نقلاعن /جريدة الشرق الاوسط فى 13/2/2007 وكأنه زلزال، فتقرير الاستخبارات الأميركية الذي تحدثت فيه عن أن إيران أوقفت مساعيها لامتلاك الأسلحة النووية منذ 2003، جعل كثيرين في هذه المنطقة يعيدون النظر في مواقفهم وتوجهاتهم السابقة وجعل هؤلاء يشعرون بأن الولاياتالمتحدة كانت تزودهم بمعلومات خاطئة بل أنها خدعتهم وأرهقتهم بحالة استنفار طويلة ومكلفة بدعوى أن الإيرانيين اقتربوا من امتلاك هذا السلاح الذي سيُبادرون إلى ترجمته فورا في حال امتلاكه إلى نفوذ إقليمي سيشمل على الأقل الشرق الأوسط كله. وهكذا ورغم أن الرئيس الأميركي جورج بوش حاول التقليل من أهمية هذا التقرير وحاول التأكيد على أن إيران لا تزال تشكل خطراً على هذه المنطقة، وأنها مستمرة في تخصيب اليورانيوم وبوتائر مرتفعة، فإن كل دول الإقليم المعنية أخذت تفسر الكثير من تحولات الشرق الأوسط على أساس أن ما قالته الاستخبارات الأميركية يؤكد أن واشنطن بدأت بتغيير سياساتها ومواقفها السابقة، وأنه غير مستبعدٍ أن تتحول علاقاتها مع إيران من عداءٍ مرير بدأ عام 1979 بعد انتصار الثورة الخمينية واستمر على مدى كل الأعوام الماضية منذ ذلك الحين واقترب في السنوات القليلة الأخيرة من الصدام الساخن والمواجهة العسكرية. فتوجيه دعوة إلى سوريا لحضور مؤتمر «أنابوليس» والاستجابة ولو شكلياً للشروط السورية للمشاركة في هذا المؤتمر فُهم ليس على أنه محاولة لإبعاد دمشق عن طهران وفك عرى التحالف التاريخي الذي نُسِجت عراه في بدايات عقد ثمانينات القرن الماضي بين السوريين والإيرانيين بل على أنه استدراج لهذا الحلف كله إلى دائرة المهادنة والتفاهم وتقديم تنازلات متبادلة إن في العراق أو لبنان أو الساحة الفلسطينية حيث دولة الضفة الغربية موالية لجهة ودولة غزة موالية للجهة الأخرى التي وصفت نفسها ووصفتها أطراف فلسطينية بأنها «فسطاط الممانعة!!». في لبنان، شعر تحالف الرابع عشر من آذار، الذي وصفه مناوئوه بأنه تابع للغرب وواشنطن، بأن الحماس الأميركي السابق لإنهاء باقي ما تبقى من النفوذ السوري وإنهاء النفوذ الإيراني المتمثل بصورة رئيسية في صواريخ حزب الله ودولته في ضاحية بيروت الجنوبية، قد فتر وأن الأميركيين باتوا يتعاملون مع الأزمة اللبنانية المتفجرة وكأنها لم تعد تعني لهم شيئاً وأنهم تخلوا عن التعاطي مع هذه الأزمة، التي هي ليست قضية داخلية ومحلية في كل الأحوال، لحساب فرنسا التي أعادت وزير خارجيتها برنار كوشنير إلى بلاد الأرز هذه المرة، وهو يحمل غُصناً أخضر في يدٍ ولا يحمل لا بندقية ولا كرباجاً في اليد الأخرى. كل شيء بات يُشعر بأن الأميركيين، الذين كانوا يزمجرون ويرغدون ويزبدون، قد تحولوا بين عشية وضحاها إلى قطط أليفة، ولهذا فإنهم اعتبروا حضور محمود أحمدي نجاد قمة الدول الخليجية الأخيرة مبادرة مباركة، مع أن الرئيس الإيراني لم يقدم ولو تنازلاً واحداً لا قبل هذه القمة ولا بعدها، فموقفه من تدخل بلاده السافر في العراق بقي على ما هو عليه، وهو بدل الجنوح إلى التهدئة بالنسبة لمسألة التخصيب النووي بعد تقرير ال«سي.آي.