الشعب الصومالي لم يتخيل وهو يتخلص من حكم الديكتاتور سياد بري عام1991, أن يقع في ما هو أسوأ من ذلك بعد أن اكتوي بحروب أهلية طاحنة أدت الي تمزيق وطنه وتشريد أهله الذين فروا الي دول مجاورة هربا من جحيم الأوضاع المأساوية. ولقد ساعد علي ذلك أن التركيبة السكانية والسياسية التي تسيطر عليها القبلية والعشائرية تتحكم في قواعد اللعبة هناك, بالإضافة الي ضعف الحكومات المركزية المتعاقبة, مما جعل هذا الوضع يتحكم في مصير الصومال حيث قام كل فريق بالبحث عن مصالحه الضيقة فقط بعيدا عن مصالح الوطن. ولقد برزت وسط هذه الظروف لسوء الحظ طائفة أمراء الحرب أو تجار السلاح التي قامت بتأجيج الصراعات الداخلية وربحوا من ورائها ملايين الدولارات, حتي ولو كان الثمن دماء الشعب الصومالي. وزاد من تعقيد الموقف هناك, أن الأزمة الصومالية بكل تداعياتها أخذت أبعادا إقليمية ودولية تجاوزت الحدود بحكم موقع الصومال الاستراتيجي وسط القرن الإفريقي, وقد وصلت هذه الأبعاد الي حد تدخل بعض الدول بقواتها في الصومال مثل الولاياتالمتحدة وكينيا وإثيوبيا والاتحاد الإفريقي. وعندما تولت الحكومة الصومالية الحالية السلطة في عام2004, ورثت تركة مثقلة بالإضافة الي بروز عامل خطير آخر هو اتحاد المحاكم الإسلامية, الذي ما لبث أن تحولت معارضته الي صدام مسلح مع الحكومة وصل الي حد الحرب الأهلية, وقد تعقدت الأمور بالانتصارات العسكرية المتتالية التي حققها هذا الاتحاد علي الحكومة واستيلائه علي مساحات واسعة من الصومال ووصلت قواته علي مشارف العاصمة مقديشو, الأمر الذي جعل الحكومة تهرب الي مدينة بيداوة والتقوقع فيها. إلا أن الحكومة بعد الاستعانة بالقوات الإثيوبية قد استطاعت استعادة زمام الأمور وهزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية واسترداد كل الأراضي التي استولي عليها. ووسط ضغوط دولية هائلة خاصة من جانب الاتحاد الأوروبي, شرعت الحكومة في تنظيم مؤتمر للمصالحة يضم كل القبائل والعشائر بحثا عن أمل للاستقرار السياسي والأمني وبرغم أن هذا المؤتمر قد تأجل انعقاده أكثر من13 مرة من قبل, إلا أن الحكومة مصممة هذه المرة علي عقد المؤتمر الذي دعت إليه في الأسبوع الماضي برغم الأجواء الأمنية بالغة التوتر التي تحيط به حتي أن الرئيس الصومالي عبدالله يوسف أعلن أنه سيتم تنظيم المؤتمر حتي لو تم ضرب مقديشو بقنبلة ذرية. وتعدإشكالية عدم دعوة المحاكم الإسلامية لحضور المؤتمر في مقدمة التحديات التي تقف أمامه بعد أن قرر مسئولو المحاكم أيضا مقاطعة المؤتمر لعدم الاعتراف بالحكومة, وهو الأمر الذي يؤدي الي طرح شكوك حول جدوي المؤتمر لأنه برغم هزيمة المحاكم عسكريا فأنها مازالت في الواقع قوة سياسية يحسب حسابها, في الوقت الذي تصر فيه الحكومة علي ضرورة تصفية المحاكم نهائيا كتنظيم والانخراط في صفوف القبائل. ويأتي ذلك وسط هجمات شبه يومية علي العاصمة مقديشو, أدت الي مقتل المئات ونزوح الآلاف منها خوفا من تصاعد أعمال العنف, في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة كل الضغوط من الداخل والخارج لإشراك المحاكم في المؤتمر من أجل ضمان الوصول الي صيغة نهائية للحوار الوطني تساعد علي تحقيق الاستقرار في الصومال. وبصفته أول مؤتمر من نوعه يعقد داخل الصومال في إيثار صوت العقل من جانب جميع الأطراف ومراعاة مصلحة من هنا فإن الأيام المقبلة سوف تشهد تطورات حاسمة في تاريخ الصومال, سواء بنجاح المؤتمر الحالي للمصالحة الوطن, أو المضي في النزاعات والصراعات الدموية التي دفع فيها الصومال الثمن غاليا طوال16 عاما ووصل به الحال الي التمزق والشتات وتحول شعبه الي شعب من اللاجئين.