في قلب التوتر الشديد القائم بين أنقرة وبغداد يكمن الأكراد، شعب بلا دولة موزع على أربع دول ويعيش على وقع الأزمات المتتالية في منطقة خلافات تهدد بالانفجار. ويقول مثل كردي شائع «وحدها الجبال صديقتنا»، مكتنزا في تلك الكلمات الثلاث تاريخ شعب يقيم على احد خطوط الانقسامات الأكثر اضطرابا في العالم ويتوزع بين تركيا وإيران والعراق وسوريا. وبالرغم من أنهم لا يملكون دولة تحميهم ولا منفذا على البحر يحيي اقتصادهم، تمكن الأكراد الذين يتراوح عددهم بين 25 و35 مليونا من الحفاظ على لغتهم وتقاليدهم ونظامهم العشائري. وقال الباحث أوليفييه روا المتخصص في المنطقة «ظلت السلطات الإمبراطورية الفارسية والعثمانية المتعاقبة تستغل الأكراد حتى نهاية القرن التاسع عشر فكانت تترك لهم قدرا كبيرا نسبيا من الاستقلالية وتستخدمهم كقوات مساعدة» لإحلال النظام على الحدود أو السيطرة على أقليات أخرى. وتابع انه «عندما انتقلت القوميتان التركية والفارسية إلى طور العلمانية» في عهد اتاتورك في تركيا وآل بهلوي في إيران، «تنامت لدى الأكراد في المقابل مطالب اننية وقومية». لكن حين يتعلق الأمر بمواجهة نزعات استقلالية، فان دول المنطقة تعرف كيف تطرح خلافاتها جانبا وتعتمد موقفا موحدا لإحباط هذه المحاولات. ففي 1937 وقعت بغداد وطهران وأنقرة ميثاق سعدأباد الرامي إلى تنسيق جهودها لمواجهة «العصابات المسلحة». وبالرغم من تبدل الظروف والأوضاع منذ ذلك التاريخ، لا تزال دول تركيا العلمانية وإيران الإسلامية والعراق الخاضعة للوصاية الأميركية تتردد اليوم ما بين التخوف من النزعة الانفصالية وتوظيف المسألة الكردية في علاقاتها مع جيرانها. كذلك لم يجن الأكراد أي ضمانة من لعبة القوى الكبرى، فالحرب العالمية الأولى التي شهدت انهيار الإمبراطورية العثمانية لم ترس حلا دائما لمنطقة كردستان التي كانت تركيا تتمسك بالمطالبة بالسيطرة عليها. وبعدما أبدت عصبة الأمم لفترة تأييدا لمشروع إقامة دولة مستقلة للأكراد، عادت عام 1926 ووافقت على إخضاع منطقة مدينة الموصل (في شمال العراق اليوم) لسلطات الانتداب البريطاني في العراق. ولم يتخذ الغرب قرارا حازما بحماية الأكراد من تجاوزات الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلا مع نشوب حرب الخليج الأولى عام 1991. وتحالف الأكراد آنذاك مع الولاياتالمتحدة وأفادوا كثيرا من التدخل الأميركي الذي سمح لهم بإقامة حكم ذاتي واسع وإرساء استقرار نسبي وسط بلد تعمه الفوضى. ونتج عن إطاحة نظام صدام حسين عام 2003 تبدل جذري في الوضع الإقليمي ترافق مع بلبلة واضطراب كبيرين. وقال أوليفييه روا «نشهد الآن التحاما بين أكراد شمال العراق والأكراد الأتراك على المستوى الثقافي واللغوي والاقتصادي، لم يكن قائما في الماضي». وأشار إلى أن المسألة الكردية تطاول إيران أيضا مع «تفاقم القمع إلى حد كبير جدا في كردستان الإيراني» ردا على تطور الوضع في العراق. وأوضح سونر كاغابتي الاختصاصي في شؤون المنطقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن «قيام منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق أثارت حالة غليان لدى القوميين الأكراد في البلدان الأخرى» ولا سيما في سوريا. وفي لعبة التحالفات المعقدة في المنطقة، فإن تأييد عملية عسكرية تركية في كردستان العراق قد يشكل فرصة جيدة لطهران من اجل التقرب من أنقرة والتصدي للمصالح الأميركية. ورأى كاغابتاي أن «الإيرانيين مستعدون لأي شيء لفك الطوق الأميركي، بما في ذلك استرضاء الأتراك مضيفا انه «في إطار هذه الاستراتيجية، فإن تأييد عملية تركية ضد متمردي حزب العمال الكردستاني (التركي) في شمال العراق قد يشكل وسيلة مقايضة مفيدة».