نشر موقع بيزنس انسيدر الأمريكى على صفحات موقعه الالكترونى، تقريرا مطولا تحت عنوان " 6 أوجه تجعل الحياة بأمريكا أسوء من أى دولة بالعالم الثالث "، يتنقد فيه العديد من أوجه الحياة والمعيشة داخل الولاياتالمتحدة ويعقد مقارنة بينها وبين مثيلتها من دول العالم المتقدم الغنية . و يبدأ التقرير بالتأكيد على أنه وبالرغم من أن الولاياتالمتحدة هي واحدة من أغنى المجتمعات في العالم بل والتاريخ، إلا أنها فى الواقع مازالت تحمل عدة أوجه للتخلف عن غيرها من الدول المتقدمة، وفقا للعديد من المؤشرات الهامة فى مجال التنمية البشرية - وهى عوامل رئيسية - مثل كيفية تربية الاطفال، والتعامل الاسرى، ورعاية المرضى وأكثر من ذلك. ويستعرض التقرير ستة أوجه لطبيعة الحياة فى الولاياتالمتحدة، يعتبرها من أكثر الأمثلة الصارخة التي تظهر مدى سوء الأوضاع الذى وصلت إليه البلاد ليجعلها أدنى من بعض بلاد العالم الثالث، وهذه الاوجه هى : 1 - العدالة الجنائية يقول تقرير بيزنس انسيدر أن الجميع يعلم مدى سوء نظام العدالة الجنائي الأمريكي المعيب، خاصة مع مقارنته ببقية العالم.. حيث يقدر المركز الدولي لدراسات السجون أن أمريكا تسجن 716 شخصا لكل 100.000 مواطن (في أي عمر)، وهذا أسوأ بكثير من روسيا (التى يبلغ معدلها 484 سجينا لكل 100.000 مواطن)، والصين (121) وإيران (284) وكوريا الشمالية هى الدولة الوحيدة التي تتفوق فقط على أمريكا فى كونها صاحبة أعلى نسبة مئوية من السجناء بين سكانها . كما أن الولاياتالمتحدة هي أيضا الدولة المتقدمة الوحيدة التي تنفذ عقوبة الإعدام على السجناء، وهذه القضية بذاتها تحمل مشكلة عرقية خطيرة فنحو 42% من الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام هم من السود الافارقة، مقارنة مع نسبة تعداد السود الافارقة التى تبلغ أقل من 15 في المئة من إجمالي عدد السكان . وحتى حينما انخفض معدل الجريمة فى البلاد، ارتفع عدد السجناء ويعد نحو 60% من هؤلاء السجناء هم مجرمون (من فئة غير عنيفة)، وكثير منهم في السجن بتهمة المخدرات (أغلبية ساحقة منهم من الأمريكيين ذو أصل أفريقي)، وهذه الأرقام تنعكس اجتماعيا حيث هناك نحو اثنين ونصف مليون طفل أميركي لديهم أحد الوالدين وراء القضبان. وتشير الاحصائيات من عام 2011، أن هناك ما يقدر بنحو 217.000 من السجناء يتعرض للانتهاك الجسدى كل عام - بمعدل 600 ضحية جديدة كل يوم - وهو عدد مرعب حقا. . وفي عام 2010، أصدرت وزارة العدل تقريرا حول سوء المعاملة في مراكز احتجاز الأحداث، وفيه معلومات تفيد أن 12.1% من جميع الشباب الذين يتم احتجازهم بدور رعاية الأحداث يتعرضون للعنف والاعتداء الجنسي . 2 - تزايد العنف المسلح وتتصدر الولاياتالمتحدة دول العالم المتقدم في جرائم القتل المرتبطة بالأسلحة النارية والفرق ليس طفيفا، بل الفجوة أشبه بالهوة.. فوفقا لبيانات الأممالمتحدة، فإن أمريكا لديها جرائم القتل أكثر 20 مرة من متوسط الدول المتقدمة بل أكثر من معدل جرائم فى العديد من الدول النامية، مثل العراق، والتي لديها نسبة القتل أقل من نصف النسبة بالولاياتالمتحدة . بل أن أكثر من نصف حالات اطلاق النار الشامل الأكثر فتكا، والتى وثقت في السنوات 50 الماضية في جميع أنحاء العالم، كانت من نصيب الولاياتالمتحدة، و 73% من القتلة يحصلون على الأسلحة بصورة قانونية، وتفيد دراسة أخرى أن الولاياتالمتحدة لديها واحدة من أعلى نسب حالات الانتحار التي ارتكبت بمسدس، والعنف المسلح يختلف في أنحاء الولاياتالمتحدة، ولكن بعض المدن مثل مدينة نيو اورليانز وديترويت تنافس بلدان أمريكا اللاتينية الأكثر عنفا، حيث العنف المسلح هو أعلى المعدلات في العالم. 