كانت حياته حافلة فهو صاحب ''يا دنيا يا غرامي ''وجفنه علم الغزل'' و ''الجندول'' والحان ''اسالك الرحيلا'' و''انت الحب'' ''وغدا القاك ''وتطول القائمة ، في سرد حياة عبد الوهاب عميد الاغنية العربية وملحنها طوال نصف قرن او يزيد .. وبعيدا عن تحفظه المعروف في اطلاق الاحكام يسجل المطرب الراحل محمد عبد الوهاب في أوراقه بصراحة غير معتادة اراء حادة في موسيقيين وفنانين .. ففي ''رحلتي ..الأوراق الخاصة جداً" لعبد الوهاب ،الذي صدر مؤخراً عن دار الشروق المصرية ويقع في 159 صفحة متوسطة القطع ،وأعده وقدمه الشاعر فاروق جويدة،يبدو مطرب الجيل حادا في انتقاده لكمال الطويل وعبد الحليم حافظ وبليغ حمدي وسيد مكاوي .. ويصف عبد الوهاب الملحن المصري بليغ حمدي (19321993) بأنه (موهوب)، وكان ملحن شارع أكثر مما هو ملحن صالون لكنه ''ومضات من ألماس مركبة على تركيبات من الصفيح...عنده صمم لغير ألحانه فهو لا يحس بجمال غيره ولا يريد أن يحس بهذا الجمال واذا مدحته في حضوره انتفخ كالديك الرومي وقال من غير أن يقول.. هل من مزيد. بليغ ليس فيه خجل الفنان الكبير...عندما أسمع لبليغ خاطرا جميلا أشعر بأنه ليس صاحب الفضل فيه وانما جاءه الخاطر من الغيب'' كما يتهمه بأنه تجاري في الحانه. ويقول ان المصري حلمي بكر يلحن للموسيقيين بهدف جذب انتباههم. أما سيد مكاوي /1926-1997/ فهو مريح وهادئ ويشعر عبد الوهاب حين يسمع مكاوي يغني بأنه ''يسب المغنيين والملحنين ويسب اليوم الذي وجد فيه في وقت واحد مع هؤلاء وهؤلاء. وأشعر وكأنه يقول لهم بغنائه.. لكن قسوة عبد الوهاب لا تنتقل معه من الموسيقيين الى المطربات والراقصات. فيقول عبد الوهاب تحت عنوان /فيروز.. سلطة الاغنية القصيرة ان فيروز ''أقدر المطربات في تأدية الاغاني القصيرة'' نظرا لقدرتها على أن تطرب السامع في أقصر وقت كأنه استمع اليها لساعات. وحين يكتب عبد الوهاب عن الراقصة والممثلة المصرية الراحلة تحية كاريوكا يختار عنوان /رمز الاستقلال الفني/ قائلا انها قادرة على أن تعطي ما عندها من فن وحركة في متر مربع واحد بابهار كبير لما في أدائها من شموخ وثقة وعقل حيث جعلت للراقصة المصرية شخصية وسط اللبنانيات والارمن وغيرهن اذ كان رقصهن كطعام خال من الملح لكن ''رقص تحية مسبك. وكان ظهور تحية ونجاحها ظاهرة وطنية... حررت الرقص من استعمار الاجنبيات. فرح المصريون كما فرحوا بانشاء بنك مصر كظاهرة من ظواهر الاستقلال الاقتصادي'' مضيفا أنها جعلت للرقص والراقصة احتراما اجتماعيا لم يكن موجودا قبل ظهورها. ويقول جويدة في مقدمة عنوانها /عبد الوهاب.. وصداقة عشرين عاما/ انه قضى عاما كاملا مع الاوراق التي سلمتها له أرملة عبد الوهاب وتزيد على 600 ورقة مختلفة الاشكال منها كراسات قديمة وقصاصات صغيرة وأوراق خاصة بفنادق مضيفا أنه اكتشف ''عبد الوهاب اخر غير الذي نعرفه'' من خلال أوراقه الصريحة. ورغم قضاء هذه السنة في صحبة أوراق عبد الوهاب فان الامر يلتبس أحيانا على القارئ فلا يعرف المسافة بين كاتب الاوراق ومحررها اذ يسجل الكتاب تحت عنوان /هؤلاء في كلمات/ ملخصا عن رأي يفترض أنه لعبد الوهاب في شخص ما. لكنه يقول عن عبد الحليم حافظ بالنص ''وجه عبد الحليم جمل القبح. وعبد الحليم لا يصدق الا حينما يغني. كان عبد الحليم ضعفا وقوة. ولم أجد في مسلسل العندليب الا ضعفه''. وعرض المسلسل التلفزيوني /العندليب/ عام 2006 في حين رحل عبد الوهاب عام 1991. ويصف عبد الوهاب في أوراقه الملحن المصري كمال الطويل /1922-2003/ بأنه ''موهوب وعاقل...