فاتورة باهظة التكاليف، قد تدفعها مصر في علاقتها مع مختلف دول العالم، بالذات، مع إفريقيا، نتيجة لترشح المشير السيسي لرئاسة الجمهورية، وما يجري من حشد لانتخابه، ما لم تحدث معجزة من السماء، في آخر لحظة، تحول دون ذلك. هذه هي خلاصة القراءات، الموضوعية، وليست العاطفية، أو الانتهازية، التي توصلت إليها، وأجدني مضطرا إلى البوح بها، وأتوجه بها، خالصا مخلصا، لوجه الله والوطن. أكتبها إلى كل عقلاء هذه الأمة العظيمة، ونخبتها، ومفكريها، وكتابها، وقياداتها السياسية والحزبية، والروحية، لعل وعسى يفيق الجميع من حالة الاحتشاد، غير المأمونة العواقب، التي تساق إليها البلاد، لانتخاب شخص بعينه. أقولها عالية، ألا تكفي الأخطاء الجسيمة، التي لحقت بنا، إبان الحقبة الانتقالية - الانتقامية، بالغة السواد، بعد الإطاحة برأس الأفعى، الفاسد المستبد، في 11 فبراير 2011، ليضيع الوقت والجهد والموارد والطاقات، نتيجة إتباع خريطة طريق مرتبكة، تلك الخريطة البائسة، التي رسمها وسار على نهجها المجلس الأعلى، سيئ الذكر، لمدة عام ونصف العام! كنت أتصور أن مصر الثورة، بكل أطيافها ومكوناتها المخلصة، قد استفادت من أخطاء تلك الخريطة البائسة، بعد قيام ثورة 30 يونيو العظيمة، وبعد اتفاق الجميع، تقريبا، على اتباع خريطة مستقبل معتبرة، لإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة. خريطة توقعتها تتجنب، بامتياز، خطايا الماضي القريب، غير أن إدمان البعض للطرق الملتوية، والتآمرية على الثورة والثوار، ونهم البعض الآخر للوصول إلى كرسي الحكم، بأي ثمن، وإصرار الطرف الثالث على إزاحة ما بقى من "روح وطموح" لثورة 25 يناير/30 يونيو المجيدة، كل هذه المظاهر المخجلة، طفت على سطح الأحداث، لنغوص جميعا في الهاوية السحيقة، لا قدر الله. ومناسبة ما أكتبه، تعود إلى ما تمنيته، في مقالي الأسبوع الماضي، على جنوب إفريقيا، بإعادة تقويم موقفها السلبي تجاه مصر، منذ ثورة 30 يونيو، وألا تنساق وراء الدعاية الإعلامية الغربية، التي تسعى إلى تمزيق وحدة الأفارقة. في التعقيبات، علق عدد من قراء "الأهرام"، باستبعاد حدوث تلك المراجعة، خاصة، بعد أن أبلغ الرئيس "زوما" البارونة أشتون أنه لن يشارك في قمة أفريقيا - أوروبا، التي استضافتها بروكسل، بسبب توجيه الدعوة لمصر للمشاركة فيها. تساءل قراء عن جدوى إتمام الزيارة الأخيرة لوفد حكماء إفريقيا، طالما أنه يحضر إلى القاهرة، متخيلا أنه في مهمة تيسير المصالحة مع الجماعات الإرهابية، المتشددة دينيا. وقد أبدى قراء آخرون تعجبهم من كيفية السماح للوفد الإفريقي بلقاء أعضاء حزب الحرية والعدالة، الذي يعتبر منحلا، منذ إعلان الجماعة إرهابية. في الوقت نفسه، كان من رأي خبراء في الشئون الإفريقية أنه منذ قرار تعليق عضوية مصر، في الاتحاد الإفريقي، في 5 يوليو الماضي، كان يجب أن تقرر القاهرة التركيز في تعميق علاقاتها الثنائية مع دول حوض النيل الشقيقة، وأن تقرر، أيضا، طواعية، تجميد عضويتها في الاتحاد الإفريقي، الذي لم يفلح في حل أي من مشكلات القارة السمراء، منذ إنشائه في عام 1999. هؤلاء الخبراء كانوا يرون أن مسألة تعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي دخلت في نفق مظلم، لن يكون الخروج منه سهلا، بسبب ما يرددونه: أنه لا يجوز لمن قام بتغيير غير دستوري للحكم أن يتولى رئاسة الدولة. المقصود، تحديدا هنا، هو المشير عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري، الذي قرر، بشجاعة منقطعة النظير، الانحياز لإرادة الشعب، في إزاحة طغيان وفساد واستبداد الجماعات الإرهابية، المتشددة دينيا، من سدة الحكم في مصر، لذلك كنت أتمنى، ما تمناه غيري من المصريين، بأن يحتفظ المشير، البطل، بموقعه المميز والمحبوب، في قلوب المصريين، كوزير للدفاع، ليظل - عبر التاريخ - نموذجا للتضحية والشجاعة والفداء، غير أنها إرادة الله جعلته يغامر بنفسه، ويهبط من عليائه، إلى ساحة السياسة ودسائسها، ليصبح، ونصبح معه، في مرمى الاتهامات والتحديات والافتراءات المحلية والإقليمية والدولية، كتلك التي يرددها الاتحاد الإفريقي، الآن، وغيره من دول العالم، مما يصعب مهمة إزاحة العزلة الخارجية المفروضة علينا. موقف الاتحاد يتجاهل، بدون شك، أولى قواعد ومبادئ الديمقراطية، وهي أن إرادة الشعب لا تعلو عليها أية إرادات أخرى، وأن شعب مصر العظيم هو الذي يقرر من هو رئيسه، مادامت الانتخابات نزيهة وشفافة أمام العالم. هنا، يبرز السؤال الأهم: ماذا لو استمر تلاعب الاتحاد الإفريقي بعد إتمام الانتخابات الرئاسية، ورفض مشاركة مصر في القمة الإفريقية المقررة، في نهاية يونيو المقبل، كوسيلة للضغط من أجل إعادة إشراك الجماعة الإرهابية، في النظام السياسي استجابة لإرادة الغرب؟. أعتقد أن الإجابة لن تخرج عن خيارين، أمام صانع القرار في مصر: إما القبول بالضغوط الإفريقية والدولية، غير النزيهة، لإشراك الجماعة الإرهابية، أو تجميد العضوية بالاتحاد، ولنا في "كتالوج" المغرب عبرة، عندما قررت الإنسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية، منذ 30 سنة حين تم قبول عضوية الجمهورية الصحراوية. ترى ما هي الفاتورة المطلوب دفعها نتيجة لاتخاذ أحد هذين الخيارين؟.. نقلا عن جريدة الأهرام