التنسيقية تناقش آثار الذكاء الاصطناعي وال"reels" على الصحة النفسية والتماسك المجتمعي    إيتيدا تُعلن الفائزين في برنامج دعم مشروعات التخرج بمجال تكنولوجيا المعلومات    تراجع العجز الكلى إلى 6.5% فى أول 10 أشهر من العام المالي الحالى    اليونيسيف: سكان شمال غزة تم استثناؤهم من المساعدات.. وما يحدث يفتقر للعدالة    سلوفينيا وإسبانيا والنرويج وإيرلندا: الاعتراف بفلسطين خطوة نحو تنفيذ حل الدولتين وإحياء السلام    حلمي النمنم: التطبيع مع إسرائيل يقترب من دمشق وبيروت    الأهلي يتوج بلقب الدوري المصري للمرة 45 في تاريخه    رسميا.. ياسر قمر رئيسا للجنة التضامن الأولمبي    إيسكو ضد بالمر.. تشكيل نهائي دوري المؤتمر الأوروبي بين بيتيس وتشيلسي    محافظ الإسماعيلية يتابع استعدادات مديرية التعليم لانطلاق امتحانات الدبلومات الفنية    ألقاها من الطابق الثالث بعد طعنها.. ضبط شخص متهم بقتل زوجته في زفتى بالغربية    حدفها من الشباك.. زوج يطعن زوجته لخلافات أسرية بالغربية    مدبولي:خلية استثنائية خلال الإجازات للتصدي لأي محاولات للتعدي على الأراضي الزراعية    أحمد السقا يشيد بطليقته مها الصغير: "الاحترام باقٍ.. وما زلنا أصدقاء"    أحمد موسى: قانون الإيجار القديم سيحقق توازن بين المالك والمستأجر    منظمة الصحة العالمية تحذر من متحور جديد لكوفيد-19: يثير القلق عالميًا    وزير التموين: إقامة نحو 10 أسواق ل "اليوم الواحد" في الإسكندرية    نوران ماجد تتعاقد على تقديم مسلسل «للعدالة وجه آخر» ل ياسر جلال    «ابتعدوا عن هذه التصرفات».. 3 أبراج الأكثر عرضة للانفصال    أيام عظيمة بدأت.. فضل العشر الأوائل من ذي الحجة ولماذا ينتظرها المسلمون؟    اغتنموا الطاعات.. كيف يمكن استغلال العشر الأوائل من ذي الحجة؟ (الافتاء توضح)    وزير الصحة اللبناني يوجه نداء استغاثة للمجتمع الدولي لتمويل احتياجات النازحين السوريين    أمن الغذاء.. «هيئة ضمان الجودة» تعتمد برنامجين جديدين ب كلية الزراعة جامعة بنها    عمرو الورداني: الحب بوابة الدخول إلى هذه الأيام العشر من ذى الحجة    محافظ سوهاج: يعقد اجتماعًا لبحث الموقف التنفيذي لمشروعات "حياة كريمة" بمركز جرجا    سقوط طائرة الحجاج الموريتانية.. اعرف التفاصيل الكاملة    أموريم: أشعر بالذنب بعد كل خسارة لمانشستر يونايتد.. ولا توجد أخبار عن كونيا    «الوفد»: 200 عضو أبدوا رغبتهم الترشح في الانتخابات المقبلة.. وسندخل في تحالفات مع حزب الأغلبية    غدًا الأوبرا تستضيف معرض "عاشق الطبيعة.. حلم جديد" للفنان وليد السقا    حكم صلاة العيد يوم الجمعة.. أحمد كريمة يوضح    دانا أبو شمسية: اتهامات حادة لنتنياهو بالفشل فى استعادة المحتجزين داخل الكنيست    نائب وزير الصحة يشيد بأداء عدد من المنشآت الصحية بقنا.. ويحدد مهلة لتلافي السلبيات    مسؤولة أممية: المدنيون بغزة يتعرضون للاستهداف المباشر    رئيس وزراء كندا يؤكد سعي بلاده لإبرام اتفاق ثنائي جديد مع أمريكا لإلغاء الرسوم الجمركية    الفيوم تحصد مراكز متقدمة في مسابقتي المبتكر الصغير والرائد المثالي    اتحاد الصناعات يبحث مع سفير بيلاروسيا التعاون بالصناعات الثقيلة والدوائية    مدير «جنيف للدراسات»: تزاحم أوروبي أمريكي للاستثمار في سوريا    عطل مفاجئ في صفقة انتقال عمرو الجزار من غزل المحلة إلى الأهلى    مواقيت الصلاة بمحافظات الجمهورية غدًا.. وأفضل أدعية العشر الأوائل (رددها قبل المغرب)    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    لا تتجاهلها- 7 أعراض أولية تكشف إصابتك بتلف الكلى    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    13 شركة صينية تبحث الاستثمار فى مصر بمجالات السياحة ومعدات الزراعة والطاقة    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    الإمارات تستدعي السفير الإسرائيلي وتدين الانتهاكات المشينة والمسيئة في الأقصى    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمي للسكان    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    ألف جنيه انخفاضا في سعر الأرز للطن خلال أسبوع.. الشعبة توضح السبب    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    محافظ بني سويف يراجع الترتيبات النهائية لامتحانات النظري للدبلومات الفنية قبل انطلاقها غدا    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناجح إبراهيم : أمى التى لن أنساها
نشر في أخبار مصر يوم 22 - 03 - 2014

عن أبى هريرة (رضى الله عنه) قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتى قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك».
