بحضور الوزير شريف فتحي.. تفاصيل إطلاق حملة «إحنا مصر» لتنشيط السياحة    رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يفتتح فعاليات مبادرة "كن مستعدًا"    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    علامة استفهام لماذا تتلكأ الدول الكبرى فى تصنيف الإخوان جماعة إرهابية    آرسنال يعود بانتصار صعب من عقر دار مانشستر يونايتد    عبد اللطيف منيع يعود للقاهرة بعد معسكر مكثف بالصين استعدادًا لبطولة العالم المقبلة    سيدة تستغل "السوشيال ميديا" بالرقص والمخدرات.. والداخلية توقفها    فى ذكرى رحيله.. «درويش» وطن فى شاعر    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    جراحة ناجحة لمريض بتثبيت كسور بالوجه والفك السفلي في العريش    7 أطعمة ومشروبات غنية بفيتامين D    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    معلق مباراة ريال مدريد وأوساسونا في الدوري الإسباني    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    دورة إنقاذ ومعرض تراثي.. أبرز أنشطة الشباب والرياضة في الوادي الجديد    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الموسمية والفيضانات في باكستان إلى 645 قتيلا    صراع من أجل البقاء.. مأساة الفاشر بين الحصار والمجاعة والموت عطشًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكري فاجعة‏5‏ يونيو
نشر في أخبار مصر يوم 05 - 06 - 2007


نقلاً عن الاهرام 5/6/07

في داخل كل منا‏5‏ يونيو بشكل ما‏,‏ وهذا ما أود الحديث عنه‏,‏ لكنني لا أود تكرار الأحاديث المعادة التي تجتاح صحفنا وإعلامنا في هذه المناسبة‏,‏ بل آمل أن أتلمس ما يرشح من طرائق تعاملنا مع فاجعة كهزيمة يونيو‏,‏ لعلي أمسك بتوصيف لأسلوب من أساليب تفاعلنا كعرب مع الفواجع عامة‏,‏ وما أكثر الفواجع العربية التي تكاد لا تمر واحدة منها‏,‏ حتي تهل فاجعة جديدة‏,‏ وليس الهدف بالتأكيد تكرار جلد الذات أو تكرار توجيه قرارات الاتهام بل أتوسم أن أفهم الآلية التي نتعامل بها مع الفواجع‏,‏ وأبحث عن جذورها التاريخية إن وجدت لعلي أخرج باستنتاج مفيد‏,‏ خاصة أنني قد وقعت علي كتاب صغير‏,‏ لمفكر عربي غير مشهور خارج وطنه‏,‏ يعالج هذه المقاربة تحديدا العرب وتجربة المأساة‏,‏ وبالرغم من أن تاريخ تأليف هذا الكتاب الصغير الكبير يعود إلي العام‏1963,‏ فإنه قابل للمناقشة علي أرضية كل المآسي العربية ومنها مأساة يونيو‏67‏ فلا شك أن الهزيمة مأساة‏,‏ لكنها مأساة في سلسلة من المآسي العربية التي لم تنقطع‏,‏ ومن ثم فإن فائدة المناقشة ليست في الاقتصار علي هذه المأساة أو غيرها‏,‏ وإنما في شمولها السياق العام‏,‏ للخروج بشيء عام مفيد‏,‏ ومضئ للمناسبة التي لاتزال تهيمن عليها الغيوم‏.‏
