يحاول القادة الإسرائيليون بين الحين والآخر, تزييف تاريخهم العسكري, معتقدين أن مرور السنين قد أنسي العالم بأسره ما حدث في حرب أكتوبر المجيدة, فتارة يؤكد بعض القادة أن الحرب بين مصر وإسرائيل لم يحقق أي طرف النصر فيها مؤكدين أن القوات المسلحة المصرية عبرت قناة السويس وعلي الجانب الآخر عبرت قوة صغيرة إسرائيلية من الدفرسوار, ومرة أخري ينسب بعض القادة النصر لإسرائيل, أما آخر قصة بطلها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الحالي جابي أشكنازي, الذي يزعم أن القوة العسكرية الإسرائيلية الرادعة هي التي شكلت دافعا لدي الرئيس الراحل أنور السادات للتفاوض مع إسرائيل. جاءت هذه التصريحات الغريبة من أشكنازي خلال محاضرة ألقاها بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب, ونسي هذا القائد العسكري, وربما يتناسي أن الرئيس الراحل أنور السادات, ذهب إلي إسرائيل, وهو في قمة النصر, فقد لقنت القوات المسلحة المصرية درسا لن ينساه العالم بأسره ولو تناساه الإسرائيليون واستعادت الأرض التي اغتصبتها إسرائيل عام67. إن التاريخ لا يمكن تزييفه بأي حال من الأحوال, وإذا حاول رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أن يتناسي الهزيمة الساحقة فالواجب علينا أن نذكره بالحقيقة, التي لا يرغب في سماعها في الوقت الحالي, ويعمل علي مسحها من عقول الأجيال الجديدة من الإسرائيليين, باعتبار إسرائيل الدولة التي لا تقهر. والحقيقة التي يعلمها العالم بأسره, ويتناساها عن عمد رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية, أن هزيمة القوات الإسرائيلية, بدأت بعد يوم من5 يونيو67( النكسة), التي لم يكن لقواتنا المسلحة دخل فيها, فمنذ ذلك اليوم أخذت القوات المسلحة المصرية, في الاستعداد القوي والجاد, وإعادة البناء, استعدادا لمعركة الكرامة, واستعادة كل حبة تراب مصرية, وبدأت عمليات تعويض القوات, ما فقدته من معدات عسكرية, وتم بناء الخطوط الدفاعية, غرب القناة, وإعادة تنظيم القوات. وبعد مرور أيام قليلة, وفي يوم الأول من يوليو67 تقدمت قوة مدرعة إسرائيلية علي امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس, من مدينة القنطرة بغرض الوصول إلي منطقة بورفؤاد, وكانت القوة المصرية المكلفة بالتصدي للقوة المدرعة الإسرائيلية, هي فصيلة من وحدات الصاعقة, مزودة بأسلحة خفيفة, حيث اشتبكت معها, وألحقت الفصيلة المصرية, خسائر فادحة في القوة الإسرائيلية وأعادتها أدراجها, وسميت الموقعة برأس العش, كما أنه في يومي14 و15 يوليو67 شنت مجموعة من الطائرات المصرية هجمات مركزة وخاطفة, ضد القوات الإسرائيلية المدرعة والميكانيكية علي الضفة الشرقية للقناة, ثم جاء يوم21 أكتوبر67 حيث استطاع زورق صواريخ مصري صغير, تدمير المدمرة الإسرائيلية الأسطورة إيلات, ومن بعدها تغيرت جميع المفاهيم العسكرية البحرية. إن ما سبق كان خلال3 أشهر فقط من النكسة, وهو أكبر دليل علي أن مصر لن تتنازل عن حبة تراب مصرية. وبعد ذلك جاءت العمليات العسكرية المصرية في تقييد حرية تحركات القوات الإسرائيلية, من خلال شن هجمات خاطفة, وعمليات لرجال الصاعقة, والضرب المكثف للقوات علي طول الجبهة من الضفة الغربية, ثم جاءت حرب الاستنزاف, التي بدأت8 مارس69, بتنفيذ عمليات عسكرية ضخمة ونيران كثيفة, علي طول المواجهة, بجانب عمليات لرجال الصاعقة, واستطاعت أن تكبد الجيش الإسرائيلي, خسائر كبيرة في المعدات والأرواح, وارتوت أرض مصر بدماء الشهداء