الاجواء السياسية في بغداد لا تشير الى تغيير جوهري في الخريطة مثل تغيير رئيس الوزراء نوري المالكي، وان كان نائبه برهم صالح يعتقد بأن الازمة أكثر عمقاً وتعقيداً من تغيير الحكومة. صالح الذي يصف في لقاء مع «الحياة» في مكتبه في بغداد الاشهر المقبلة بأنها «حاسمة في تحديد مستقبل العراق»، ويحمل الوسط السياسي ومحيطه الطائفي مسؤولية اي فشل قد ينتج عن تجرية حكم الأحزاب: «لم تنتج آليات عمل لإدارة الدولة». ويقول ان فشل تجربة حكومة الوحدة الوطنية في إطارها الواسع سببه «إرضاء أطرافها، وقد انقلب مفهوم المشاركة الى تقاسم للقرار أو هكذا يراد له». ويؤكد ان البديل المتاح هو «حكومة غالبية سياسية وجبهة معارضة واضحة المعالم بدلاً من محاولة جمع المتخاصمين على رأي لن يجمعوا عليه، واتخاذ قرارات مصيرية تنقذ العراق». ويقول ان الاتفاق بين رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي «خلص الى توسيع نطاق المشاركة في صنع القرار في إطار 3+1 الذي يتضمن دائرة تفاهم بين رئيس الوزراء وهيئة الرئاسة، وفيها نائب الرئيس السني طارق الهاشمي لضمان تسوية للأزمة وتسهيل العمل الحكومي وإعادة وزراء جبهة التوافق الى الحكومة»، لكنه على المدى الطويل «لا يشكل آلية عمل لتحديد فلسفة الحكم والانطلاق في حركة نهضوية تنتظر العراق في ظل مشروع وطني متكامل». الوسط السياسي العراقي في أعلى مستوياته مشغول هذه الايام في ردم التصدعات التي اصابت العلاقات بين الاطراف السياسية، فمن جهة وجد المالكي نفسه في دائرة صراع مع جبهة «التوافق» السنية توسع لاحقا ليضم أحزاباً وتكتلات وشخصيات، بينها تيار الصدر وحزب «الفضيلة» وكتلة اياد علاوي. ومن جهة ثانية لم تنجح خطة الحكومة بإبقاء حرارة العلاقة بين مجموعة الاحزاب التي تمثل السلطة (الحزبان الكرديان وحزب الدعوة والمجلس الاسلامي الأعلى) خصوصاً بعد بروز الخلاف الكردي مع الحكومة. وعلى رغم ان برهم صالح حاول استخدام عبارات متفائلة لوصف تصوره للتركيبة السياسية التي ستنتج عن التصدعات الحالية، فإنه لا يعتقد بإمكان خروج الحكومة من مأزقها من دون تغيير في آليات صنع واتخاذ القرار، بعد تغيير أسلوب التعاطي مع الازمات الداخلية، عبر تغيير دائرة مستشاريه والمقربين منه، يجاهر سياسيون فاعلون بفشلها في تمكينه الوزراء من التعاطي الناجح مع الأزمات. وصالح يتفق مع الآراء التي ساقتها نخب سياسية مختلفة حول صعوبة إيجاد بديل للمالكي في هذه المرحلة الحساسة. ويقول ان «طريق الحل يمر عبر رئيس الوزراء بالضرورة». التصدعات في دائرة حلفاء المالكي وصلت على ما يقول المقربون منه الى داخل حزب «الدعوة» الذي يتزعمه بعد عودة رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري الذي أُقصي من رئاسة الحزب الى ممارسة نشاطه ل «لمّ شمل التيارات المتباينة والمتناحرة في الحزب». ويعتقد مراقبون ان عودة جبهة «التوافق» الى الحكومة التي ستعلن قريبا لن تشكل حلاً للأزمة الحكومية لان هذه العودة تتزامن مع انتقال الخلافات الى مستويات اخرى يقول عنها صالح انها في كثير من الاحيان «ناتجة عن سوء فهم وقصور في التواصل بين الاطراف». ويعطي مثالا على ذلك رسالة القادة الاكراد الى المالكي بعد فشل المفاوضات في بغداد حول عقود النفط وكركوك، بالاشارة الى ان الرسالة لم تكن «تهديدا» كما حاول بعض المقربين من المالكي وصفها «فجوهرها يحاول تنبيه الحكومة الى ضرورة اعتماد الحوار لحل الازمة وتجنب وضع العصي في العجلات في هذه المرحلة». مقربون من الحكومة يقولون ان المالكي يقف هذه الايام أمام معضلة دستورية تمثل استحالة عودة وزراء جبهة «التوافق» من دون حل دستوري يعتبرهم مستقيلين، وإن إعادتهم تستدعي قراراً برلمانياً او تغييراً حكومياً شاملاً على المالكي عرضه أمام البرلمان، وربما لن يحظى بالموافقة. وعودة «التوافق» بعد زيارة «التأييد» للمالكي التي قام بها قادة سنة (بينهم عدنان الدليمي وخلف العليان) ساخطين على زعيم «الحزب الاسلامي» طارق الهاشمي بعد توقيعه الاتفاق الثلاثي مع الحزبين الكرديين، واعتباره قدم تنازلات في ما يخص قضية كركوك، تحرج المالكي لجهة اشتراط الجبهة إقالة وزير التخطيط علي بابان الذي رفض الانسحاب من الحكومة بعد انسحاب تياره السياسي منها، والشرط ذاته أدرجته قائمة اياد علاوي التي رفض ثلاثة من وزرائها الامتثال لقرار الانسحاب. اكثر من هذا فإن مطالب «مجالس الصحوة»، والسياسي السني صالح المطلك، لا تسهل تشكيل وزارة جديدة، فالصحوة تطالب بوزارتين للعشائر و «الحوار» التي يتزعمها المطلك تطالب بوزارة الخارجية. وعن قضية «مجالس الصحوة» التي ما زالت مثار قلق لدى الحكومة، يقول برهم صالح ان «ترك الحكومة القوات الأميركية تتولى فتح قنوات مع هذه المجالس قاد الى خلق وضع متأزم يهدد بنسف الانجاز الأمني، الذي ترجم خلال الشهرين السابقين تراجعاً في مستويات العنف، يعتبره قادة سياسيون غير مؤكد النتائج، خصوصاً بعد ورود معلومات عن عودة «جيش المهدي» الى تخزين السلاح، وجمع مناصريه، ما استدعى عمليات دهم واسعة لحي الإسكان الشيعي غرب بغداد في مقابل تهديدات على شكل رسائل تهديد يرسلها قادة فصائل مسلحة و «مجالس الصحوة» في بغداد وبعقوبة الى الحكومة، بحمل السلاح ضدها إذا حاولت تصفيتها على الأرض.