أى إن الأم أولى بحسن صحبة الابن من الأب بثلاث درجات مقابل درجة واحدة.. لأنها حملته كرها ولاقت الأهوال فى حمله أولا.. ولأنها وضعته كرها وتحملت الآلام الفظيعة أثناء ولادته ثانيا.. ولرضاعته وتربيته صغيرا وكبيرا ثالثا.. فمن يتحمل أن ينظف الطفل من بوله وبرازه ويتحمل مرضه وسهره وبكاءه سوى الأم.
ولكن أمى الغالية «أم صلاح» رحمها الله كان لها عطاء معنا فوق عطاء كل الأمهات.. وأعظم من عطاء كل الأمهات.. لقد ظلت تجرى خلفى من معتقل إلى آخر ومن سجن إلى غيره قرابة ربع قرن كامل.. لم تضجر أو تيأس أو تكل أو تمل.. أو تمن علىَّ أو تعايرنى بما قدمت من أجلى.. وصبرت كذلك مع أبى وسبعة آخرين من أشقائى قبض عليهم كرهائن فى بداية الثمانينيات.. فكانت موزعة بين هؤلاء فى سجن أسيوط وآخرين فى أبى زعبل وقسم ثالث فى منطقة طرة.. وهى التى لم تخرج قبل ذلك من بلدتنا الصغيرة إلا قليلا.. إنها الأم التى أقرب الناس إلى الرب سبحانه وتعالى.. فعطاء الأم هو أقرب ما يكون إلى عطاء الربوبية.. فالرب يُعطى بغير مَنٍّ ولمن يستحق ومن لا يستحق وكذلك معظم الأمهات.. والرب يعطى عباده جميعا المطيع منهم والعاصى المحسن منهم والمسىء الشاكر منهم والجاحد.. وكذلك معظم الأمهات.
إنها الأم التى فطرها الله على العطاء بغير حساب.. أما أمى فكانت صنفا متميزا من النساء.. لقد تخلى عنا كل الأقارب والأهل والجيران ولكن ذلك لم يفتّ فى عضد أمى.. ولم يكسر عزيمتها فى لمِّ شمل هذه الأسرة من جديد والقفز على محنة السجن التى أصابت الأسرة كلها بمن فيهم أبى وأشقائى جميعا.. حتى إذا انجلت المحنة ولم يبق لها فى السجن سواى وشقيقى وزوج أختى الشيخ رفعت فاهتمت بابنتها وأحفادها هؤلاء أكبر اهتمام.. حتى إنها حملت حفيدها عاصم الذى كسرت قدمه وسافرت به إلى القاهرة مع ابنتها ليروا أباهم السجين.
لقد ذهبت أمى خلفى إلى كل سجون مصر تقريبا من شمالها إلى جنوبها.. فذهبت إلى سجن دمنهور فى الشمال، وإلى سجن الوادى الجديد فى أقصى الجنوب، مرورا بكل سجون طرة وأبى زعبل وغيرها.. فكم وقفت أمام السجون فى الشمس الحارة فى الصيف.. وكم انتظرت أمامها منذ الفجر حيث يأتى قطار الصعيد فى زمهرير الشتاء إلى الواحدة أو الثانية ظهرا حيث تدخل الزيارة ولكن عقم الروتين يقتضى أن تسجل اسمك فى الساعة الثامنة صباحا وتسلم تصريح الزيارة الذى يحتاج إلى رحلة منفردة للقاهرة من أحد أفراد الأسرة لاستخراجه.
