تسعى فرنسا التي حققت للتو نجاحا ديبلوماسيا في ليبيا الى القيام بحملة مصالحة في لبنان قد تثبت انها مهمة صعبة لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي بدأ زيارة لبيروت . ويبدو ان اجتياز مشكلات لبنان المعقدة اكثر صعوبة من اقناع ليبيا باطلاق سراح الممرضات البلغاريات بموجب صفقة لم يتوصل اليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الا بعد سنوات من الديبلوماسية الصبورة من جانب الاتحاد الاوروبي وبريطانيا والمانيا ودول اخرى. وقال اسامة صفا مدير المركز اللبناني للدراسات «انها مهمة مستحيلة.الاجابات ليست في لبنان وانما في دمشق وواشنطن وطهران ، في ليبيا استطاع الفرنسيون تقديم حوافز اوروبية كان الليبيون يريدونها فعلا وفي لبنان السوريون يريدون حوافز اميركية والاميركيون ليسوا في حالة تتيح لهم تقديم اي حوافز».وفرنسا وهي القوة الاستعمارية السابقة في لبنان طرف مؤثر هناك ولكن لم يعد لها هيمنة. واتفق بارا ميخائيل من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية والاستراتيجيات في باريس مع الرأي القائل ان لبنان يشكل تحديا اصعب من الذي واجهه ساركوزي مع الزعيم الليبي معمر القذافي ويجب ان تكون التوقعات متواضعة. واضاف: «مع ليبيا السيناريو كان مكتوبا سلفا بشكل كبير الى حد ما. القذافي يسيطر على كل شيء... ونجح في تحويل هذه المفاوضات الى انتصار لنفسه». وسيحاول كوشنير البناء على حوار مبدئي بين الزعماء اللبنانيين الذين ارسلوا نوابهم الى باريس في وقت سابق من الشهر الجاري لاجراء محادثات وصفت بأنها محاولة لكسر الجليد بين الحكومة التي يدعمها الغرب والمعارضة التي يقودها «حزب الله». ولكن المؤشرات الناجمة عن اتصالات تحضيرية اجراها على مدى ثلاثة ايام المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران هذا الاسبوع غير مبشرة. وتقول مصادر سياسية لبنانية انه اقترح على الاطراف مناقشة صفقة في شأن انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة وحدة وطنية لانهاء مأزق بدأ قبل ثمانية اشهر. لكن «حزب الله» المتحالف مع سورية وايران طالب بحكومة وحدة وطنية قبل اي حوار في شأن القضايا الاخرى. وتسعى المعارضة منذ فترة طويلة للحصول على حق الاعتراض (الفيتو) في مجلس وزراء جديد حتى تكون موافقتها ضرورية على تحركات مثل انشاء محكمة تدعمها الاممالمتحدة لمحاكمة المشتبه بهم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005 والذي أنحى لبنانيون كثيرون باللائمة فيه على سورية. وزار كوسران دمشق الاسبوع الماضي في اول مبادرة فرنسية من نوعها مع سورية منذ اكثر من عامين سعيا وراء التعاون السوري مع جهود الوساطة الفرنسية وقال بعد ذلك انه ذهب لاطلاع السوريين على الوضع وليس من اجل التفاوض. ووقع لبنان في مأزق سياسي في نوفمبر عندما انسحب كل وزرائه الشيعة الخمسة ومسيحي واحد من حكومة فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان. وقاوم السنيورة بدعم اميركي واوروبي وسني عربي مطالب بتقديم استقالته. وقال صفا ان «الولاياتالمتحدة تريد حلا يبقي على السنيورة في السلطة ولا يعطي السوريين اي شيء». وكان احدث تركيز للصراع بين الغالبية الحاكمة وخصومها جلسة برلمانية عقدت في 25 سبتمبر لاختيار رئيس جديد يحل محل الرئيس الحالي المؤيد لسورية اميل لحود. وتريد سورية رئيسا غير معاد لمصالحها في لبنان وابعد من ذلك ويقول بعض المحللين مثل صفا ان دمشق تناضل من خلال حلفائها في المعارضة لتنصيب زعماء في بيروت قد يلغون او يضعفون محكمة الحريري. وتنفي سورية اي دور لها في اغتيال الحريري او عمليات الاغتيال السياسي التي وقعت في لبنان بعد ذلك وتعتبر المحكمة وسيلة غربية لتقويض الرئيس السوري بشار الاسد. وقادت فرنسا الى جانب الولاياتالمتحدة الجهود الرامية الى انشاء المحكمة التي امر مجلس الامن بانشائها في يونيو بعد ان اخفق البرلمان اللبناني المشلول في التصديق عليها. وتشترك ايران الاقل اهتماما بالمحكمة مع سورية في هدفها بابعاد لبنان عن اي فلك اميركي - اسرائيلي متصور. وتريد ايضا ضمان احتفاظ «حزب الله» بأسلحته لاستخدامها ضد اسرائيل وتفادي الانجرار الى حرب اهلية لبنانية جديدة. وقال محللون فرنسيون انه في ضوء التداخل المتشابك بين الخلافات اللبنانية والصراعات الاقليمية ربما لا يتوقع ساركوزي تحقيق شيء يذكر من التدخل الوثيق في السعي الى التوصل لحل.اضافوا انه رغم تأييده لديبلوماسية كوشنير، فانه لن يحاكي اسلوب سلفه جاك شيراك الذي تأثرت سياسته بصداقته مع الحريري. وقال جان لويس دوفور وهو استاذ في «جامعة القديس يوسف» في بيروت انه ليس بامكان فرنسا سوى تشجيع الحوار في بلد تتأرجح طوائفه الدينية المنقسمة بين التسامح والعنف حول هوية وطنية طال النزاع في شأنها. وقال «انه صراع قديم جدا بين الناس الاقرب الى الغرب والانفتاح على اوروبا والاخرين الذين يريدون ان يكونوا عربا ومسلمين والذين يريدون الانتماء الى عالم اخر» اضاف ان افضل ما يمكن لكوشنير ان يأمله هو جعل اللبنانيين يتحدثون عن كيفية حل هذا المأزق في شأن الحكومة. وقال: «اذا نجحت فرنسا في تسهيل انتهاء هذه الازمة فان هذا سيكون بالفعل نجاحا كبيرا جدا».