مباحثات الرئيس حسني مبارك مع المسئولين الروس لاتتركز فقط علي استعراض القضايا السياسية المهمة الخاصة بعملية السلام في الشرق الأوسط وخروجها من المأزق الحالي, ولاتتناول فقط بحث تطورات الأحداث في العراق, والوضع في لبنان في ضوء أزمة الاستحقاق الرئاسي, والوضع في اقليم دارفور, وانما تشمل أيضا إعادة صياغة العلاقات القديمة بما يتماشي مع التطور الكبير الذي حدث في البلدين, بالاضافة إلي تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات والقطاعات. وهذا التعاون المشترك يمثل بالنسبة للرئيس مبارك أولوية كبري باعتبار أنه يصب في النهاية لمصلحة الطرفين في الداخل, ويعمل علي فتح آفاق ومستوي معيشة أفضل, ويوفر فرص العمل للشباب, ويدفع بالتنمية وفرص الاستثمار, وتحديث الصناعة والتجارة والزراعة وغيرها. ويأتي في مقدمة مجالات التعاون بين مصر وروسيا التوقيع علي أتفاق مشروع بينهما في مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة النووية مما سيسمح لمصر بالاستفادة من خبرة الجانب الروسي في مجال التكنولوجيا النووية السلمية. وقد جاء القرار المصري باختيار روسيا لتنفيذ البرنامج النووي السلمي بعد عدة دراسات لعروض أمريكية وألمانية, وأن المفاضلة السياسية والفنية حسمت الاختيار لمصلحة العرض الروسي, خصوصا في ظل العلاقات التاريخية مع موسكو التي كانت الشريك الأول لمصر في تنفيذ بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي. كما أن الرئيس مبارك حريص خلال زيارته لموسكو علي الالتقاء مع وفد من كبار رجال الأعمال الروس ورؤساء كبريات الشركات الروسية الراغبة في الاستثمار بمصر ليصل بالعلاقات التجارية والاقتصادية إلي المستوي المتقدم الذي أحرزته في المجال السياسي, خصوصا أن الرئيس مبارك لاحظ كما قال في حديثه الي رئيس تحرير صحيفة راسيسكايا جازيتا البطء الشديد في تنفيذ مذكرة التفاهم الخاصة بإنشاء المنطقة الصناعية الروسية بمنطقة برج العرب غرب مدينة الاسكندرية علي البحر المتوسط. ولعل المباحثات التي جرت بين البلدين خلال الأيام الماضية للترتيب للقاء القمة بين الرئيسين مبارك وبوتين أكدت الرغبة المشتركة في تفعيل علاقات التعاون في المرحلة المقبلة خاصة أن حركة التجارة بين البلدين تشهد تطورا ملموسا, حيث تعد مصر الشريك التجاري الأول لروسيا في الوطن العربي وإفريقيا, وأن حجم التبادل التجاري بلغ2,1 مليار دولار عام2007 بنسبة زيادة39% عن عام2006 كما أن معدل الصادرات المصرية بلغ184 مليون دولار. وهناك أيضا طفرة في التدفق السياحي الروسي لمصر, حيث احتلت روسيا المرتبة الأولي علي قائمة السياحة الوافدة لمصر العام الماضي, وبلغ عدد السائحين الروس نحو مليون ونصف المليون سائح متجاوزين بذلك عدد السياحة الوافدة من ألمانيا وايطاليا اللتين كانتا تتنافسان علي شغل المرتبة الأولي بمليون سائح لكل منهما, ولاتزال هناك امكانيات كبيرة لتحقيق المزيد من التعاون في مجال السياحة والاستثمار السياحي. ولاشك أن زيارة الرئيس مبارك الحالية للعاصمة الروسية سوف تدشن نقلة نوعية في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في شتي المجالات, حيث تتطلع مصر إلي استعادة علاقاتها المتميزة مع روسيا, والاستفادة من القدرات الروسية التكنولوجية والقاعدة العلمية الكبيرة في تطوير الصناعة المصرية, باعتبار روسيا تمثل قوة اقتصادية وصناعية عالمية كبري ومؤثرة بشكل كبير في الاقتصاد العالمي. كما أن زيارة الرئيس مبارك تدفع مبدأ التعاون وتفعيله وزيادته وفتح آفاق أكبر له من خلال تذليل العقبات خاصة بعد التطور الملحوظ الذي سجلته مسيرة التعاون الثنائي بين البلدين في العديد من المجالات خلال الفترة الماضية, مما يجعل البلدين علي ثقة بأن العلاقات ستشهد المزيد من التنامي في المستقبل.