نقلاً عن جريدة الجمهورية 13/12/2007 .. من السهل جدا.. أن تصبح مليونيرا بشرط أن ترتدي بدلة شيك.. وتندمج في عالم باعة الوهم.. الذين ينتشرون الآن.. في كل مكان.. سواء بالمناطق الراقية مثل المهندسين والزمالك ومصر الجديدة.. أو الشعبية بفيصل والهرم وحواري القاهرة والجيزة. "الجمهورية".. اقتحمت هذا العالم الغريب والمتناقض وسجلت عددا من الحالات.. التي تؤكد أن بعض المصريين أصبحوا.. يحلمون بالثراء السريع دون بذل أي مجهود أو ابتكار في العمل وهي سمة.. راجت في السنوات الأخيرة.. تحت شعار "الفهلوة".. ولا يهم طريقة الفهلوة أو من الضحية!! الحالة الأولي الدكتور محمد كما يدعي والله أعلم إذا كان هذا اسمه أم لا.. عاش سنوات طويلة في أوروبا.. وهذه الفترة علمته "النصب الدولي" لدرجة الاحتراف وفجأة ظهر.. بين باعة الوهم.. مدعيا أنه يمتلك أربع حوالات.. دولية علي أحد بنوك البرازيل.. وتبلغ قيمة كل حوالة حوالي 25 مليون يورو.. وجلس في أحد الفنادق الشهيرة بشارع جامعة الدول العربية يعقد اللقاءات والجلسات.. ويستقبل نصابين صغارا وكبارا من كل لون حتي استطاع لقاء رجل أعمال صغير يحلم بالثراء السريع.. وعقد معاه اتفاقا أن يسيل هذا المبلغ في شكل صفقات سكر.. حتي لا يقعوا فريسة في أيدي مباحث الأموال العامة. المهم عقد الطرفان اتفاقا.. يقضي بأن تكون الحوالة الأولي باسم صاحبنا.. الذي جلس ينفث "الشيشة".. وعيناه تداعبان الفتيات في الفندق ويقول لنفسه خلال أيام قليلة.. سأمتلك 25 مليون يورو وسدد صاحبنا.. مبلغ 750 ألف جنيه دفعة أولي للدكتور "محمد"! الصدمة جلس رجل الأعمال ينتظر الدكتور محمد أن ينفذ الاتفاق.. وكان رده أن هناك اتفاقا والحوالة أصبحت باسمه يعني "اضرب رأسك في الحائط" وفجأة اختفي الدكتور بعد أن جمع أموالا كبيرة من الحالمين بالثراء!! الطريف أن قضية الحوالات المنتشرة حاليا في السوق المصري أصبحت حديث المقاهي في فيصل والهرم وأخيرا هناك حوالة شهيرة مع قريب لوزير خارجية سابق بحوالي 120 مليون دولار ويبحث بين باعة الوهم عن ضحية ليشتري هذه الحولة بنصف الثمن أي يبلغ 60 مليون دولار!! تمثال أصلي الحالة الثانية لمواطن كان في مركز مرموق قبل خروجه إلي المعاش.. ولكنه شغوف.. بالبحث عن الآثار.. فهو يذهب لأي مكان في مصر.. للحصول علي قطعة تمثال واحدة.. ويعمل كوسيط ويدعي أنه يفهم في الآثار.. حتي وقع فريسة لأحد باعة الأوهام بفيصل.. وأعطاه "سي. دي" وبه قطعة تمثال بزلت أسود "60سم".. تم استخراجه من إحدي المقابر بمحافظة سوهاج! ودارت اللقاءات المتعددة عن سعر التمثال حتي وصل إلي 5.2 مليون جنيه.. ولأن نصاب فيصل حريف جدا أو علي أنه يثق في الشخصية المرموقة الوسيط.. بشرط أن يعطيه 150 ألف جنيه عربون التمثال ويعطيه التمثال لبيعه علي أن يحصل الوسيط علي ثلث المبلغ.. ولأن الشخصية فاهمة كما يدعي قال إن التمثال صحيح 100% ودفع 150 ألف جنيه.. وراح يبيع التمثال.. وكانت الصدمة أن سعره 150 جنيها بحي الحسين ومنه الكثير فجلس يضرب أخماسا في أسداس وفقد المبلغ لأنه لا يستطيع أن يتقدم ببلاغ للشرطة!! أصل الحكاية "الجمهورية".. التقت مع أحد باعة الوهم ويدعي محمد برعي "الاسم الحركي" ليشرح لنا ما يدور في عالم البيزنس القذر كما يطلق عليه وقال: هناك فئة تنتشر الآن في السوق المصري يدعون أنهم خبراء في الآثار. أضاف: كل فرد خبير يملك شيئا اسمه العدة.. وهو عبارة عن مبلغ 50 أو 100 ألف جنيه يخرجها للزبون الذي يريد أن يبيع قطعة الآثار.. ثم يشترط أن يحصل