لقد رأت أمى كل تقلبات الحياة ومعها السجون من عصر إلى عصر.. ومن شدة إلى رخاء.. ومن سعة إلى ضيق.. وهكذا وهى فى كل ذلك متعلقة بالله ومرتبطة بالأمل فيه سبحانه أن ترانى حرا قبل أن تموت حتى تحققت أمنيتها الغالية.. وعشنا وذهبنا سويا إلى رحلة الحج.
لقد تزوجت أمى وهى صغيرة السن ولكن حكمتها وعقلها كانت أكبر من سنها فاستطاعت أن تروض جدى وجدتى وتتحمل شدتهما، واستطاعت أن تتحمل ظروف والدى الصعبة، حيث بدأ فقيرا يبحث عن وظيفة فلا يجدها حتى عين موظفا فى البريد مع حلول مولدى فتفاءلت الأسرة بى وأسمونى «ناجح» علامة على بداية النجاح والخير.. ثم استطاعت أن تدير مع أبى سفينة الحياة حتى علَّمت معظم أولادها تعليما جامعيا بدخل حلال قليل بارك الله لهم فيه وسترهم منه.. ثم تحملت والدى وهو قعيد خمس سنوات تخدمه مع أخى مجاهد صباح مساء.. لم تضجر يوما ولم تتركه يوما.. أما أخى مجاهد ففتح الله عليه أبواب الرزق العميم ببره العظيم.. فقد كان يحمل أبى كل يوم إلى الحمام ويغسّله وينظفه ويحلق له شعره.. وفى أول مرة حمله أحس بألم شديد فى ظهره فدعا ربه أن يعينه على خدمة أبيه.. فذهب عنه هذا الألم حتى مات أبى.. ثم عاوده بعد ذلك فى إشارة أن كل من سيطيع الله كان حقًا على الله أن يعينه.. لقد كان أخى مجاهد فقيرا فإذا بالدنيا تفتح عليه أبوابها ببره والديه وخدمتهما.. فقد ظل معهما يخدمهما كل يوم حتى توفيا.
لقد كانت أمى نبعًا للكرم.. وكان كل واحد منا يأتى بضيوفه إلى البيت فى أى ساعة من ليل أو نهار فيجد فيه ما يكفى الضيوف ويزيدهم.. وفى بعض المرات كنت أحصى ثلاثين شخصا من الأسرة والضيوف يأكلون فى بيتها وهى فى قمة السعادة لذلك.
وكانت كلما خبزت خبزا ونحن صغار ترسل لكل جارة من جاراتها رغيفا من الخبر الشمسى الصعيدى الكبير، وكان هذا عرفا متبعا فى الستينيات والسبعينيات.. وكانت تتعاهد جارتها المسيحية «أم جمال» التى سافر أولادها وأحفادها إلى بلاد أخرى فترسل لها الطعام يوميا رغم غنى ويسر أم جمال.. وكانت الأخيرة تعتبرنا مثل أولادها.
لقد كانت أمى مثل الشجرة الوارفة الظلال على من حولها.. وبعد أن ماتت جاءت امرأة قائلة لأشقائى: أمكم أعطتنى سريرا هل تريدونه.. وأخرى تقول: أمكم أعطتنى أنبوبة بوتاجاز.. وثالثة: أمكم لها عندى كذا.. ورابعة وخامسة وأشقائى يقولون لهم: لا نريد شيئا منها فهذه هديتها لكم.
وكانت تقول لشقيقى «محمود» الناس غلابة ارحمهم.. وربنا يعطيك بعيدا عنهم.. وذلك حينما يريد أن يؤجر شقق منزله لأحدهم.
وكانت لا تدعو على أحد مهما أساء إليها وتدعو للناس جميعا.. وكأنها علمت سنة النبى فى ذلك وكانت تقوم الليل وتصوم الاثنين والخميس.. وقد جاوزت السبعين من عمرها.. وأنا لا أفعلها وأنا فى الخمسين.. وكانت دومًا أحكم منى وأفهم للإسلام منى.. وكانت أمى كلما دعت لأحد من أصدقائى يقول: لم أسمع أبدا دعاء صافيا رائعا صادقا مثلما أسمعه من أمك.. فأقول له: إننى أتمنى أن يكون لدى بعض صدق أمى ونقاء فطرتها.. رحم الله أمى وكل الأمهات الأحياء والأموات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.