يعود أحمد حرب الروائي الفلسطيني في عمله الجديد (الصعود إلى المئذنة) إلى فترة يرى فيها أنها لم تحظ باهتمام الكتاب أو السياسيين ما بين النكبة التي تحل ذكراها الستون بعد أيام والنكسة التي وقعت عام 1967. قال حرب أستاذ الأدب الانجليزي في جامعة بيرزيت "هذه الرواية نوع من الرجوع إلى الوراء في التاريخ الفلسطيني بين النكبة (1948) والنكسة (1967) مع أن الزمن التاريخي ليس مهما لمرحلة غابت عن أقلام الكتاب والباحثين والسياسيين وهي مرحلة مهمة جدا تساوي النكبة إن لم تكن أصعب." وأضاف "يدور في ذهني وأنا أكتب هذه الرواية سبر أغوار تلك المرحلة وما فيها من خطاب سياسي واجتماعي وديني تقليدي قاد بمجمله إلى الهزيمة." وتقع رواية "الصعود إلى المئذنة" الصادرة عن دار الشروق للنشر والتوزيع في 148 صفحة من القطع المتوسط مقسمة إلى 14 فصلا يشير الكاتب في كل منها إلى عنوان أو شخصية تجسد نموذجا لوضع اجتماعي أو سياسي أو ديني في تلك المرحلة. وتبدو تجربة الكاتب الشخصية منعكسة في هذه الرواية فهو من مواليد الظاهرية في الخليل عام 1950 وسيكون عمره سنة النكسة 17 عاما مع ذاكرة حافلة بطبيعة تلك المرحلة. وقال حرب "هي رواية تعكس تجربة هذه الحياة المعاشة لذلك ربما تبرز درجة تفاعلي مع الأحداث كما المكان دائما في رواياتي ، أطلقت اسم العين على القرية التي تدور بها الأحداث التي تعكس بساطة وسذاجة مرحلة الخداع التي مررنا بها قبل 67 ." وتبدأ الرواية بالتعريف بشخصيتها الرئيسية التي تتولى سرد الحكاية "أنا يسير خليل يقظان من العين قرية لا جنوبية ولا شرقية تقع في منتصف المسافة بين بئر السبع والخليل ، ولدت في الثالث عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني لعام ألف وتسعمائة وأربعين في مغارة (صنع الجابري)." ويقدم الكاتب في هذا الجزء من الرواية "صنع الجابري" عرضا لنشأة يسير في تلك المرحلة التي كان فيها الشيخ هو "المؤذن والخطيب ومعلم العربية وغسال الموتى من الذكر". ويرد ذكر المئذنة في هذا الجزء كحلم لصبي أن يصعد إليها ويؤذن من فوقها ويدخل في تفاصيل تحمل دلالات معها لهذا الصعود ما صاحبه من خوف أدى إلى نقض الوضوء. ويستحضر حرب قبل أن يغادر هذا الجزء بعض ما كان يبثه الإعلام العربي ومنه قطع إذاعة المملكة الأدرنية الهاشمية من عمان والقدس برامجها الاعتيادية وإعلان بيان عسكري "قواتنا الباسلة تتصدى للقوات المعتدية بشجاعة واقتدار ولا تزال المعارك مستمرة." كان هذا في 13-11-1966. وفي الجزء الثاني "قنديل" وهو اسم لتلميذ مشاكس اعتاد إحراج الشيخ في أسئلته ومنها ذلك الموقف الذي سأل فيه عن الغائط فكان جواب الشيخ هو ما غوط خارج الإنسان وبعد جدل بين قنديل والشيخ يصل الكاتب إلى أن "قرية العين لم يكن بها مرحاض لا في المدرسة ولا في المسجد . كان التلاميذ يلجأون إلى حوش جعارة"وهو بقايا مبان مهدمة لمطحنة وإسطبلات زمن الانتداب البريطاني. ويواصل حرب سرد حكاية تلك المرحلة من خلال اليسير (الأسير) صالح الذي اختفى بعد معركة الرهوة 1956 في رمزية إلى بعض ما حدث. يتضمن هذا الفصل قصة ذلك البدوي (أبو حسين) الذي وجدوه بعد الاشتباك وكان مختبئا وقد أفرغ في سرواله والذي شفع له الشيخ "ما نظلم أبو حسين أكثر من اللازم. المسئولية مسئولية الحكومة اللي أعطتنا بارودة ما فيها عتاد." ويتحمل هذا البدوي فيما بعد وزر قرار الحكومة بفرض التجنيد الإجباري على أبناء قرية العين ليكون في خط الدفاع عن الثغور الأمامية للوطن "أنت السبب يا صاحب السروال... لو انك نظفت سروالك بيدك ولم تخبر الحكومة لما أعلن التجنيد الإجباري... لم يكن يعلم البدوي المسكين إن سرواله سيتحول إلى عار قومي يقيم الحكومة ولا يقعدها." وتتضمن الرواية نموذجا لفتاة (ريحانة) كانت ترسل الطعام إلى أخيها في معسكر الجيش وبعد نقاش بين الأم والجارة أن البنت كبرت ويجب أن لا تذهب للمعسكر لكنها تواصل الذهاب وتتعرض لاعتداء من احد الجنود تحمل بعدها ويتزوجها ويرحل بها عن القرية. ويورد حرب في روايته ما كانت تبثه محطات الإذاعة العربية من ترويج لنصر زائف خلال حرب 1967 إضافة إلى وصف ما جرى قبل تلك المرحلة من أحداث بين المواطنين والجيش الأردني خلال فترة حكم الأردن للضفة الغربية والخلافات العربية. ويصل بنا حرب بعد استعراض لظن الناس أن الجيوش العربية تتقدم نحوهم وهي تهزم الجيش الإسرائيلي ومنهم سكان قرية العين الذين ظنوا موكب العربات الطويل لجيش عربي "مرحى بطلائع الجيش العراقي" ليفاجأ الجميع إن من في العربات هو الجيش الإسرائيلي. وتلي الجيش بيان "باسم قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي نأمركم برفع الأعلام البيضاء على بيوتكم... خلع المختار كوفيته البيضاء ورمى عقاله في الهواء شاقا طريقه إلى باب المسجد وهو يرفع كوفيته بيده ويلوح بها حتى ربطها أعلى المئذنة" ليكون بذلك الصعود إلى المئذنة عنوانا للهزيمة والاستسلام. (رويترز)