هل ينجح الاقتصاد فيما فشلت فيه السياسة؟ وهل تحقق باريس ما عجزت أنابوليس عن تحقيقه؟ تساؤلات كثيرة تتردد في الوقت الذي تستضيف فيه باريس ما اختارت له مسمي مؤتمر المانحين لدولة فلسطين مؤتمر يفتتحه صباح اليوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أرادت باريس أن تعبئ من أجله المجتمع الدولي بأسره دعوات وجهت الي أكثر من90 وفدا شملت دول الاتحاد الأوروبي, مجموعة الثماني الكبري الدول العربية والشرق أوسطية الدول الصاعدة الكبري والدول ذات الجاليات الفلسطينية الكبيرة الي جانب المؤسسات المالية الدولية والإقليمية, والمفوضية الأوروبية والأمم المتحدة. والهدف.. تهبئة المانحين في إطار استمرارية مؤتمر أنابوليس, وتقديم دعم حقيقي مالي وسياسي للسلطة الفلسطينية, يمكنها من أن تكون لديها القدرات اللازمة لبناء دولة قادرة علي البقاء. وفق ما يقوله الوزير برنار كوشنير, وزير خارجية فرنسا فالدولة.. ليست فقط مفاوضات حول أرض ولكنها تمس مسائل تتعلق بالأمن, وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية, ونظم الصحة والتعليم. السلطة الفلسطينية.. التي عبرت عن الرغبة في تنظيم هذا المؤتمر خلال زيارة كوشنير للأراضي في سبتمبر الماضي, أعدت للمؤتمر برنامجا, خطة ثلاثية للتنمية والاصلاح للسنوات الثلاث المقبلة. وحددت رقما تحتاجه هذه الخطة,5,6 مليار دولار, موزعة علي السنوات الثلاث المقبلة حتي العام2010, من بينها3,9 مليار لدعم الميزانية والمصروفات الجارية والرواتب وغيرها و1,7 مليار لتمويل مشروعات. البرنامج الذي أيدته المؤسسات الدولية, صندوق النقد والبنك الدوليين.. تصفه فرنسا بأنه برنامج طموح وواقعي.. ومعقول.. خطة اصلاح متماسكة وصلبة, ترسم الطريق للسلطة الفلسطينية.. وتحدد أهدافا قصيرة المدي ومتوسطة المدي.. تواصل في الأرض. وانفتاح اقتصادي ومؤسسات قوية, ومستقلة وبنية تحتية فعالة. فرنسا استجابت لطلب السلطة الفلسطينية لأسباب عديدة: أهمها أن فرنسا تريد مساعدة الشعب الفلسطيني, وهي متشوقة الي لعب دور نشط وفعال في عملية السلام وطبيعة الرئيس ساركوزي, وأيضا وزير خارجيته كوشنير, تتفق تماما مع هذه الرغبة في التحرك وفي المبادرة وقد وجدت أمامها الفرصة متاحة ولأول مرة لكي تدخل في عملية ظلت أبوابها مغلقة في وجهها طوال السنوات الماضية. ومن هنا.. كان التركيز في تصريحات المسئولين الفرنسيين, علي أن هدف المؤتمر ليس فقط تقديم الدعم المالي وانما أيضا الدعم السياسي, وهذا هو الجانب الجديد في الدور الفرنسي.. ومن هنا أيضا كان توجيه الدعوة لدول ومؤسسات لم يسبق لها ولا ينتظر منها تقديم منح للدولة الفلسطينية المرتقبة من بينها علي سبيل المثال, دول أمريكا اللاتينية.. شيلي.. وأيضا البرلمان الأوروبي, دعم سياسي ودخول في المجال السياسي, من مدخل الاقتصاد والتنمية.. والمنح. جانب آخر يركز عليه المسئولون عن المؤتمر.. وهو أن المؤتمر ليس مؤتمرا للضفة الغربية, ولكنه مؤتمر من أجل كل فلسطين.. أي أن قطاع غزة مدرج في الخطة. فالحديث عن الاحتياجات المالية.. يعني الاحتياجات لكل الأراضي, لفلسطين, سواء تعلق الأمر بالميزانية أو بالمشروعات.. وهناك الكثير من الدول التي ستقدم وعودا تتعلق بمساعدات انسانية.. ومساعدات عاجلة.. ومساعدات غذائية.. وهذا سيذهب الي غزة.. وفيما يتعلق بالمشروعات هناك مشروعات خاصة بغزة.. وكل الاصلاحات التي تعتزم السلطة القيام بها تتضمن قطاع غزة. تساؤلات دارت خلال الإعداد للمؤتمر حول حرية الحركة والتنقل للممتلكات والأشخاص.. فالكل يدرك أنه لا يمكن أن تتحقق تنمية اقتصادية مستدامة, في ظل حصار وحواجز ونقاط تفتيش.. وغيرها, بل لابد من حرية التنقل للممتلكات وللأشخاص, لرءوس الأموال وللخدمات, ولهذا فإن المؤسسات الدولية والبنك الدولي يقولون في تقريرهم.. إن التنفيذ المناسب للبرنامج الاقتصادي الفلسطيني يستلزم في الواقع.. الرفع التدريجي للحواجز وسائر أشكال التفتيش.. وبالتوازي.. فإن إسرائيل ليست وحدها التي تقول.. نعم, هذا ممكن, ولكن هذا يستلزم أيضا تحسين الظروف الأمنية. المسئولون عن تنظيم المؤتمر.. لهذا السبب.. وجدوا أنه ليس من غير المشروع وضع الشروط الأمنية ضمن جدول أعمال المؤتمر.. واتفقوا مع تقرير البنك الدولي في آخر سبتمبر, الذي رفض الدخول في منطق السببية.. وأن تتقدم الأمور بالتوازي, بحيث يكون الكل علي وعي في النهاية.. بأن التنمية الاقتصادية المستدامة لايمكن أن تتقدم مع وجود نقاط مراقبة وتفتيش, ولكن.. علي أن يتم التقدم تدريجيا في رفع الحواجز وفي تحسين العملية الأمنية دون أن يتم ذلك بشكل رهباني.. كما يقولون.. بل لنتقدم مشروعا بمشروع. تحفظات أثيرت بشأن ما يمكن وصفه بالممارسات الإسرائيلية المدمرة, للمنشآت والبنية التحتية.. دون مراعاة.. فهناك مشروعات قام بها الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية. ثم دمرتها إسرائيل.. ولذا فإنه من غير المجد أو الفعال البناء لمجرد البناء, بل لابد من وجود نوع من الضمانات. ومنطق القائمين علي المؤتمر.. يتلخص في أنه.. بقدر ما هو من الضروري والمفيد والمشروع وضع شروط لتحويل الأموال الي بلد ما في ظروف عادية, بقدر ما هو معقد أن نجعل الأموال المرسلة الي بلد ما, مشروطة بتصرفات دولة أخري.. بمعني إسرائيل.. المهم أن المجتمع الدولي مصمم علي المضي قدما في مشروعه, وفي ارادته, لعل في ذلك دعما لمسيرة السلام المأمول. المهم أن فرنسا تريد المساعدة علي بناء دولة فلسطينية قادرة علي البقاء, من الناحية السياسة... وهذا هو ما استهدفه أساسا مؤتمر أنابوليس, والمفاوضات التي تجري بعد ذلك, واقتصاديا, وهذا هو ما يستهدفه مؤتمر باريس.. ومن المؤكد أن مشاركة الرئيس نيكولا ساركوزي في المؤتمر, تعد تعبيرا واضحا, عن ارادة فرنسا.. في دعم الشعب الفلسطيني. المؤتمران.. أنابوليس وباريس.. ينطلقان من نفس المفهوم.. وان كانت باريس ترفض الربط بين النتائج التي توصل إليها أنابوليس...( والذي كانت نتائجه في حدها الأدني.. ودون التوقعات والآمال) وبين ما يمكن انتظاره من مؤتمر باريس. فمؤتمر باريس الذي ينعقد ليوم واحد لن تتوقف مهمته مساء اليوم17 ديسمبر, بل ستكون هناك آلية للمتابعة.. باريس ستشهد في نهاية المؤتمر اجتماعا مشتركا للرباعية مع لجنة المتابعة العربية, ويظل التساؤل في النهاية قائما.. هل يحقق مؤتمر باريس ما لم يحققه مؤتمر أنابوليس, خاصة في ظل ما نراه علي أرض الواقع من ممارسات إسرائيلية مدمرة ومستفزة تسير علي عكس الاتجاه المأمول, فهل ينجح أصدقاء إسرائيل الذين فتح المجال أمامهم للعب دور سياسي في اقناعها بأن السلام المطروح, هو السبيل الوحيد للأمن والاستقرار لها وللمنطقة وللعالم, وبضرورة الامتثال للشرعية الدولية؟!.