أيه» المشار إليه بادر إلى رفع درجة التحدي وواصل الحديث بتصميم أكثر من السابق على أن إيران ماضية في هذا الطريق حتى النهاية. وحتى بالنسبة إلى الجزر الإماراتية المحتلة الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، فإنه في حين كان المفترض أن يكون نجاد أكثر لياقة ويتحدث بطريقة أكثر نعومة، من الطريقة الإيرانية الخشنة المعتادة، خلال قمة الدوحة الخليجية الأخيرة فإنه لم يبد ولو مجرد تنازلٍ كلاميٍّ كما أنه رفض رفضاً قاطعاً الحديث بأي شيء إيجابي عن الملف النووي الإيراني واكتفى بالقول وبلهجة فيها الكثير من الفجاجة والقليل من اللباقة: «لقد حُسم هذا الموضوع وانتهى ولا ضرورة للتطرق إليه مرة أخرى!!». لم يصدق أهل هذه المنطقة ما قاله وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس عن إيران في «منتدى حوار المنامة الأمني» الذي انعقد في عاصمة البحرين قبل أيام وهُمْ فسروا دعوته لدول الخليج كي تحمي نفسها من التهديدات الإيرانية بامتلاك مظلة مضادة للصواريخ ونظام للإنذار المبكِّر على أن هدفها هو إخافة هذه الدول ب«بعبع» غير موجود، وأن المقصود هو دفعها لإبرام صفقة سلاح مع بلاده بقيمة تزيد على عشرة مليارات دولار، وأنه إذ تحدث عن التمويل الإيراني للميليشيات الإرهابية في العراق وأفغانستان ودعم حزب الله وحماس، فإنه أراد تحسين صورة إسرائيل التي لابد من ذكرها والتحدث عنها لدى فتح ملف القدرات النووية الإيرانية. فهل أن الولاياتالمتحدة يا ترى قبلت بالهزيمة ورفعت يديها استسلاما للتطلعات الإيرانية في هذه المنطقة الحساسة التي هي منطقة مصالح أميركية حيوية وإستراتيجية، أم أن كل ما في الأمر أن هناك صفقة خفية يجري إبرامها سرّاً بين جمهورية «الولي الفقيه» و«الشيطان الأكبر»، وأن الأيام المقبلة ستشهد تقاسماً للنفوذ في الشرق الأوسط بين إيران نجاد وأميركا سواء الإدارة الجمهورية الحالية أو إدارة الديموقراطيين التي قد تحل محلها في بدايات العام 2009..؟!. وبداية وقبل الجزم لا في هذا الاتجاه ولا ذاك لابد من إبداء ملاحظتين هامتين هما:- الأولى، أن واشنطن عوَّدت هذه المنطقة والعالم كله أنها غير وفية لأصدقائها وأنها من أجل مصالحها مستعدة لوضع يدها في يد الشيطان وأنها لا تتردد في قتل أصدقائها بعد أن تستنزفهم. الثانية، أن محمود أحمدي نجاد يعتقد أن إيران وحلفاءها أحرزوا نجاحات هامة في هجومهم المتواصل ضد الولاياتالمتحدة والمتحالفين معها في هذه المنطقة، وأن ما جاء في تقرير الاستخبارات الأميركية بخصوص القدرات النووية الإيرانية هو دلالة ضعف وليس دلالة قوة، وأنه إذا كان حلف «الممانعة» حقق انتصارات ملموسة في العراق ولبنان وفلسطين، فإن عليه أن يضاعف الهجوم، وإن عليه أن يأخذ بقاعدة الصراع الذهبية القائلة: «إذا تراجع الخصم أمامك خطوة فعليك أن تضاعف هجومك ضده كي تفرض عليه أن يتراجع خطوات جديدة». لا توجد أي معطيات فعلية تشير إلى أن المشروع الأميركي في الشرق الأوسط بات على وشك الانهيار، فالذهاب إلى هذا الاستنتاج يشكل مغامرة سياسية كبيرة لكن ما يمكن أخذه بالاعتبار هو أن هناك اهتزازا في الموقف الأميركي بالنسبة لهذه المنطقة، وهذا قد يدفع واشنطن التي ثبت أنها «لا تحلل ولا تحرم» إلى وضع يدها في يد ما تسميه «الشيطان الإيراني» كما كانت وضعت يدها في يد القذافي، وكما كانت وضعت يدها في يد كوريا الشمالية بقيادة كيم جونغ إيل التي كانت تعتبرها إحدى الدول الإرهابية «المارقة»!! فكل شيء جائز، وهذا يعني أنه على العرب ألا يضعوا رؤوسهم على وسائد من ريش النعام فقد تكون هناك لعبة أمم جديدة لا شك في أنهم سيدفعون ثمنها إن هي حصلت بالفعل كما كانوا دفعوا ثمن لعبة الأمم السابقة بالصورة المدمرة المعروفة.