ها هو الدب الروسي يكشر عن أنيابه مرة أخرى ولكن ما مدى قوة روسيا هذه المرة؟ هز الرئيس فلاديمير بوتين الغرب بموجة من الإعلانات العسكرية المفاجئة التي تعيد للأذهان الحرب الباردة. وعادت القاذفات الروسية بعيدة المدى القادرة على حمل أسلحة نووية إلى السماء في دوريات حراسة في أنحاء العالم مما دفع مقاتلات حلف شمال الأطلسي إلى أن تحذو حذوها. كما أجرت روسيا تجارب إطلاق على صواريخ طويلة المدى وقالت تقارير رسمية إن صاروخا جديدا قادر على التحليق من طرف روسيا إلى الطرف الآخر خلال أقل من نصف ساعة. كذلك فإن الجيش الأحمر السابق يعيد تجهيز نفسه بالمعدات مع زيادة النفقات الدفاعية بين 20 و40 في المائة سنويا منذ تولي بوتين السلطة عام 2000. هل يتعين على الغرب إذن الشعور بالقلق؟ قال بيتر فلستيد رئيس تحرير مجلة جينز ديفنس ويكلي في مكالمة هاتفية “بصفة عامة فإن القدرات العسكرية الروسية أقل كثيرا من خمسين في المائة مما كان يملكه الاتحاد السوفييتي”. وأضاف “استئناف القاذفات لطلعاتها الجوية كان أمرا يتعلق بمكانة روسيا وله دلالة دبلوماسية أكثر من كونه قدرة عسكرية حقيقية”. ووصفت وزارة الخارجية في واشنطن معاودة القاذفات الروسية الظهور بأنه قيام روسيا بإخراج “الطائرات القديمة من سباتها” في إشارة إلى أساس أسطول موسكو المكون من الطائرات توبوليف 95 التي حلقت لأول مرة عام 1952. وقال كريستوفر لانجتون وهو كولونيل متقاعد يعمل في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن “لا داعي لأن يقلق الغرب بصورة كبيرة”. وأضاف “أغلب ما تنتجه روسيا من صناعتها العسكرية مخصص للتصدير من أجل الحصول على العائدات. كميات صغيرة توجه للسوق المحلية”. وفي الجيش أصبحت أغلب الدبابات عتيقة للغاية إذ تقول أرقام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنها تعود إلى الستينات والسبعينات. ولدى البحرية الروسية حاملة طائرات واحدة فقط تعمل بعد إحالة خمس حاملات أخرى إلى خارج الخدمة وبيعها إلى الصين والهند في التسعينات. وعلى الرغم من الوعود بإعادة إمداد الجيش بالمعدات اللازمة، فإن محللين يقولون إن النسخ الأحدث التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة من الأسلحة الحالية ما زال يجري تخاطفها في الخارج قبل استخدامها في الداخل. وقال روسلان بوخوف مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات في موسكو “أول مشتر للطائرة ميج 29 المحدثة هو اليمن والثاني هو اريتريا”. ويقول خبراء دفاعيون إنه بخلاف القوة النووية الاستراتيجية لموسكو والتي كانت تلقى تمويلا جيدا في التسعينات فإن أغلب الجيش في حاجة إلى التغلب على سنوات من الإهمال. وتشير معلومات رسمية إلى أن روسيا بدأت برنامجا مدته ثماني سنوات بتكلفة 189 مليار دولار لاستبدال نحو نصف المعدات العسكرية الحالية بحلول عام 2015 بما في ذلك صواريخ “توبول-م” الحديثة والطائرات الحاملة للصواريخ والمركبات والسفن. غير أن يفجيني بندرسكي وهو محلل بارز في مركز “باور اند انتريست نيوز ريبورت” في واشنطن الذي يتلقى تمويلا خاصا قال إن هذا الإنفاق السخي على الجيش يخفي جوانب نقص أخرى مثل مدى كفاءة القوة البشرية. كما أنه ساعد على إخفاء المشكلات الاجتماعية المحلية في روسيا. ومضى يقول “الذي نشهده الآن هو نمط يشبه للغاية ما كان يحدث في الاتحاد السوفييتي. في الظاهر تبدو روسيا قوية للغاية خاصة في مجال الطاقة ولكن ليست هذه هي الحال فعليا. إن الفجوة تزيد بين الأغنياء والفقراء.. الوضع في الريف مروع”. ويرى محللون سياسيون ودفاعيون أن تصريحات بوتين الجريئة ربما تهدف إلى التأثير في الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال الشهور المقبلة. واتفق مع هذا الرأي جايلز ميريت مدير مركز أهداف الأمن والدفاع وهو مركز بحث مقره بروكسل قائلا “بوتين يسعى للتأثير في الآخرين”. وأضاف “الكثير من مواقفه موجهة لجعل الناس يقولون إن روسيا قوة عظمى حقا دون أن تكون لديه أهداف بعينها في ذهنه”. ويقول الكرملين إن التعبئة العسكرية التي يقوم بها يجب ألا تقلق أي أحد. ويقول أيضا إن ميزانية الدفاع في 2007 - 2008 أقل من نصف ميزانية بريطانية وأقل من عشر ميزانية الولاياتالمتحدة. وقال ديميتري بسكوف المتحدث باسم الكرملين “التغيير في الإنفاق العسكري الروسي لا يذكر على الإطلاق مقارنة بالتعبئة العسكرية للولايات المتحدة أو بريطانيا العظمى”. ومضى يقول “لقد مررنا بفترة طويلة حقاً من نقص التمويل للبرامج العسكرية ولابد من تعويض هذا بالطبع. بدأ كل شيء يعود للأحوال العادية”. وقال فلستيد من “جينز ديفنس ويكلي” إن أكبر متاعب قد يواجهها الغرب ربما لا تكون القوات المسلحة الروسية ولكن بعض زبائنها ممن يشترون أسلحتها مثل إيران أو فنزويلا. وأردف قائلاً “مازالت روسيا تملك تقنيات مهمة لا نملكها نحن في الغرب. إذا ما وجدت تلك الأنظمة الجوية الحديثة طريقها من الاتحاد السوفييتي السابق إلى أماكن مثل إيران فسيكون لهذا أثر كبير”.