المأساة ينبوع لكل تجربة واعية من تجارب الحياة‏,‏ فحيث يتحرك الفاجع‏,‏ يكون الموقف الجدي العميق في وجود الإنسان‏,‏ الموقف الذي يجابه الحقيقة في جرأة ويعيش القيم في أقوي صورها الإنسانية وأكثرها شمولا‏,‏ لأن فجيعة الانهيار تنسكب في أعماق النفس‏,‏ حزنا صامتا‏,‏ متحررا من الحنق الزائف والغرور الفارغ‏,‏ إنه السكون الذي يتأمل المصير الإنساني كله من خلال المأساة أو الفاجع الذي يبدو للآخرين حادثة عابرة‏.‏
فماذا فعلنا مثلا حيال مأساة هزيمة يونيو التي هي نموذج لمآسينا التاريخية التي سبقتها والتي تلتها؟ وهل من جذور للطريقة التي تفاعلنا بها مع هذه أو تلك من المآسي؟ وهل كانت طرائق تفاعلنا مما يمكن أن نضعه في خانة الرفض الإيجابي‏,‏ أو الاستجابة التعويضية الجادة باتجاه الحضارة؟ إنها أسئلة متشابكة تدعونا ليس فقط للرجوع أربعة عقود إلي الوراء‏,‏ بل إلي ما هو أبعد من ذلك في تاريخنا العربي‏.‏
بعد تطواف بصير بنماذج من الاستجابات الشعرية التي تعكس حس المأساة عن العرب في الجاهلية‏,‏ يصل صدقي إسماعيل إلي استنتاج تبلوره أبيات الشاعر الجاهلي المهلهل بن ربيعة الذي شغلته آلام الحرب ثلاثين عاما‏,‏ يقول‏:‏
لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صالي فمن هذه اللوعة الشعرية يستنتج أن تجارب المأساة في الجاهلية تحيل بوضوح إلي وعي مفاجئ بقداسة الماضي الذي يكمن في أعماق النفس‏,‏ ويلزم الفرد بأن يكون ضحية‏,‏ إذن‏,‏ كانت الاستجابة لفعل المأساة تنزع بالفرد إلي العودة باتجاه الماضي‏.‏
ولم يتوقف جذر اللجوء إلي الماضي عن الامتداد من تفجع الشعر الجاهلي إلي ما تلاه‏,‏ بل امتد إلي نظرة المعاصرين أيضا‏,‏ وهو أمر لا يحتاج إلي دليل لإثباته فيما يجري فينا وحولنا من نكوص إلي الماضي يعبر عنه كثيرون‏,‏ فهم يتلفتون إلي الماضي في شئ كثير من الزهو والحنين‏,‏ كما لو أنه الحقبة الوحيدة التي شهدت الفردوس العربي المفقود‏,‏ ثم غاصت إلي الأبد في ذاكرة التاريخ‏,‏ وهذا التوجه الماضوي تفصح ترجمته عن موقف لا يري في الحاضر إلا فاجعة مثقلة بالمخازي‏,‏ ومن ثم يصير حس الانهيار خاليا من أي تصور تاريخي واضح للمبررات التي حتمت السقوط أو الانهيار أو المأساة أو الهزيمة‏,‏ وهذا بدوره يحيل إلي الإحساس بحتمية تعفي من المسئولية‏,‏ وهذا التنصل من المسئولية يوقظ في الوجدان وعيا عميقا بأن رداء الفجيعة يمكن أن يبسط ظله القاتم علي الحاضروالمستقبل‏,‏ وأخطر ما في هذا الوعي الشقي أنه ينطوي علي إدانة قاسية للعنصر الإنساني في الحياة العربية‏.‏
وتلوح مشكلة الجدارة الانسانية موضع تساؤل في كل مناسبة تعقب الهزيمة أو المأساة أو الفاجعة وتستمر بعدها‏:‏ هل نحن جديرون بأن نصنع مصيرنا‏,‏ بأن نشاطر الآخرين حضارة العصر الذي نعيش فيه؟ هل لدينا مؤهلات لملء الفجوة بيننا وبين الآخرين؟ هل نستطيع تجاوز الهزائم والمآسي والفواجع؟
