نقلا عن الاهرام26/11/07 المشهور لدي الكثيرين أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات هو السبب في فشل قمة كامب ديفيد الثانية وفي ضياع الفرصة الفريدة التي أتاحتها تلك المناسبة للحل السلمي الشامل الذي يعيد علي ماقيل95% من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام1967 للفلسطينيين لاقامة دولتهم عليها, ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك كثيرا.. والشهود علي ذلك ثلاثة, كان اثنان منهم في قلب الحدث. وهما شلومو بن عامي وزير خارجية إسرائيل في ذلك الوقت, وروبرت مالي مستشار الرئيس كلينتون في مجلس الأمن القومي الأمريكي لشئون الشرق الأوسط, أما الثالث فهو الدكتور يائير بويمل الأستاذ بقسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة حيفا الإسرائيلية. في مؤتمر مغلق في برلين للسفراء الألمان في الشرق الأوسط في شتاء2003, وبحضور وزير خارجية ألمانيا السابق يوشكا فيشر الذي يعد الأب الحقيقي لخطة خريطة الطريق, اعترف شلومو بن عامي في مناظرة مع الدكتورة حنان عشراوي الوزيرة والمفاوضة الفلسطينية السابقة أن هدف باراك الحقيقي في كامب ديفيد كان هو اظهار عرفات بمظهر الرافض للتسوية, وتعريته أمام الرأي العام الأمريكي والأوروبي ومن ثم العالمي بوصفه لا يصلح شريكا في عملية السلام, للإدعاء بأنه لا يوجد شريك فلسطيني من الأصل, واعترف بن عامي كذلك بأن عرفات والفلسطينيين كانوا يشعرون بهذه الخطة من جانب باراك علي نحو غامض, ولذلك طلبوا تعهدا من الرئيس كلينتون قبل تلبية دعوته للذهاب إلي كامب ديفيد بألا يحمل عرفات مسئولية فشل المؤتمر إذا انتهي فعلا بالفشل, ولكن كلينتون لم يحفظ وعده. بالطبع تطرق بن عامي في ردوده علي أسئلة الدكتورة عشراوي إلي جوهر المفاوضات, واعترف بأن ما عرض علي عرفات كان اقتراحات افتراضية, وأنه تم تدارك هذا الخلل في الموقف الإسرائيلي في مفاوضات طابا التي عقدت في نهاية عهد حكومة باراك. ولأن بن عامي لم يتحدث في تلك المناسبة عن تفاصيل تلك الاقتراحات الافتراضية التي قدمها باراك لعرفات في كامب ديفيد, فلنستكمل بقية الرواية من كتابات روبرت مالي, ومن ندوة بجامعة فرانكفورت الألمانية في أغسطس عام2002 للدكتور يائير بويمل. يقول روبرت مالي الذي كان يكتب محاضر جلسات قمة كامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية الأمريكية, إن رئيس الوزراء الفلسطيني أصر علي الاحتفاظ بخمس قواعد عسكرية كبيرة في الضفة الغربية, بالاضافة إلي السيطرة علي ما يقرب من20% من مساحة الضفة كطرق ومرافق أمنية أخري, وهو يلتمس العذر لعرفات لرفضه ما قدم له, وذلك دون أن يتحدث عن حيلة الاكتفاء بالسيادة الفلسطينية علي ما فوق الأرض فقط في منطقة المقدسات بالقدس, وعن اسقاط حق عودة اللاجئين, في حين كان المطلوب من عرفات اعلان انتهاء الصراع. أما الدكتور يائير بويمل فقط قال في محاضرته إن باراك عرض علي عرفات في كامب ديفيد سجونا كبيرة, مسورة بالمستوطنات والقواعد العسكرية والطرق, وأن إسرائيل انسحبت من مفاوضات طابا اللاحقة لأنها فوجئت بقبول الفلسطينيين العرض الجديد, وكانت الحجة هي الانتفاضة الثانية, ويسخر بويمل من هذه الحجة, لأن الانتفاضة كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بثلاثة أشهر, أما تفسيره فهو أن باراك كان يتوقع أن يرفض الفلسطينيون العرض الجديد, الذي يصفه بأنه كان عرضا كريما بالفعل, ومن ثم يقع عليهم اللوم, ويتركهم العالم فريسة لإسرائيل. وحسب تفسير الأستاذ بويمل أيضا فإن باراك قرر الدعوة لانتخابات جديدة كان يعلم أنها ستأتي بشارون, لكي يقول للأمريكيين وللأوروبيين إذا ضغطوا عليه للعودة للتفاوض انه ليس من اللياقة الأخلاقية والوطنية العودة إلي التفاوض علي أساس العرض المقدم منه هو شخصيا, بينما تستعد إسرائيل لانتخابات مبكرة قد تأتي بحكومة أخري لا يريد أن يلزمها مقدما بأية قيود. في عجالة ما هي الدروس الواجب استخلاصها من هذه الوقائع الواردة علي لسان شهود عيان, إسرائيليين وأمريكيين؟ أول هذه الدروس بلاشك هو أن مقاطعة اجتماعات أنابوليس, أو غيرها ليست خيارا بالنسبة للعرب والفلسطينيين علي وجه الخصوص, لأن إظهار الجانب الفلسطيني والأطراف العربية أمام العالم خصوصا الأمريكيين والأوروبيين بمظهر الرافض دوما لكل الجهود والفرص هو هدف استراتيجي إسرائيلي ثابت, تجاريه الإدارات الأمريكية عند اللزوم. ثانيا: يجب علي الأطراف العربية اطلاع الرأي العام العالمي والعربي من خلال اتصال منهجي بوسائل الاعلام, ومراكز الأبحاث, والكتل البرلمانية علي مجريات التفاوض أولا بأول, واعتماد أسلوب التسريب الذي يطبقه الجميع إلا العرب عند الحاجة إلي تكتيل ضغوط شعبية وحكومية علي الطرف المناظر في المفاوضات, وهذا يضمن ألا تترك الساحة خالية للآخرين, ويضمن أيضا إفراغ الشحنة الدعائية الإسرائيلية الصهيونية من مادتها الفعالة مقدما. ثالثا: التركيز في العمل الدبلوماسي علي التوثيق, وعدم الاكتفاء بالوعود اللفظية, والتنازلات أمام الميكروفونات من الإسرائيليين, والأمريكيين, كذلك من الضروري تحديد الصياغات بشكل دقيق, وتمثيلا لذلك فلا يكفي أن يتحدث الإسرائيليون عن وقف بناء مستوطنات جديدة, أو الاستعداد لتنازلات مؤلمة, أو ضرورة تناول القضايا النهائية, كما دأب إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتحدث منذ بضعة أسابيع تسهيلا للمشاركة العربية في أنابوليس من وجهة نظره, رابعا: الحرص كل الحرص من تسليم إسرائيل ثمن بضاعة غير حاضرة.. وبوضوح لا تطبيع مع بقية الدول العربية دون جدول زمني للتسوية النهائية العادلة للصراع العربي الإسرائيلي, ويمكن أن نفكر في تطبيق مناسب للفكرة القديمة التي ابتكرها في وقتها تقرير بروكنجر الشهير عام1976, ومضمونها قطعة من الأرض, مقابل قطعة من السلام. أخيرا من المؤكد أن الدبلوماسية العربية تعي هذه الدروس وأكثر منها, ولكن المهم هو الالتزام والتنفيذ. المزيد فى أقلام و آراء