شغل الصومال الذي مزقته الحرب منذ عام 1991 ومازال محور اهتمام وسائل الاعلام العالمية خلال الفترة الاخيرة في ضوء الصراع الدموي بين الحكومة الانتقالية الموالية للغرب وبين اتحاد المحاكم الاسلامية الذي احكم السيطرة علي العاصمة مقديشيو في يونيو الماضي وتبع ذلك سيطرته علي انحاء واسعة من البلاد وتحقيقه نوعاً من الاستقرار والأمن في هذه المناطق كانت ابرز مظاهره فتح ميناء ومطار مقديشيو بعد غياب طويل. وبغض النظر عما آل اليه هذا الصراع وتداعياته الاقليمية ودخول الولاياتالمتحدة وأثيوبيا طرفا فيها، فان تساؤلات عدة تطرح حول كيفية عمل القطاع المصرفي في بلد يفتقر إلي حكومة مركزية قوية، ومنقسم إلي ما يشبه الكنتونات القبلية وأخيراً في ظل الحكومة الانتقالية التي أطاحت باتحاد المحاكم الاسلامية مؤخرا بدعم أثيوبي وأمريكي لكنها لم تحكم سيطرتها علي البلاد بعد؟ الواقع يقول ان السوق المالية الصومالية شهدت حالة من الفوضي علي مدي ال 15 عاماً الماضية كانعكاس لغياب الحكومة الصومالية المركزية منذ سقوط نظام حكم الرئيس السابق محمد سياد بري عام ،1991 وتعرضت البلاد لكارثة اقتصادية خطيرة، خاصة مع غياب مؤسسات مالية قوية تمثل السلطات المركزية مما ساعد علي انتعاش القطاع الخاص المحمي من قبل قوة القبيلة بطريقة جنونية ليشمل جميع قطاعات التجارة والتعليم والأمن وظهور مؤسسات مصرفية تابعة له كان من ابرزها مجموعة "البركات" وقد حاولت هذه المجموعة أن تحل محل البنوك، واستطاعت وبجدارة سد هذا الفراغ، وكانت تربط بين الصوماليين في أنحاء العالم وبين أسرهم في داخل البلاد عن طريق صرف العملات والتحويلات المالية. وكانت "البركات" حتي وقت قريب أكبر شركة للتحويلات المالية في الصومال من خلال فروع لها في حوالي 40 بلدا وفي جميع أنحاء الصومال وتراوحت الأموال المرسلة من الصوماليين في الخارج عبر هذه الفروع ما بين 500 مليون دولار و700 مليون دولار سنويا وهو ما كان يتجاوز كثيرا تدفقات المعونات الخارجية التي تراوحت ما بين 50 مليون دولار و60 مليوناً. وهناك حاجة ماسة للعملة الأجنبية في الصومال التي شهدت 14 محاولة لاقامة حكم مركزي فعال منذ الإطاحة بالديكتاتور محمد سياد بري عام 1991 لاعادة بناء اقتصادها الذي دمر بنيتها التحتية التي هدمت. وقد أدت النزاعات الدائمة في الصومال، وانعدام نظام مصر في مستقر هناك، إلي دفع آلاف الصوماليين في جميع أنحاء العالم، إلي الاعتماد علي مجموعة البركات في ارسال تحويلاتهم الي اقاربهم في الصومال، بدرجة من الكفاءة جعلتهم يثقون فيها. وهذه الأموال المحولة إلي الصومال، تعتبر أكبر مصدرتستفيد منه البلاد في الحصول علي العملة الصعبة وشريان الحياة بالنسبة لملايين الصوماليين الذين يعانون من مشكلات جمة. وكان يتم تحويل الأموال إلي دبي ثم إلي الصومال بعد ذلك من خلال سلسلة من العلاقات بين مجموعة البركات والبنوك الدولية. وانتشر المهاجرون الصوماليون الذين يقدرون بنحو 3 ملايين مهاجر ولاجئ في أوروبا وأمريكا والدول العربية؛ وتطوروا من لاجئين يبحثون عن لقمة العيش بعد أن فروا من جحيم الحرب الأهلية إلي مستقرين في الدول التي هاجروا إليها، ويمثلون جزءا مهما من اقتصاد هذه البلاد؛ وتقدر مساهمات العمالة والهجرة الصومالية في الخارج أكثر من مليار دولار سنويا. وأنشئ بنك البركات التابع لمؤسسة البركات عام 1985 كشركة صغيرة تعمل في مجال التحويلات النقدية للصوماليين العاملين في السعودية والذين يرسلون أموالاً إلي عائلاتهم في الصومال، لكن الانطلاقة الحقيقية للمشروع كانت عندما اندلعت الحرب الأهلية في الصومال عام ،1991 فقد فر صوماليون إلي شتي أرجاء العالم وأرسلوا أموالا إلي أقاربهم في بلادهم حيث كان الكثير منهم يموتون جوعاً، وبلغ متوسط العمولة التي كان يتقاضاها البنك 2% تقريباً. وإلي جانب التحويلات النقدية، كانت مجموعة البركات تمثل نشاطا تجاريا مزدهرا في مجال الأعمال، وقامت بتوفير الخدمات الهاتفية وحتي المياه المعبأة في زجاجات، ومثلت الأمل في إمكانية أن تنتشل الأعمال التجارية في هذا البلد من براثن الفوضي.