تعرض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لحملة انتقادات قوية في واشنطن شملت اولا رئيس الجمهورية جورج بوش الذي اعرب عن خيبة امله من ادائه وعجزه وحكومته عن اقرارالموضوعات السياسية الاساسية المتفق عليها والتي من شأن تنفيذها الحد من الخلافات المذهبية والاتنية والشكوك وربما تقليص موجة العنف المستشري وتقليص التأييد الشعبي الذي يحظى به الارهابيون سواء اتوا من العراق او دول عربية واسلامية اخرى، وسواء انتموا الى السنة او الى الشيعة. وشملت الحملة ثانياً اعضاء بارزين في الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه بوش وفي الكونجرس الاميركي بمجلسيه وخصوصا بعد زيارات عدة قام بها بعضهم للعراق تأكدوا خلالها ان عجلة الحكومة لا تدور سواء لعجزها عن العمل او لأجندات خاصة او فئوية غير معلنة تمنعها من العمل. وشملت الحملة ثالثا اعضاء بارزين في الحزب الديموقراطي وممثلين له في الكونجرس نفسه منهم المرشحة الابرز في الانتخابات الرئاسية الشيخة هيلاري كلينتون والمرشحة للفوز في فريق سنة 2008 على الاقل استنادا الى المعطيات المتوافرة حتى الآن ما لم تحصل تطورات غير متوقعة او مفاجآت. طبعا تراجع الرئيس بوش جزئيا عن انتقاداته لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ولاسيما بعد رد الفعل السلبي الذي اظهره الأخير على السلبية الرئاسية الاميركية منه وبعد مبادرته الى تنفيذ نوع من الهجوم المضاد جمع حوله اولا حلفاءه الشيعة والاكراد مما اظهر استعداده للقتال السياسي سواء ضد حلفائه الاميركيين او ضد جهات عراقية يشتبه في انها تحرض الاميركيين عليه للحلول مكانه. وقد ساعده ذلك في اجتذاب فريق سني الى المجموعة الرباعية التي اتفق معها، علما ان لا احد يضمن ان يكون كل ذلك نهائيا لأن الكلام النهائي في العراق ولاسيما منذ اطاحة نظام صدام حسين قبل سنوات ليس لأبنائه ولا لطوائفه ومذاهبه واتنياته بل لكل الجهات الدولية والاقليمية من عربية واسلامية سنية وشيعية وعدوة المتدخلة فيه مباشرة أو مداورة. الا ان التراجع المشار اليه لانتقاد البيت الابيض للمالكي لا يعني ان امور الاخير في واشنطن ستسوى بل يعني استنادا الى معلومات واردة من متابعين في العاصمة الاميركية ان المالكي نهجا وسياسة وموقعا ومصيرا قد يتحول مادة في حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية التي سيبدأها مطلع السنة المقبلة الحزبان المتنافسان الجمهوري والديموقراطي. والنتيجة المهمة التي لا بد ان يسفر عنها ذلك بعد انتهاء الانتخابات وايا يكن الفائز فيها، علما ان الفوز مرجح للشيخة كلينتون، هي اتخاذ الادارة الجديدة قرارا باعادة نشر القوات الاميركية في العراق على ما في ذلك من معنى محسوس لها وربما من مخططات جديدة، يمكن بواسطتها متابعة العمل لتحقيق الاهداف الاساسية من احتلال العراق ولا سيما ما يتعلق منها بالارهاب عموما وبالدورين الايراني والسوري في العراق. ماذا سيكون رد الرئيس جورج بوش حيال ذلك وفي المدة التي تسبق انتهاء ولايته في 20 يناير 2009؟ يجيب جمهوريون بارزون بان رئاسة بوش انتهت فعليا. وان الحزب الديموقراطي وخصوصا بعدما سيطر على مجلسي النواب والشيوخ في الانتخابات النصفية الاخيرة في تشرين الثاني الماضي لن يدعه يرتاح خلال المدة المتبقية له في البيت الابيض، بل سيعمل على شله وخفض نسبة تأييد الشعب له علما ان نسبة انخفاضها حتى الآن كبيرة وتاليا ضرب صدقيته وصدقية مرشحيه للرئاسة او لأي مواقع اخرى. ووسيلته لذلك ستكون بالعمل لاقرار قوانين متنوعة لا يؤيدها بوش او يرفضها وتاليا لاستدراجه كي يمارس حيالها حق النقض اي الفيتو . ولا يترك ذلك مجالا له الا العراق للعمل فيه ولكن في اتجاه واحد وحيد هو البحث عن استراتيجيا خروج او اعادة انتشار مشرفة قدر الامكان تسمح لاميركا في الوقت نفسه بتجنب هزيمة معلنة ورسمية ومدوية وبالعمل وفق سياسات اقوى لايقاع من تسببوا لها بالخسارة او الفشل في الفشل. هذا امر تستطيع اميركا النجاح فيه لأنها دولة عظمى تستطيع هضم هزيمة صغيرة او هزائم صغيرة وإن متلاحقة والتعويض في الوقت نفسه لاحقا بالنجاح والربح. هل يمكن الاستنتاج من ذلك كله ان بوش لن يبادر الى تحسين علاقات بلاده المتوترة مع جهات اقليمية عدة في مقدمها سوريا وايران الاسلامية وان خليفته الديموقراطي على الارجح سيقوم بهذا الامر استناداً الى دراسات عدد من مراكز الابحاث الديموقراطية التي توحي بانفتاح الادارة الجديدة الديموقراطية على الدولتين المذكورتين؟ الاستنتاج الاول في محله. اي لن يبادر بوش الى تحسين علاقاته بدمشق وطهران لأن المبادرة مطلوبة منهما وهما العاصيتان ليس على اميركا وحدها بل على المجتمع الدولي كله. اما الاستنتاج الثاني فقد لا يكون في محله كثيرا رغم توجهات مراكز الابحاث. وما نقل عن المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون اكثر من مرة في الفترة الاخيرة يشير الى انها في حال فوزها بالبيت الابيض لن تجتمع بمسؤولين ايرانيين وسوريين الا اذا اظهرت حكومتاهم اشارات جدية الى استعداد لتغيير جوهري في السياسات وفي وسائل تنفيذها. وما يدفعها الى ذلك هو حرصها وحزبها مثل بوش وحزبه وكذلك من يفترض ان تكون فازت عليه في الانتخابات على المصالح الحيوية والاستراتيجية لبلادهم. وهو حرص لا يساوم عليه احد وهو السقف لكل الاميركيين. وذلك بخلاف ما يجري في بلادنا، وفي بلاد اشقائنا ويا للاسف الشديد.