3 - الرعاية الصحية وجدت دراسة أجريت العام الماضي أنه فى العديد من المقاطعات الأمريكية، وخاصة في أقصى الجنوب أن معدلات العمر المتوقع هو أقل معدلات العمر فى دول مثل الجزائر، نيكاراجوا أو بنجلاديش. فالولاياتالمتحدة هي الدولة المتقدمة الوحيدة التي لا تضمن الرعاية الصحية لمواطنيها، وحتى بعد قانون أوباما كير الذى يوفر رعاية صحية بأسعار معقولة، فإن الملايين من الأميركيين الفقراء مازال غير مؤمن عليهم لأن حكام الولايات - والجمهوريين منهم فى الأغلب - رفضوا توسيع المظلة الطبية، التي توفر التأمين الصحي لمحدودي الدخل على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية سوف تدفع ثمن هذا التوسع، وبرر العديد من هؤلاء الحكام قرارهم بارتفاع التكلفة، وعلى الرغم من أن توسع المظلة التأمينية من شأنه أن يوفر لهم الكثير من المال. وأمريكا هي فريدة من نوعها بين البلدان المتقدمة في أن عشرات الآلاف من الأميركيين الفقراء يموتون لأنهم يفتقرون إلى التأمين الصحي، ولديها معدل وفيات بين الرضع يفوق بعض الدول النامية، وكذلك أعلى معدل حمل بين المراهقات في العالم المتقدم، على الرغم من أن ما ينفق من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية ،هو ضعف ما ينفق فى المتوسط ببلدان لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التى تمثل مجموعة دول العالم الغنية. 4 - التعليم الولاياتالمتحدة هي من بين الدول الثلاث الوحيدة في العالم التي لا تضمن إجازة الأمومة ( اضافة إلى دولتى: بابوا غينيا الجديدة وسوازيلاند)، وهذا يعني أنه يجب على العديد من الأمهات الأميركيات الفقراء الاختيار بين تربية أطفالهم والحفاظ على وظائفهم. ويشهد نظام التعليم في الولاياتالمتحدة العديد من أوجه التحيز العنصري الهيكلي، مثل حقيقة أن تمويل المدارس يتم على المستوى المحلي، بدلا من المستوى الوطني، وهذا يعني أن مدارس السود أو الفقراء ستحصل على تمويل أقل بكثير من المدارس التي يرتادها الطلاب البيض أو الأكثر ثراء. وقد أكدت وزارة التربية والتعليم أن المدارس ذات الكثافة العالية من الطلاب الفقراء لديهم مستويات أقل من التمويل. فلا عجب أن أمريكا لديها واحدة من أعلى الفجوات بين الطلاب ذو الدخل المرتفع والطلاب ذو الدخل المنخفض، مقارنة مع بقية دول المجموعة. والمدارس اليوم هي في الواقع أكبر مثال على الفصل العنصري مما كانت عليه في فترة سبعينيات القرن الماضى، والسب فى ذلك أن نظام التعليم الأمريكى فريد من نوعه بين الدول المتقدمة باعتماده بشكل كامل تقريبا على التمويل من القطاع الخاص وأغلبه قروض طلابية وأسرية. لذا تجد أن نحو 70 % من تكلفة ورسوم التعليم الجامعى في دول مجموعة OECD تكون ممولة من القطاع العام؛ بينما في الولاياتالمتحدة، فان حوالي 40 % فقط من تكلفة التعليم تمول من القطاع العام والباقى يدفعه الطالب وفى الاغلب يكون فى صورة قروض بنكية، وهذا هو سبب من عدة أسباب يجعل التعليم بالولاياتالمتحدة هو الأعلى تكلفة بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. 