قال الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب المصري إن الشبكات الالكترونية استطاعت أن تغير من دور الدولة كأمة ومن سيادتها، لأنها أدت الى انتشار فاعلين جدد عابرين للأوطان والى انشاء نماذج دولية جديدة مثل مجتمع الانترنت، والقوة الهندسية للانترنت, وإن التفاعل الثقافى وتبادل المعلومات الذى تحققه الشبكات الالكترونية ساهم فى تسهيل الاتجاهات المعاصرة للعولمة والاسراع فى حركتها. وأضاف أن الشبكات الالكترونية تمكن من تدفق الثقافة وانتشارها, وبفضل هذه الشبكات أصبحت الملاحة فى فضائها نمطاً جديداً من الملاحة، فهى ملاحة فى أعماق الطبيعة الافتراضية. ويمكن اعتبارها مصدرا جديدا للخيال يقوى الادراك ومن القدرة على الملاحظة والتخيل. وبفضلها يكتشف الانسان بنفسه ادراكا جديدا بفضل تفاعله مع الكمبيوتر، وفى ذات الوقت تزداد قدرة الكمبيوتر بفضل تفاعله مع الانسان . جاء ذلك خلال كلمته التى القاها اليوم فى افتتاح المؤتمر الاقليمى الاول حول الجريمة الالكترونية "تحديات تكنولوجيا المعلومات والتنمية الاقتصادية" . وأشار إلى الاهمية التى تحرزها الشبكات الالكترونية فى عالم اليوم، وتعاظم دورها واتساع حجمها الى أن أصبحت عرضة للاعتداء أو إساءة الاستخدام بواسطة أنماط مختلفة تتمحور وتتغير بسرعة تقارب بل وتجاوز التطور فى البنية المعلوماتية والتكنولوجية، وهو ماتقع به ما تسمى بالجريمة الالكترونية. فهذه الجريمة قد تقع على شبكة الاتصال اذا ما تمثل العمل الاجرامى فى اختراقها للحصول على مكالمات تليفونية مجانية لانتهاك سرية المعلومات الكامنة فى نظام المعلومات. كما تقع الجريمة اذا ما استخدمت شبكة الاتصال كأداة او وسيلة لارتكاب الجريمة، مثل الدخول غير المشروع الى نظام للمعلومات للاطلاع عليها او ارسال فيروس تجاه شبكة الانترنت وغير ذلك من الوسائل للمساس بسلامة المعلومات وقابليتها للمعالجة فى نظام المعلومات وقد تتجاوز نتائج هذا الاعتداء مجرد وقوع الجريمة الالكترونية الى وقوع جرائم اخرى تهدد الحق فى الحياة وفى السلامة البدنية اذا ما ادى العبث فى المعلومات مثلا الى تغيير طريق العلاج او تركيبة الدواء . وأشار سرور الى أنه فى الآونه الاخيرة استغل البعض البنية المعلوماتية والالكترونية لارتكاب الجرائم المنظمة وجرائم الارهاب من خلال تبادل المعلومات الصريحة او المشفرة. ولا تقتصر خطورة الجريمة الالكترونية على آثارها السلبية، بل تبدو فى صعوبة التعامل معها. ويرجع ذلك الى عدة أسباب منها: 1- أن الجرائم الالكترونية لاتقتصر على مكان وزمان، فأجهزة الحاسوب والمحمول وشبكات المعلومات أصبحت فى متناول الجميع، وبذلك يمكن ارتكاب الجريمة فى داخل المنزل أو فى أماكن العمل أو فى سيارة أو على ظهر سفينة أو على متن طائرة. 2- إن أشكال هذه الجريمة يتغير بسرعة فائقة تتجاوز أحيانا سرعته التوعية بأخطارها والتعامل معها والتقليل من مخاطرها. 3- صعوبة تعقب تلك الجرائم وتداخل أكثر من وسيلة فى وقوعها. فعلى سبيل المثال يمكن التواصل بأجهزة محمولة فى اليد مع أجهزة الحاسب الآلى مع شبكات المعلومات مما ييسر ارتكاب هذه الجريمة ويؤدى الى صعوبة الوصول الى مرتكبيها. 