تتوجه انظار العالم وخاصة المغاربة اليوم الى «منهاسيت» بضواحي مدينة نيويورك، حيث ستجرى الجولة الاولى من المفاوضات السياسية المباشرة، بين المغرب وجبهة البوليساريو، الداعية لانفصال الصحراء والتي أوصى بها مجلس الأمن في قراره رقم 1754 حاثا طرفي النزاع على التفاوض بروح ايجابية مبتعدين عن كل ما من شأنه ان يعرقل امكانيات التسوية وذلك باستبعادهما أية شروط مسبقة في اجواء ثقة متبادلة. ولا يتوقع المراقبون ان تسفر الجولة الاولى من المفاوضات التي تدوم يومين وترعاها الأممالمتحدة ممثلة في المبعوث الشخصي للأمين العام الى الصحراء الدبلوماسي بيتر فالسوم عن نتائج استثنائية لكن الأجواء العامة التي ستهيمن عليها ستكون مؤشرا على مسارها في المستقبل. وليست هذه المرة الاولى التي يتم فيها اتصال مباشر بين الطرفين المتنازعين سواء بصورة علانية أو عبر لقاءات سرية لم يعلن عنها في حينها، والتي ابتدأت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي أطلق شعار «ان الوطن غفور رحيم» بمعنى انه ترك الباب مفتوحا امام جبهة البوليساريو إن هي جنحت للسلم فستجد في المغرب الوطن الذي يرنو الى المستقبل متجاوزا الظروف المريرة التي حتمت على الطرفين حمل السلاح مدافعا عما يعتبره جزءا لا يتجزأ من اراضيه مسنودا بحكم محكمة العدل الدولية في لاهاي التي قضت بوجود روابط بيعة تاريخية بين سلاطين المغرب وسكان الصحراء التي كانت تحتلها اسبانيا لغاية عام 1975. لكن المحكمة الدولية اشفعت رأيها القانوني بنصيحة اجراء استفتاء لاستشارة سكان الصحراء رغبة من الهيئة القضائية الدولية في وضع حد نهائي للمشكل الاستعماري ولإضفاء صفة الشرعية الدولية عليه. لكن جبهة البوليساريو، مدعومة بأطراف لها حسابات خاصة مع المغرب، ومشبعة (البوليساريو) بالأفكار الثورية الرومانسية التي كانت مستأثرة بعواطف شباب الجبهة ووجدانهم وهم الذين تشبعوا بتلك الأفكار الماركسوية في باحات الجامعة المغربية رفعوا شعار اقامة نظام ثوري ونتيجة ذلك استطابت الجبهة حلم خلق دولة (بؤرة) ثورية في الصحراء تكون في اعتقاد اصحاب الفكرة منطلقا ومدخلا لتحرير المغرب العربي من انظمة كانت تعتبرها آنذاك رجعية يتصدرها المغرب وفق ذلك التصنيف المبسط للعلاقات الدولية المعقدة في ظل صراع بين الشرق والغرب خلال عقد السبعينيات. واثر صدور حكم لاهاي وخروج اسبانيا من الأراضي الصحراوية بمقتضى اتفاق مدريد الثلاثي بينها وبين المغرب وموريتانيا ثارت ثائرة الجزائر التي لم ترض بابعادها وتهميشها عن تقرير مصير الصحراء علما ان الملك الراحل الحسن الثاني عرض لاحقا على جارته الشرقية ممرا آمنا يمكنها من وضع قدم على شاطئ المحيط الاطلسي الذي سيصبح متنفسا إضافيا لها بعد البحر الأبيض المتوسط. لكن عروض الملك الراحل قوبلت بالرفض والتصعيد الى ان قبلت الرباط تحت تأثير نصيحة دول صديقة عام 1981 اجراء استفتاء لتقرير المصير مشترطة أن يكون تأكيدا لسيادتها على الأراضي الصحراوية فيما رأته جبهة البوليساريو انتصارا لأطروحتها. لكن المساعي اصطدمت بعراقيل ناتجة عن عدم اتفاق الطرفين على معايير تحديد الهوية الأمر الذي جعل احد المبعوثين الشخصيين للامين العام وهو وزير الخارجية الاميركي الأسبق جيمس بيكر يقترح مخططين لتسوية المشكل تبادل الطرفان رفضهما. وتجرى مفاوضات نيويورك في سياق دولي مغاير مختلف جذريا عن الظروف والملابسات التي رافقت اندلاع وتطور