منذ عام 1954 ومصر تمارس دوراً قيادياً في السياسة العربية، وبقيت محور الكثير من الأحداث المهمة التي تقع في العالم العربي سياسياً وثقافياً وعسكرياً، وتلعب دور المحرك للعديد من التغيرات الحاصلة. وانطلاقاً من إدراك هذه الحقيقة، فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، خاصة دولة الإمارات والسعودية والكويت والبحرين، لم تتوان لحظة واحدة في الوقوف إلى جانب مصر العزيزة على قلوب عرب الخليج، عندما أحسوا بحاجتها إليهم إثر أحداث ثورة 30 يوليو التصحيحية التي أعادت الأوضاع إلى نصابها وأبعدت جماعة "الإخوان" عن كراسي السلطة التي قفزوا إليها في غفلة من الزمن مستغلين ثورة شباب 25 يناير 2011 أسوأ استغلال. إن أهمية مصر وتأثيرها في قضايا الخليج العربي تبقى ملحوظة لا مواربة فيها والقضايا التي تؤثر على سياستها تجاه دول المجلس تأتي ضمن التضامن المنشود بين الطرفين وما يرتبط بذلك من الأمور الوطنية المهمة، ومنظور مصر لمصالحها الأمنية واهتماماتها الاقتصادية وأمن دول المجلس الذي تتهدده مطامع الجيران الأقوياء. فمنذ الإطاحة بالشاه في إيران عام 1979 وما أعقب ذلك من تداعيات خطيرة، يُلاحظ بأن الدور المصري تجاه دول المجلس يمارس من خلال مجموعة متشابكة من العوامل التي لا يتسع هذا المقام لشرحها. لذلك، فإن دول المجلس على يقين تام بأن مصر تشكل عمقاً استراتيجياً مهماً لها لو حدث وأن تعرضت لأية ظروف صعبة في المستقبل، وهي تنطلق من هذا المنطلق الأساسي شديد العمق. ولكي تتمكن مصر من العمل سوياً دول المجلس لابد من الوقوف معها في ظروفها الحالية الصعبة بشكل صلب وعدم ترك المسائل للمصادفات، وعدم ترك مصر فريسة لابتزاز الآخرين. وهذا لن يتأتى بسهولة لأن ما تواجهه مصر وما تحتاجه ليست بالشيء القليل، الأمر الذي يسهل علينا القول بأن الوسيلة المثلى، لذلك هي ربط مصالح الطرفين الحالية والمستقبلية على كافة الصعد، خاصة الصعيد الاقتصادي، الذي هو منبع ما تعانيه مصر حالياً، وذلك بشكل راسخ وعملي واستراتيجي بعيد المدى يعود بالفائدة على الطرفين. ولكي تتمكن دول المجلس من كسب مصر إلى جانبها بشكل مستمر ومفيد لابد لها وأن تعطيها وزنها لأن مصر تستطيع العمل بطرق متعددة، نظراً لما لديها من عمق ديموغرافي وثقافي ووزن سياسي واستراتيجي وعسكري يمكنها من ذلك. وهذا الدور لا يمكن أن يمارس سوى بتواجد مصر هادئة ومزدهرة وقوية. هذا الوضع المهم لمصر يملي عليها أن لا تنظر إلى دورها المستقبلي على أنه مشابه للأدوار التي يمكن أن تلعبها الأطراف الأخرى. فإذا حدث ذلك، فإن دور مصر سيضعف وسيضر بالمصالح المصرية والخليجية على حد سواء. دور مصر قيادي، وعلى هذا الأساس لابد من النظر إلى أي تهديد يقع من الجيران الطامعين تجاه دول المجلس على أنه محاولة لقلب توازن القوى الإقليمي في الخليج العربي في غير مصلحة العرب، ومحاولة لفرض إرادتهم على جيرانهم والهيمنة عليهم واغتصاب مواردهم الاقتصادية. لذلك فإن دور مصر كما أتصوره هو عدم السماح بحدوث ذلك والسعي إلى احتواء قوة هؤلاء الجيران الطامعين في سبيل منعهم من القيام بخلق حالة من عدم الاستقرار. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية