التواصل الحضاري مطلب الشعوب جميعاً لكن أطماع القادة والحرص علي السيطرة وثقافة الإقصاء التي لا تعرف إلا دخر الآخر وكسره كل هذه الأمور تحول دون التواصل الذي من شأنه أن ينشر في الكون التعاون والتواد والتسامح والسلام. من هنا تأتي أهمية الدائرة المستديرة التي أقامتها جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية وشارك فيها نخبة من المفكرين من مصر وليبيا ولبنان ومن منظمة الايسيسكو والمجلس الإسلامي العالمي للإغاثة. في كلمته قال فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية ركز علي النموذج المصري في التعايش والتواصل فيما بين أبناء الشعب الواحد وقال: إن هذا النموذج واقع حي لمن يريد أن يحتذي به أو يعرف سماحة الإسلام واستيعابه لأبناء الديانات الأخري وإذا كان النموذج المصري يتضمن مسلمين ومسيحيين فقد كان في الماضي يشاركهم اليهود الذين رحلوا طواعية عن مصر. وقال: إن حب الله وحب الوطن هو الحاكم الرئيسي للعلاقة بين أبناء الشعب الواحد وهي علاقة من شأنها أن تجعل المجتمع يتجاوز عن كل ما يعيق تواصله وتضامنه. وأشار إلي أن الإسلام هو أول من وضع حق المواطنة وأقرها وطبقها في المدينة وسجلها في وثيقة مكتوبة عرفت بصحيفة المدينة. أما الدكتور جعفر عبدالسلام أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية فقد استعرض ألواناً من التعايش والتواصل بين اتباع الأديان المختلفة في ظل الحضارة الإسلامية التي لم تستنكف أن تتخذ من غير المسلمين مستشارين ومسئولين وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم نموذجاً في ذلك حين اتخذ دليلاً في هجرته مشركاً وكأنه صلي الله عليه وسلم يضرب لنا المثل أو يقدم لنا سنته العملية في التواصل كما ان علاقته بجيرانه اليهود خير شاهد علي حالة التواصل بين المسلمين وغير المسلمين. وأضاف: ان الحضارات قبل الإسلام كانت لا تعرف إلا الإقصاء والقضاء علي المخالف حتي جاء الإسلام فأقر حرية الإيمان وحرية العبادة وحرية التدين وجعل الإكراه جريمة عظيمة لا يقترفها إلا مجترئ علي حدود الله سبحانه وتعالي. أما الدكتور محمد أحمد الشريف أمين عام جمعية الدعوة الإسلامية فقد أكد ان الإيمان بالتواصل وأهميته في علاقات الأمم هو الخطوة الأولي للتخلص من الصراعات التي تتفاقم يوماً بعد يوم وبدلاً من أن يصل العالم بالتقدم والتحضر إلي السلام نجده يصل إلي الأسوأ لانه فقد قيمة التواصل وكفر بها واعتبر الأقوياء ان الآخرين لا يجوز لهم إلا الانصياع لهم. لذا فإن العودة إلي قيمة الحق والعدل والإيمان بالتواصل هو السبيل إلي تخليص العالم مما يعانيه وأكد فضيلة الشيخ فوزي الزفزاف عضو مجمع البحوث الإسلامية ان الإسلام أخبر العالم أجمع من خلال الوحي ان اختلاف الناس هدفه التعارف والتعاون والتواصل لا الصراع لان الناس لو خلقوا نموذجا واحدا ما تحقق لهم التقدم ولما استطاعوا إعمار الأرض كما أمرهم الله يقول تعالي: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ويقول: "هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها". وأضاف: ان المساواة بين الناس مبدأ إسلامي يصرف النظر عن معتقداتهم وألوانهم واعراقهم والمساواة هنا في الحقوق والواجبات بل ان الإسلام يرفض أن يصف شعب نفسه وصفاً يحمل معني التعالي والتفوق وطهارة السلالة ونقاء المعدن ويصف الآخرين بعكس ذلك يقول صلي الله عليه وسلم: "ياأيها الناس إن ربكم واحد وأباكم واحد ألا لا فضل لعربي علي أعجمي ولا لأعجمي علي عربي ولا لأسود علي أحمر ولا لأحمر علي أسود إلا بالتقوي أبلعت..؟" قالوا بلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم. وقال: إن ادعاءات الغرب بالحرية والمساواة وحقوق الانسان ادعاءات زائفة أما الدكتور محمد السماك رئيس لجنة الحوار الإسلامي المسيحي بلبنان فقد أكد ان بناء جور التواصل الثقافي والمعرفي عملية صعبة تحتاج إلي نفس طويل وإلي رعاية دائمة فهي أشبه بتشجير الصحراء ولكن عندما تتوطد دعائم هذه الجسور أي عندما تخضر الصحراء يتغير واقع وصورة العلاقات بين الناس حتي العدو قد يبدو وكأنه ولي حميم كما أخبرنا القرآن في قوله تعالي: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".