علي شرط جزائي عند معاينته للبضاعة يتراوح بين 5 آلاف جنيه إلي 120 ألف جنيه ويذهب الخبير ويقوم بالمعاينة إذا وجد البضاعة وفي النهاية يحصل علي الشرط الجزائي لأن البضاعة مضروبة أو غير موجودة. أكد: مفيش آثار سليمة موجودة في الأسواق.. كلها مضروبة.. ويتم تصنيعها في الهرم أو الصعيد خاصة أسوان وبشكل متقن جدا.. لأن الكمبيوتر دخل في عملية التصنيع حيث يتم تصوير القطع الأثرية من المتاحف وعمل كوبي عليها من محترفين وتدخل مرحلة "التجميخ" وهي تضع القطعة في النار لفترة ثم معالجتها ووضعها في بيئة تخزن بها لتأخذ بها لون التربة ثم تعرض للضحايا وتم عمل صفقات عديدة وهناك أشخاص ربحوا عشرات الملايين! قضية الحوالات أضاف: أما قضية الحوالات.. فمعظم الذين يدخلون في صفقاتها من البهوات في جميع وظائف الدولة.. و90% من الحوالات مضروبة كمبيوتر والبعض الآخر صحيح.. ولكن هناك مشكلة في هذه الأموال حيث يحتجزها البنك المركزي بعد فترة.. ولن تخرج إلا بقرار من مسئول كبير! قال مصدر مسئول بوحدة غسيل الأموال: إن مثل هذه الظواهر تحت السيطرة ولن نسمح بالتجاوزات.. لأن هناك رقابة صارمة من البنوك لمنع تسلل الأموال القذرة إليها وكل بنك يبلغ وحدة مكافحة غسيل الأموال بالبنك المركزي في حالة شكه بأن هذه الأموال غير شرعية. أضاف: قضية الحوالات معظمها قضايا نصب لا علاقة لنا بها.. وكذلك الأمر بالنسبة للبورصة.. فكل شركة سمسرة بها شخصية لمراقبة عمليات غسيل الأموال بالبورصة وبالنسبة لقضية الآثار فقد كانت هناك قضية غسيل أمول شهيرة متعلقة بالآثار حققت فيها النيابة. حلم الثراء السريع .. "الجمهورية" استطلعت آراء بعض خبراء الاقتصاد عن أسباب انتشار مثل هذه الظاهرة. يقول الدكتور حمدي عبدالعظيم رئيس أكاديمية السادات السابق: إن المواطنين حاليا يبحثون عن الثراء السريع.. لأن البدائل غير موجودة.. خاصة أن الفائدة علي الودائع بالبنوك تراجعت بشكل كبير بالإضافة إلي أن المستثمرين العرب.. دخلوا السوق المصري وأشعلوا أسعار العقارات والأراضي في مصر. أضاف: إن أخطر هذه الظواهر عودة شبح شركات توظيف الأموال وهذه الشركات غير المرخصة.. تعطي أرباحا قد تصل إلي 200%.. لجذب المزيد من الضحايا. قال: هناك بعض البنوك التي دخلت السوق المصرفي في السنوات الأخيرة أصبحت تستقبل أموالا غير شرعية لاعطائها صفة الشرعية وتحصل علي مكاسب ضخمة جدا بعيدا عن أعين الرقابة. طالب بتشديد الرقابة علي البورصة لمنع تسرب الأموال القذرة خاصة أن حجم تعاملات البورصة أصبح ضخما جدا. عدم ثقة يقول الدكتور صلاح الجندي أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة: إن الفقر والبطالة هما السبب في انتشار ظاهرة باعة الوهم إذا علمنا أن نسبة الفقر في مصر لا تقل عن 20% أي أن هناك 14 مليون مواطن مصري تحت خط الفقر. أضاف: هناك ظاهرة غريبة جدا وهي عدم ثقة الناس في كل ما يطرح حولهم فمثلا شركات توظيف الأموال وما حدث حولها من ضجة في الماضي والكثير من المواطنين ضاعت أموالهم في مثل هذه الشركات إلا أن مباحث الأموال العامة ضبطت العام الماضي حوالي 156 شركة توظيف أموال فردية تعمل بدون ترخيص. وحدد الجندي عددا من الحلول للقضاء علي هذه الظواهر منها: * رفع الفائدة علي الودائع بالبنوك. * عمل برامج توعية بالوسائل الإعلامية سواء كانت مقروءة أو مكتوبة أو مسموعة. * محاربة الأمية. * توجيه المدخرات إلي عمل مشروعات صغيرة أو إلي البنوك لضمان سلامتها أو الاستثمار في البورصة عن طريق صناديق الاستثمار.