النزاع باستثناء معطى واحد ظل ثابتا وهو موقف الجزائر المتشبثة اكثر من غيرها بما تسميه حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ولذلك فان كثيرا من العواصم الأجنبية المؤثرة تعتقد ان مفتاح الازمة يمسكه المغرب والجزائر. ففرنسا وإسبانيا تعولان على التفاهم بين الرباطوالجزائر لضمان الاستقرار على ضفتي البحر الأبيض المتوسط وتراه دول المغرب العربي الأخرى عاملا مساعدا على الارتقاء بالاتحاد الذي اعلن في مدينة مراكش عام 1994 دون ان يتطور بالشكل المأمول بسبب استمرار نزاع الصحراء. وكان قبول الاستفتاء المشروط من المغرب في حينه بداية لمسلسل مفاوضات برعاية الأممالمتحدة للتوفيق بين الطرفين افضى الى قبولهما بوقف اطلاق النار عام 1991 والذي لا يزال ساري المفعول وتشرف على تطبيقه بعثة «المينورسو» المرابطة في الصحراء التي مدد مجلس الامن فترة انتدابها في اجتماعه الاخير حول الصحراء يوم 30 ابريل (نيسان) الماضي. وخلال عقد التسعينيات حاولت الاممالمتحدة ضبط قوائم الصحراويين الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاء الموعود دون ان تصل الى ارضاء مطالب الطرفين وانطلاقا من عثرات الماضي فان التقاء المصالح ربما سيساهم حاليا بواسطة مفاوضات اليوم وغدا بقدر كبير في حلحلة نزاع الصحراء وإخراجه من المستنقع السياسي الذي ظل راكد فيه لأكثر من ثلاثة عقود. وبرأي عدد من الملاحظين فان ذهاب الطرفين المغرب وجبهة البوليساريو الى طاولة التفاوض يشير بحد ذاته الى تنازلهما عن الاعتراضات والاشتراطات التي تشبثا بها من قبل خاصة وان المفاوضات ستجرى تحت مراقبة واعين اطراف دولية مؤثرة في طليعتها الولاياتالمتحدة الأميركية التي باتت مقتنعة ان إطالة عمر النزاع لا يفيد الاستقرار والسلام الدولي وكذلك حربها ضد الارهاب بينما ستجني باريس ومدريد فوائد سياسية عديدة بالنظر الى مصالح البلدين الجارين الحيوية في كل من الجزائر والمغرب هذا على الرغم من التشدد الذي ابدته الجزائر اخيرا لدرجة ان عبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة ذهب الى التفكير في مغرب عربي بدون الرباط. وعلى الصعيد التقني، يتكون الوفد المغربي من مسؤولين لم يسبق لهم جميعهم ان شاركوا في المفاوضات السابقة مع البوليساريو لكنهم ليسوا بعيدين عن الملف ما يؤكد عزم المغرب على فتح صفحة جديدة في حين اختارت جبهة البوليساريو الاستعانة باعضاء منها فاوضوا مسؤولين مغاربة سابقين بتوجيه من الملك الراحل الحسن الثاني. وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى ان وكالة الانباء المغربية الرسمية قالت امس في تعليق ان المغرب يتوجه الى مفاوضات نيويورك بحسن نية ورصانة مقدما بذلك ضمانة جديدة للمجتمع الدولي على إرادته في تجاوز هذا النزاع الذي اعاق بشكل كبير كل جهود للاندماج الاقتصادي المغاربي مشيرا الى ان المفاوضات تمثل مقاربة جديدة تزيح عن الطاولة كل المقاربات التي قدمت لحد الآن لتسوية القضية والتي قادت الى مأزق على اعتبار غير قابلة للتطبيق على ارض الواقع. وقد أعرب عن نفس التوجه رئيس الوفد شكيب بنموسى، وزير الداخلية، وخليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء في تصريحات للصحافة امس. والمؤكد ان وسائل الإعلام، ستحظى اليوم بالتقاط صور للحدث الفريد الذي طال انتظاره، لكن يلزم محرري التقارير والتحليلات التفكير مليا قبل إطلاق الاستنتاجات.