كغيرهم من الناس في الدول التي تحترم حقوق الانسان وحريته, اعتاد البريطانيون الاحتكام للقانون عند الخلاف, أي خلاف, مع السلطة. فماذا لو اصبح القانون نفسه هو سبب الخلاف. اعتاد البريطانيون أيضا أن يكون الاقناع للوصول الي حل وسط هو السبيل الوحيد في بلد لا يعتبر الالتزام الحزبي الأعمي هو دليل الولاء الوحيد للحزب الحاكم, فحقوق وحرية الناس فوق الاحزاب وهذه قضية الساعة الآن في البرلمان البريطاني. فمنذ اطلقت الحكومة البريطانية رسميا اول رصاصة في الجولة الخامسة من معركة مواجهة الارهاب بالقانون بدأت الجولة التي لايزال يصعب التنبؤ بنتيجتها بتقديم وزيرة الداخلية جاكي سميث مشروع قانون, طال انتظاره, لتقوية النظام القانوني الذي تعتمد عليه بريطانيا في مكافحة الارهاب. 28 بدلا من90 هذه الجولة أرجئت أكثر من مرة بسبب هزيمة الحكومة السابقة برئاسة توني بلير عندما أرادت استكشاف الاجواء في ساحة المواجهة, فبلير ضغط بكل ما اوتي من قدرة علي المناورة البرلمانية والأدلة الاستخباراتية ودعم الشرط ولكنه فشل في تحقيق الهدف تمديد فترة اعتقال المشتبه في تورطهم باعمال ارهابية من اربعة عشر يوما الي90 يوما. وكان رقم ال90 صادما ليس فقط لمنظمات حقوق الانسان والحريات المدنية بل لكثير من نواب البرلمان من مختلف الاحزاب وانتهي الأمر بالتوصل لحل وسط يقضي بتمديد الفترة الي ثمانية وعشرين يوما, ليصدر قانون مكافحة الارهاب الرابع, المعروف بقانون الارهاب لعام2006, في تاريخ بريطانيا المعاصر. فقبله أصدر البرلمان, بعد معارك ضارية, ثلاثة قوانين: قانون الارهاب لعام2000 وقانون مكافحة الارهاب والجريمة والأمن لعام2001, وقانون منع الارهاب لعام2005, ولم يكن هناك يد من موافقة الحكومة علي تشكيل لجنة مستقلة دائمة برئاسة لورد كارليلي المحامي تتولي المراجعة السنوية لتطبيق القانون, وأي قانون لمكافحة الارهاب قد يصدر في المستقبل, كي تمر القوانين بعد تدقيق صارم في النصوص. وفي يوليو2007 اي بعد أيام من توليه السلطة( في يونيو2007) أعلن جوردن براون, رئيس الوزراء الجديد أن أمامه عدة خيارات لمكافحة الارهاب فيهم من28 الي56 يوما. ورغم اجهاض محاولات ارهابية, وصفتها اجهزة الأمن والاستخبارات بانها مؤامرت كبيرة وخطيرة تلقي تحذيرات من رد فعل محرج لو تجرأ, وهو لايزال في شهوره الأولي, وطرح مشروعه لتشديد الاجراءات القانونية علي البرلمان. تحذير ونداء طوال الفترة بين يونيو2007 وحتي يناير2008 بدا ان هناك حملة اعلامية مخططة بعناية لتهيئة الاجواء لاعادة المحاولة فاصدر رئيسا جهاز الاستخبارات الداخلي إم آي5( الحالي والسابق), وبراون نفسه, ووزيرة الداخلية, بين حين واخر, بيانات وتقارير توحي بان بريطانيا تواجه خطر ارهابيا, وصف الخطر, مرة, بأنه جدي, وأخري بأنه معقد, وثالثة بأنه قد يكون كيماويا مدمرا يستهدف قتل عشر الآلاف. وانتهت الحملة بالتحذير الاخير لوزيرة الداخلية( اننا نواجه تهديدا غير مسبوق من الاهارب في هذا البلد.. ونحن عازمون علي اتخاذ الاجراء اللازم لحماية الناس من الهجمات في المستقبل) ثم اتبعت التحذيرات بالنداء التالي: لان حجم خطر الارهاب ينمو ويزداد تعقيدا في طبيعته, ان الناس( المعنيين في أجهزة الأمن والشرطة) يحتاجون الي التدخل المبكر لأن هدف الهجمات الارهابية