لا توجد في الأصل لغة عربية واحدة، بل لغات عربية متعددة تمثل اللسان العربي. فالعرب في جاهليتهم كانت لهم عدة لغات وهي بمثابة لهجات تختلف من قبيلة إلى أخرى، وبالتالي لم تكن ثمة فصحى واحدة بل “فصحات” أو “فصحيات” على القياس. ولذلك نزل القرآن الكريم على سبعة أحرف لتسهيل قراءته على جميع القبائل وبجميع اللغات و”الفصحيات” التي كانت موجودة. وعلى ذكر القرآن الكريم، فإن قريشا التي نزل أساسا بلغتها، لم تكن تنطق الهمزة في كلمة “قرآن” كما لم تنطقها في كلمات أخر مثل “المؤمنون” و” المؤتون” وغيرها، وهو المعمول به اليوم في رواية ورش عن نافع الذائعة في المنطقة المغاربية. وفي مخارج الحروف وأساليب النطق نجد أيضا أن العرب كانوا مختلفين. فبعضهم ينطق الحاء عينا كما في قوله تعالى من سورة يوسف “ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين” فبعض العرب تنطقها “عتى عين”. ومن خلال النصوص الثابتة في السنة، نجد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوب جميع الأساليب التي كان العرب يقرأون القرآن الكريم بها على الرغم من اختلافها. وكان يقول بعد سماعه لكل قراءة: “هكذا أنزلت” توسيعا على الأمة. وعندما ندرس تاريخ اللهجات العربية، نجد أن اللهجات المغاربية تنحدر من لهجات القبائل العربية التي دخلت المنطقة بعد الفتح. ومن الطبيعي بعد ذلك أن تتأثر هذه اللهجات كما اللهجات المشرقية، قليلا أو كثيرا بجميع اللغات التي مرت من هناك مثل التركية والفرنسية والإسبانية والإيطالية فضلا عن الأمازيغية بلهجاتها المتعددة والتي تمثل لسان السكان الأصليين. والملاحظ أننا كلما اتجهنا نحو المناطق الداخلية، اقتربت اللهجات المغاربية إلى الفصحى، وبالعكس كلما اتجهنا نحو الشمال، اتجهت اللهجات نحو الابتعاد قليلا أو كثيرا عن الفصحى وخاصة في الحواضر الكبرى ولدى أجيال الشباب. وتدل الدراسات أيضا على أن اللهجات المغاربية السائدة اليوم في الحواضر الشمالية الكبرى، هي نفسها اللهجات التي كانت سائدة في الأندلس قبل سقوطها وهجرة أهلها بالجملة نحو السواحل المغاربية. وفي جانب الأداء اللغوي، نلاحظ أن الفصحى التي يستعملها أغلب المشارقة والمغاربيين اليوم والتي تطغى على الفضائيات والإذاعات، هي لغة غير معربة أو ما يسمى لغة “سكن تسلم” وهي لا تدل على التمكن من اللغة. أما أساليب النطق العربي فمن الطبيعي أن تختلف من منطقة إلى أخرى. ولا أتصور أن ثمة أسلوبا “أصليا” في النطق العربي على أساس اختلاف لغات العرب قديما م وحدة لسانهم. كما أننا لا نملك اليوم تسجيلات صوتية نقيس عليها النبرة الأصلية للنطق العربي الفصيح ومدى اقترابه أو ابتعاده سواء في المشرق أو في المغرب، عن نبرة النطق اللهجوي. وفي النهاية لكل منطقة جماليتها “الفصحوية”. اللهجات المشرقية مفهومة في المغرب العربي، وهذا لا يرجع إلى وضوحها في ذاتها بقدر ما يرجع إلى الاكتساح الذي حققه الإنتاج الدرامي المشرقي هناك. ولكي تصبح اللهجات المغاربية مفهومة في المشرق، ينبغي أن يبذل الجهد نفسه في عرض الإنتاج المغاربي على الجمهور المشرقي حتى نصل إلى مرحلة تقارب الألسنة والرؤى.