركات التي تظهر على ملامحهم، فالحاسوب ينبغي ان يتضمن آلاف الحركات في وجه الانسان. ويقول مختص البرامج بيتر مك اون من جامعة لندن «في الغالب لا نستطيع معرفة ملامح اي وجه ارهابي قادم من آخر نقطة في العالم، فليس لدينا مواد ذات طابع دراسي وتحليلي بصورة كافية». لكن المختصة ايما تشكك اصلا في عموم البرنامج، حيث تقول «ان الناس الذين يصلون الى المطار، يكونون في الغالب متعبين جدا، ويشعرون بمرارة السفر والانتظار الطويل، وتغزو وجوههم الكثير من الانفعالات بسبب صعوبة السفر أو مفارقة الاحبة أو الاهل أو لاسباب اخرى، ولا نستطيع ان نحدد عندهم طبيعة المتغيرات أو المزاج». وتضيف مع ابتسامة خفيفة «لديَّ قناعة، بان الناس الموجودين في الحكومة الاميركية، يشاهدون في الغالب افلام توم كروز، ويريدون تطبيق افكارها».