المحتملة هو قتل اعداد هائلة دون تحذزير. تصورت سيمث, بعد هذه الحملة المستمرة بشكل شبه اسبوعي, أن الأجواء مهيأة لبدء الجولة الخامسة, فطرحت, في مشروع القانون الجديد باسم قانون مكافحة الارهاب, عدة مطالب تشمل: حق الشرطة في استجواب المتهم بعد توجيه التهمة اليه رسميا( وهو ما يمنعه القانون الآن) تشديد العقوبة لحد السجن مدي الحياة, وادراج المدانيين بالارهاب في قوائم خاصة لمراقبتهم لفترة محددة مثلما يحدث مع المدانيين بجرائم اعتداء جنسي, واستخدام الحمض النووي ومصادر ممتلكات مستخدمة في اعداد المخطط الارهابية( مثل المنازل) ومنع اي شخص من السفر في حالة الشك أجهزة الأمن في أن السفر يتعلق بأغراض الارهاب. مطلب قديم جديد أما المطلب القديم الجديدة فهو تمديد فترة احتجاز المعتقلين بشبهة الارهاب قبل توجيه تهم رسمية اليهم أو احالتهم للقضاء وينص مشروع القانون علي رفع الفترة من28 يوما الي42 يوما.. وهذا موضع صراع الحكومة من اعضاء البرلمان وجماعات حقوق الانسان المدنية. المعارضة تطالب بالطوارئ ويطرح حزب المحافظين والاحرار الديمقراطيين المعارضين ونواب حزب العمال المتمردين تساؤلا: اذا كان الامر يتعلق بعملية طارئة أو ظروف خاصة داهمة فقط فلماذا لا تلجأ الحكومة بصلاحيتها الحالية في تطبيق تفعيل قانون الطوارئ المدني بدلا من المطالبة بصلاحيات جديدة للشرطة؟ ونبش البعض في الميزانية, فوجد ان الشرطة حصلت عام2007 وحده علي مليار ومائة وسبعة وستين مليون جنيه استرليني لمكافحة الارهاب. وتلقت وعودا بزيادة المبلغ خلال عام2008 و2009 كما حصلت الاجهزة المحلية علي45 مليون جنيه استرليني للانفاق علي برامج مكافحة التطرف والعنف خلال السنوات الثلاث المقبلة وهذه الأموال اثرت بشكل واضح علي مخصصات الخدمات العامة الاخري مثل الصحة والتعليم والمواصلات ومع ذلك لايزال قادة الشرطة يطالبون بمزيد من الصلاحيات التي قد تهدد حريات الناس. حملة اللحظات الاخيرة ووفقا للخريطة الحزبية في مجلس العموم الذي يتمتع فيه حزب العمال الحاكم بالاغلبية, فان المعارضين بحاجة الي34 نائبا عماليا لهزيمة المشروع وهذا ما يزعج وزيرة الداخلية خاصة بعد ان عبر38 نائبا عماليا عن رفضهم له ولذا فان سميث شمرت عن ساعديها وبدأت حملة اللحظات الاخيرة في البرلمان, فور تقديم المشروع, للانفراد بكل نائب معارض علي حدة لاقناعه بأن المشروع يحقق التوازن المطلوب بين الحاجة لحماية حقوق الناس ومنح الشرطة صلاحيات تستخدم لدي الضرورة لمكافحة الارهاب. وتقوم حملة الدفاع عن المشروع علي حجج منها: السلطات الجديدة لن تستخدم إلا بامر من القاضي وبطلب منها بعد تأكيدات قادة الشرطة ومدير النيابة العامة لضرورتها, القضاء سوف يراجع اسبوعيا طريقة وضرورة استخدام هذه الصلاحية, اخطار البرلمان باستخدام الصلاحيات الجديدة خلال يومين من صدور الأمر بذلك ويحق له التصويت خلال30 يوما بالرفض والغاء الامر, الحكومة اجرت مشاورات مع مختلف الجماعات والجاليات واستطلعت آراء منظمات حقوق الانسان طوال فترة اعداد مشروع القانون.. وفوق كل ذلك فان اللجنة المستقلة برئاسة لورد كارليل المحامي لمراجعة تشريعات الارهاب ستكون بمثابة التطبيق.. واصرت وزيرة الداخلية علي عرض المشروع علي البرلمان لتحمل نواب الشعب مسئولية اتخاذ القرار.