وربما يكون أجمل خاطر عند كمال لا يبلغ أكثر من ثمانية من عشرة ولكنه يضعه في اطار لا يقل عن سبعة أو ستة من عشرة... ليس تاجرا في فنه بالرغم من أنه تاجر جدا في حياته'' مضيفا أن الطويل ملحن نخبوي ''ملحن صالون'' أكثر مما هو ملحن شارع لكنه بلا ومضات باهرة. وكان الطويل رفيق رحلة عبد الحليم حافظ كما لحن لام كلثوم قبل أن يلحن لها عبد الوهاب ببضع سنوات ومن ألحانه الشهيرة نشيد /والله زمان يا سلاحي/ الذي كتبه صلاح جاهين وغنته أم كلثوم وظل السلام الوطني لمصر حتى استبدل به السادات نشيد /بلادي بلادي/ بعد معاهدة السلام مع اسرائيل عام 1979. و على الرغم من تقديم عبد الوهاب أعمالا فنية غزيرة تلحيناً وغناء في الإشادة بالثورة وزعيمها عبد الناصر، منها (بالعلم والإيمان) و(الله يا بلادنا) و(دقت ساعة العمل الثوري) إضافة إلى أناشيد شاركه فيها مطربون عرب ومصريون منهم عبد الحليم حافظ ونجاة وشادية وفايزة أحمد ووردة وصباح، منها (الجيل الصاعد) و(صوت الجماهير) و(الوطن الأكبر) و(يا جمال النور) الذي يقول عبد الوهاب في أحد مقاطعه (يا جمال النور والحرية يا جمال ثورتنا العربية) وفي أغنية (بطل الثورة) يقول عبد الوهاب (انت حبيبنا يا جمال انت ناصرنا يا جمال). لكن الكتاب يخلو من أي صورة لقصاصة أو ورقة بخط عبد الوهاب. وكان عبد الوهاب لقّب بموسيقار الأجيال، وارتبط اسمه بالأناشيد الوطنية. . وبدأ حياته الفنية مطرباً بفرقة فوزي الجزايرلي عام 1917 م. في عام 1920 م قام بدراسة العود في معهد الموسيقى العربية. و بدأ العمل في الإذاعة عام 1934 م وفي السينما عام 1933وارتبط بأمير الشعراء أحمد شوقى ولحن أغان عديدة له، غنى معظمها بصوته ولحن كليوباترا والجندول من شعر علي محمود طه وغيرها كما لحن لام كلثوم وفيروز وعبدالحليم حافظ ووردة الجزائرية وفايزة أحمد . وكان اول لقاء جمع عبدالوهاب بأم كلثوم عام 1925 بمنزل أحد الأثرياء حيث غنيا معاً دويتو ''على قد الليل مايطوّل'' ألحان سيد درويش ومن بداية الثلاثينيات وحتى أواخر الأربعينات كانت الصحف تلقب كلاً من عبدالوهاب وأم كلثوم بالعدوين إلا أنه جرت محاولات للجمع بينهم. فكانت المحاولة التي قام بها الرئيس جمال عبد الناصر حيث انتهز احتفالات أعياد الثورة وعاتبهم على عدم قيامهم بأى عمل فني مشترك أثناء لقائه بهم فوعداه بالعمل على ذلك وجاءت أغنية ''أنت عمري'' كأول عمل مشترك بينهم، وقد حققت الأغنية نجاحا ساحقا شجعهم على المزيد من التعاون لتغنى أم كلثوم عشر أغنيات من ألحان عبدالوهاب خلال تسع سنوات فقط هي:- إنت عمري وعلى باب مصر وإنت الحب و أمل حياتي وفكرونى وهذه ليلتى و أصبح عندي الآن بندقية ودارت الأيام ، وغداً القاك و ليلة حب وأُطلق على هذا التعاون اسم لقاء السحاب وتزوج محمد عبد الوهاب ثلاث مرات. الأولى في بداية مشواره الفنى وهى سيدة تكبره بربع قرن يُقال أنها أسهمت في إنتاج أول فيلم له هو الوردة البيضاء وتم الطلاق بعدها بعشر سنوات. فى عام 1944 تزوج من''إقبال'' وأنجبت له خمسة أبناء وكان زواجه الثالث والأخير من ''نهلة القدسى''. ولا يستطيع القارئ بعد الانتهاء من الكتاب أن يعرف إن كان عبد الوهاب يكتب يوميات بانتظام أم كان يسجل آراء وخواطر عفوية. ويقول جويدة في مقدمة عنوانها (عبد الوهاب.. وصداقة عشرين عاماً) إنه قضى عاماً كاملا مع الأوراق التي سلّمتها له أرملة عبد الوهاب وتزيد على 600 ورقة مختلفة، مضيفاً أنه اكتشف (عبد الوهاب آخر غير الذي نعرفه) من خلال أوراقه الصريحة. اما رحلة عبدالوهاب مع الفن فجاءت في بداية الأوراق، ويبدأها بتأملات إنشائية لاتقدم خبرة خاصة: (رحلة الإبداع عندي هي التي أشعر فيها بأنني أحب.. وأنني عاشق ولهان ولا أستطيع أن أفارق حبيبتي لحظة واحدة). وعلى هذا المنوال تمضي تأملاته في الفصول الأخرى، فتحت عنوان واعد (رحلتي مع المرأة والحب) يتساءل عبدالوهاب: لماذا تعشق المرأة الفنان؟ ولم تخرج آراء عبدالوهاب في السياسة على قانون البساطة الذي يطبع هذه الأوراق، ويعبر فيها عن موقفه السياسي، بفجاجة ومباشرة صادمتين، وبرأيه أن عبدالناصر (كان يخطب في الجمهور وهو غير مؤمن بما يقول ويعلم أنه يخدع الجماهير ومع ذلك تصدقه الجماهير بتحمس شديد، وكان أنور السادات يخطب في الجماهير وهو مؤمن بما يقول ومع ذلك كانت الجماهير لا تصدقه.