4- يشترك فى الجرائم الالكترونية وبكل أسف أفراد ذو هوية مختلفة، فمنهم الاطفال، ومنهم مبرمجو الكمبيوتر، ومنهم القابعون فى أماكن نائية بعيدا عن السمع والبصر، وفى بلاد مختلفة عن تلك التى يقع عليها الاعتداء على نظم المعلومات وكل ذلك يؤدى الى صعوبة القبض والمحاكمة فى الكثير من الأحوال. ومما يزيد هذه الصعوبات ما يتسم به المجرم الالكترونى من سمات الذكاء والمهارة والمعرفة أو التورط فى مؤامرات التجسس الصناعى. 5- لا تزال التشريعات الحالية فى مختلف بلاد العالم قاصرة عن التعامل مع أنواع الجريمة الالكترونية مما يحتاج أحيان الى كثير من التعديل لمتابعة ما يطرأ من أشكال جديدة للاجرام الالكترونى. ونشير فى هذا الشأن الى القانون رقم 10 لسنة 2003 بإصدار قانون تنظيم الاتصالات، فقد تضمن فى بابه السابع النص على عدد من الجرائم الالكترونية. ويحتاج الامر الى تطوير هذا الباب لمواجهة أثر التطورات التكنولوجية الحديثة ونشوء أنماط جديدة من الجريمة الالكترونية . وأخيراً فإن السؤال الذى يطرح نفسه ماهى الخطوات اللازمة لدرء أخطار هذه الجرائم والحد من آثارها المدمرة: 1- القيام بمزيد من التوعية والتثقيف لإعلاء القيم الأخلاقية والحث على عدم السقوط فى هذا المجال ولو على سبيل الدعابة أو المزاح. كما يجب أن تقوم المؤسسات والهيئات بتوعية العاملين بها وإظهار الجوانب السلبية للجرائم الإلكترونية. 2- تكثيف أعمال الرقابة والسيطرة لكشف المنحرفين ومنع المخربين . وهو ما يتطلب التنسيق الكامل والدائم بين المسئولين عن الاتصالات والأجهزة الأمنية المختلفة. 3- التنسيق بين التشريعات الوطنية فى مختلف الدول. وتقتضى خصوصية الجريمة الالكترونية وأبعادها الدولية بوصفها متنقلة بين الأوطان وعابرة للحدود أن تتعاون الدول فيما بينها بالنسبة الى ماتكفله من حماية قانونية للشبكات الالكترونية والمعلومات. وفى هذا الإطار لابد أن نشير الى الجهود التى بذلتها عدد من المنظمات الدولية للوصول الى اتجاه متناسق فى التشريع ضد الجريمة الالكترونية وفى محاولة منعها، وعلى الأخص منظمة التعاون الاقتصادى والمجلس الأوربى. 4- وفى مجال العدالة الجنائية يجب تزويد سلطات التحقيق بوحدات متخصصة تساعدها على استجلاء الحقيقة. وهو ما يتطلب ابتداء دعم وحدات البحث والاستدلال لمعرفة المعلومات اللازمة التى تقود نحو كشف الجريمة الالكترونية ومعرفة مرتكبيها. ونشير فى هذا الصدد الى ما يكتنف أحيانا هذا البحث واستدلال من صعوبات بسبب الطبيعة غير الملموسة للمعلومات، وقد يرجع الى صعوبة تأثير سوء الصناعة فى المحافظة على سرية المعلومات أو معالجتها وهو قد يستند اليه الدفاع لدفع أدلة الاتهام. ويجب معالجة المشكلات التى تثور عند وقوع أفعال الجريمة بين عدة دول، وهى مشكلات تثير قضايا السيادة والاختصاص الجنائى. واذا لم تعالج هذه المشكلات فى التشريعات الوطنية، فإن المبادئ العامة للقانون الدولى قد تكفل حلها. ويرتبط بهذا الموضوع بحث قيمة المحررات الالكترونية فى الإثبات. ولا صعوبة فى الإثبات الجنائى تأسيساً على السلطة التقديرية للقاضى الجنائى فى الإثبات. إنما يدور الامر فى نطاق المعاملات المدنية والتجارية، مما حدا بالمشرع المصرى الى التدخل بالقانون رقم 15 لسنة 2004 بإصدار قانون بتنظيم التوقيع الالكترونى لبسط هذه الحجية وفقا لشروط قانونية وضوابط فنية وتقنية . وأوضح سرور ان للتكنولوجيا ثمن كبير فى التقدم والمعرفة، وسوء استخدامها له ثمن فادح يتجاوز المصلحة الاجتماعية الى المساس بمصالح الأشخاص وأسرارهم بل إنه ليمتد الى القيمة الأخلاقية، وعلينا أن نتجنب عبء هذا الثمن .