الزكية, ومنها دماء الفريق الشهيد عبدالمنعم رياض الذي استشهد يوم9 مارس69, علي جبهة القتال, وهو يوجه جنوده من أرض المعركة, وفي يوم10 يوليو69, قامت قوة مصرية في وضح النهار, باقتحام موقع إسرائيلي حصين في لسان بورتوفيق, ودمرته, وألحقت بالإسرائيليين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. وفي عام1970, بدأت القوات المسلحة المصرية بناء حائط الصواريخ لمواجهة الطيران الإسرائيلي وفوجئت القيادة الإسرائيلية في الأسبوع الأول من شهر يوليو بتساقط عدد كبير من طائرات الفانتوم الإسرائيلية بواسطة الصواريخ المصرية, وسمي هذا الأسبوع بأسبوع تساقط الفانتوم. إن كل ما سبق كان دليلا علي هزيمة القوات الإسرائيلية, قبل خوضها أي معركة للمواجهة, ولكن غرور القادة الإسرائيليين جعلهم يؤكدون أن القوات المسلحة المصرية أمامها نصف قرن من الزمان, حتي تستطيع بناء قواتها, أو أن تدخل حربا شاملة مع القوات الإسرائيلية, ولم تكن تعرف أن الشعب المصري علي مر التاريخ لم يرضخ ولم يركع لأي دولة كانت, ويظهر معدن الشعب في الشدائد الذي لا يقبل أن يتنازل عن أي حبة تراب من وطنه, ويضحي بالنفس والنفيس من أجل ذلك. ومن هذا المنطلق بدأت القيادة المصرية في ذلك الوقت التخطيط والإعداد لخوض معركة الشرف والكرامة, وتلقين القوات الإسرائيلية درسا في فنون القتال, وتحطيم خط بارليف, الذي أخذ يتغني به القادة الإسرائيليون وقتها, حيث بدأت التدريبات بقوة في جميع الاتجاهات, وتم تحديد يوم القتال, ونفذت بعدها أكبر خطة خداع استراتيجي عسكري علي مر التاريخ, ثم جاء يوم السادس من أكتوبر كالصاعقة علي رؤوس الإسرائيليين وقادتهم, وكان كالزلزال الذي هز إسرائيل من الداخل لسنوات عديدة. لقد شهدت أرض سيناء ملحمة لم يشهد العالم مثلها من قبل, فقد خاضت القوات المسلحة المصرية معارك كثيرة داخل سيناء, لقنت خلالها الجيش الإسرائيلي, دروسا لم يكن يعرفها في الولاء والانتماء, وحب الوطن, والعزيمة والإصرار علي تحرير الأرض, واستيقظ القادة الإسرائيليون من سباتهم, بعد أن أخذت القوات المصرية مواقعها الدفاعية, بعمق15 كيلو مترا في سيناء الحبيبة. وهنا يجب أن نذكر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي, أنه لم يكن هناك وجود للقوة الإسرائيلية التي زعم أن الرئيس الراحل أنور السادات, اختار السلام مع إسرائيل خوفا منها, ويجب أيضا أن يعلم أن الرئيس السادات قد ذهب إلي إسرائيل بعد أن دمر الأسطورة الإسرائيلية بفضل رجال القوات المسلحة المصرية. إن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي, الذي يتناسي الحقائق, يجب أن يعلم أن العالم بأسره يعرف جيدا ما حدث للجيش الإسرائيلي, علي أيدي رجال القوات المسلحة المصرية البواسل خلال حرب أكتوبر المجيدة, وأكبر دليل علي ذلك, أن جميع الخطط العسكرية التي نفذت في الحرب أصبحت تدرس, في أكبر المعاهد والأكاديميات العسكرية العالمية لفترات طويلة, وتم تغيير العديد من المفاهيم الاستراتيجية بسبب ما نفذه المصريون, كما أظهرت هذه الحرب العزيمة المصرية والقوة, وعدم تنازله عن أقل حقوقه. إن التاريخ لا يمكن تزييفه, فالحقائق ثابتة وواضحة, لدي الجميع والعالم بأسره, ويجب علي رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي أن يعيد ترتيب أوراقه مرة أخري, وبدلا من أن يطلق الأكاذيب, فعليه أن يصحح الخطأ, وأن يشرح للأجيال الإسرائيلية ما حدث لإسرائيل من حرب أكتوبر حتي تكون عظة وعبرة لجميع الأجيال القادمة.