كل هذه الأسئلة برزت بعد هزيمة يونيو‏,‏ وهي لا تزال تطرح في مواجهة التخلف العربي علي اللحاق بالسباق العالمي الذي دخلت مضماره أمم كانت أكثر منا تخلفا حتي عهود قريبة‏,‏ وهي أسئلة تنطوي في ذاتها علي إجابات مضمرة ذات طابع سلبي غالبا‏,‏ وهذه أحد وجوه الانفعال العربي بالمأساة‏,‏ أو الفاجعة أو الهزيمة‏,‏ وهو وجه يتجاور مع وجوه مماثلة يمكن المرور عليها سريعا‏,‏ لأن تأمل ملامح كل منها يتطلب حديثا وربما أحاديث مستقلة‏.‏
الهروب إلي الماضي‏,‏ والاستسلام لوهم حتمية المأساة‏,‏ والتعامل مع الحاضر كمحصلة انتظار مريب وبائس‏,‏ كل هذه مجرد مظاهر أخري للتنصل من المسئولية وسلبية التفاعل تبدو متخفية تماما‏,‏ ومنها هذه الفحولة العربية في شعر ونثر المراثي‏,‏ والاستغراق في الندم والحزن المديد‏,‏ ولطم الوجوه والصدور‏!,‏ وذم الزمان الذي يبدو كما لو كان شيئا مستقرا في بنية العقلية العربية منذ بدايات عصور الانحطاط والتخفي في قوقعة الرفض الزاعق‏,‏ وتقمص دور الضحية‏,‏ ورفع ألوية الارتياب في كل شيء‏.‏
كل هذه المظاهر شاهدنا تنويعات لها عقب هزيمة يونيو‏,‏ فكان هناك اتجاه جارف للرجوع إلي الماضي‏,‏ وكان هناك تعامل مع الفاجعة جعل من الحاضر مجرد محطة انتظار مريب ومحبط‏,‏ كما كان هناك الوجه الآخر لهذا الهروب متمثلا في مظاهر تبدو أبعد ما تكون عن الهروب من مسئولية النهوض الذي تحتمه الهزيمة‏,‏ وتجلي ذلك في الشعر وميل المثقفين العرب لعملية جلد الذات التي لا تحتم أي إعادة للتفكير ولا أي إعادة للبناء‏,‏ ولم تكن قصائد ومقالات الرفض الزاعق خروجا عن هذه القاعدة‏,‏ قاعدة الهروب من توابع الفاجعة وإن بفحولة ظاهرية‏,‏ ولعلنا لم ننس تلك القصائد التي راحت تدور مثل رياح القدر لتشمل كل ركن عربي بتهكمها ولوعتها وقسوتها علي الذات الفردية والذات الجمعية العربية‏.‏ فهل نري نموذجا لجلد الذات‏,‏ وإعفاء الذات من مهامها الواجبة‏,‏ أوضح من ذلك؟ بل أليست هي دعوة للتخاذل والاتكال علي المجهول؟ وأتساءل‏:‏ أليس ذلك اليأس والاحباط هو ما أوصلنا إلي ما نحن فيه الآن من نكوص وعودة الي الماضي البعيد؟‏!‏
وبالرغم من كل هذا الانكسار الذي استغرق فيه كثرة من المثقفين‏,‏ فإن الوعي العربي بمأساة هزيمة يونيو لم يكن كله وعيا شقيا‏,‏ فثمة من عكس في سلوكه وتدبيراته نوعا من الوعي الصحي بالفاجعة‏,‏ فرأي الخلاص في تحمل المسئولية والعمل بمقتضاها‏,‏ وفي هذا الشاطئ الآخر رأي فريق من العرب إمكان النهوض‏,‏ بل رأوا نصرا لم تره القصائد الحامية الطوال‏,‏ نصرا بدا مستحيلا لكثيرين‏,‏ ولم يره هؤلاء ممن حملوا مسئولية تجاوز الهزيمة مستحيلا‏,‏ وكان العمل العلمي والدقيق والمخلص والعقلاني الذي فتح طريقا في المستحيل نحو انتصار أكتوبر العام‏1973,‏ وهو لم يكن انتصارا عسكريا وحسب‏,‏ بل كان الشق العسكري فيه هو محصلة لجوانب مختلفة من الوعي الصحي بالفاجعة‏.‏
فهل نعي الدرس في كل فواجعنا‏,‏ ونتحرك باتجاه الأفق؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.