5 - عدم المساواة أن الولاياتالمتحدة تتصدر قائمة دول منظمة التعاون الاقتصادي من حيث عدم المساواة في الدخل، وهذا التفاوت له تأثيرات عميقة على المجتمع الأمريكي، على سبيل المثال، على الرغم من أن الولاياتالمتحدة تبرر عدم المساواة المتفشي على فرضية القدرة على الترقي بين الشرائح الاجتماعية، نجد أن أجزاء كثيرة من الولاياتالمتحدة لديها مستويات وقدرات ضعيفة يمكنها من الحراك الاجتماعي، حيث يصبح الأطفال المولودين في المناطق الأفقر لديهم فقط فرصة أقل من 3% للترقى إلي الشريحة الاجتماعية العليا. وعدم المساواة يضر بالديمقراطية الأمريكية، لأن الأثرياء يمارسون النفوذ السياسي الضخم و بالتالى تصبح أموالهم محركا أساسيا للعملية الديمقراطية، فعلى سبيل المثال، "شيلدون اديلسون" أنفق أموال للتأثير على انتخابات عام 2012 أكثر من سكان 12 ولاية مجتمعة، كذلك تشير العديد من البحوث والدراسات إلى أن التفاوت الاجتماعى يؤثر أيضا في النسيج الاجتماعي، ويبين أن عدم المساواة يرتبط بانخفاض مستويات الثقة الاجتماعية. 6 - البنية التحتية سادس أوجه سوء الحياة الأمريكية يرى تقرير " بيزنس انسيدر " أنه يتمثل فى البنية التحتية بالولاياتالمتحدة والتى يراها تنهار ببطء، وفي حاجة ماسة إلى الإصلاح، وتقدر إحدى الدراسات أن نظام البنية التحتية فى البلاد يحتاج إلى استثمار نحو 3.6 ترليون دولار على مدى السنوات الست المقبلة. ففي مدينة نيويورك، تأخر تطوير خط مترو الانفاق بالضاحية الثانية نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ وما زال حتى الأن مشروع لم ينتهى، وفي داكوتا الجنوبية وألاسكا وبنسلفانيا، لا يزال نقل المياه يتم عبر الأنابيب الخشبية التى يرجع تاريخها لقرن من الزمان. ونحو 45% من الأميركيين يفتقرون إلى وسائل النقل العامة، وأجزاء كبيرة من شبكة الصرف الصحي بالولاياتالمتحدة تعود لأكثر من نصف قرن من الزمان، وفي ديترويت، بعض خطوط الصرف الصحي تعود إلى منتصف القرن 19، ويعتبر جسر من كل تسعة جسور فى الولاياتالمتحدة ( اجمالى 66405 جسر) " معيبة هيكليا"، وفقا لتقرير حصر الجسور الوطنية. كل هذا يعني أن الولاياتالمتحدة أصبحت فى ترتيب منخفض ومركزها يواصل الانخفاض بسرعة ضمن التصنيف الدولي للبنية التحتية. ويختتم موقع " بيزنس انسيدر " تقريره، بعبارة أن "أمريكا بلد عظيم" لكن لديه بقع عمياء واسعة، فحقيقة أن ما يقرب من 6 ملايين أميركي، أو 2.5% من السكان في سن التصويت، لا يمكنهم التصويت لأن لديهم جناية ما، هذا يعني أن السياسيين يمكنهم حبس المزيد والمزيد من المواطنين دون خوف من فقدان مقاعدهم، كذلك فان أفكار الجدارة ومبادى الترقي تعمي الامريكيين عن واقع الطبقات الدنى وعدم المساواة، وقد يوفر نظام الرعاية الصحية رعاية جيدة للبعض، لكنه يأتي بتكلفة باهظة، حيث يترك الملايين من الناس الاخرين من دون تأمين صحي، لذا يجب على المجدتمع الامريكى أن يعى عيوبه و يتفحصها بنظرة نقدية، حتى يمكنه أن يحرز تقدم لرفعة شأن هذا المجتمع.