شهدت الايام القليلة الماضية تصعيدا خطيرا في الازمة النووية الايرانية مع تزايد الحديث عن عقوبات جديدة وما اثاره وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن شبح الحرب مع ايران، ورغم تراجعه عن تصريحاته واعلانه ان المفاوضات هي السبيل لحل الازمة فان التصعيد مازال مستمرا ضد ايران في محاولة لاجبارها علي التخلي عن برنامجها النووي. عصا العقوبات التي تلوح بها الدول الكبري في وجه ايران اصبحت نغمة متكررة خاصة خلال الاشهر الماضية ففي ديسمبر الماضي فرض مجلس الامن عقوبات تجارية علي برامج ايران النووية الحساسة وبرامجها الخاصة بالصواريخ المتطورة وفي مارس من العام الجاري جمد المجلس اصول 28 من الشركات والجماعات والافراد وحظر صادرات ايران من الاسلحة، اما العقوبات التي تلوح بها واشنطن الان فتشمل عقوبات مالية اضافية وعمليات تفتيش للشحنات المتجهة لايران و الخارجة منها بحثا عن اي مواد لها صلة بالبرنامج النووي. وفي المقابل تسعي فرنسا الي دفع الاتحاد الاوروبي لفرض عقوبات اضافية ضد طهران خارج اطار الاممالمتحدة وهو ما يؤكد مدي التشدد الفرنسي الحالي تجاه ايران وزيادة في تشددها طالبت باريس من الشركات والمؤسسات الفرنسية الكبري تجميد استثماراتها في طهران. وباستثناء فرنسا وبريطانيا فان الموقف الاوروبي عموما فيه نوع من التردد فيما يتعلق بمسألة العقوبات. ولكن هل يمكن ان تكون العقوبات الجديدة هي النقطة التي ستتوقف عندها الدول الكبري ضد ايران ام ان الامور ستذهب لأبعد من ذلك؟ مسئولو الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا اكدوا خلال محادثاتهم الاخيرة مواصلة اسلوب »المسار المزدوج« تجاه ايران والذي يشمل خطين، المفاوضات من جانب والعقوبات من جانب اخر ولم يتطرق احد منهم للحديث عن الحرب باستثناء التصريحات التي كان قد ادلي بها كوشنير. ولكن ما اعلنته الدول الكبري يدخل في اطار الدبلوماسية وهو ما يدعو لعدم الاطمئنان، فمع استمرار الرفض الايراني لتعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم وتوقعات الخبراء بأن طهران اصبح بينها وبين امتلاك القنبلة النووية مابين 3 الي 5 سنوات يمكن ان تصبح العقوبات سلاحا غير فعال في ايدي الغرب فحتي الآن كل العقوبات التي تعرضت لها ايران لم تسفر عن نتيجة واضحة رغم انها وضعت طهران في شبه عزلة تامة. وهنا ستظهر فرضية الحرب التي طرحها وزير الخارجية الفرنسي ويعزز هذه الفرضية التعنت الامريكي الشديد نحو ايران ووجود رجل مثل جورج بوش علي رأس القوة العظمي الاولي في العالم مع ماهو معروف عنه من سياسات غير مدروسة، وربما ما نشرته مجلة النيوزويك مؤخرا من ان ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي سعي لاستدراج ايران للحرب عن طريق الايعاز لاسرائيل بقصف احدي المنشآت النووية الايرانية لاستفزاز طهران واعطاء مبرر لواشنطن لقصفها يؤكد ان خيار الحرب ضد ايران مطروح دائما علي الطاولة الامريكية. السيناريو الذي طرحه تشيني لن يختل فكثيرا عما سيحدث في حالة نشوب حرب فمن المتوقع ان تلعب اسرائيل دورا كبيرا فيها خاصة وان الاسرائيليين يعتبرون ايران الخطر الرئيسي الذي يواجههم في المنطقة حاليا. واذا كانت فرضية الحرب تظهر بقوة فان هناك سؤالين لايمكن الاجابة عنهما أولهما هل هذه الحرب ستكون في اطار الاممالمتحدة ام ان امريكا ستفشل في الحصول علي الاجماع اللازم داخل مجلس الامن وتضطر الي اعلان الحرب بعيداً عن المنطمة الدولية كما فعلت من قبل في العراق؟ السؤال الثاني حول موعد الحرب وما اذا كانت واشنطن ستنتظر ما تسفر عنه الجهود الدبلوماسية والعقوبات ام تستعجل بالعمليات العسكرية. إصرار إيراني رغم كل ما يثار من حديث عن حرب وعقوبات فان النظام الايراني لم يظهر اي استجابة او تراجع عن موقفه، وربما لم يكن من سبيل المصادفة ان تعرض ايران يوم الخميس الماضي للمرة الاولي نموذجين من طائراتها المقاتلة الحديثة التي اطلق عليها اسم »الصاعقة« وبث التليفزيون صور الطائرتين وهما تحلقان فوق قاعدة عسكرية تابعة لمطار مهرباد الدولي غرب ايران والصاعقة كما اعلن الايرانيون تشبه طائرة »اف 18« امريكية الصنع لكن لديها قدرات اضافية، وبعد ذلك ب 48 ساعة فقط عرضت ايران صاروخا جديدا طويل المدي اطلقت عليه اسم »قدر« واكدت ان مداه يصل الي 1800 كيلومتر وبمكانه بلوغ الاراضي الاسرائيلية وكل القواعد الامريكية في المنطقة وعرض نموذج الصاروخ مع نموذج من صاروخ »شهاب 3« خلال عرض عسكري كبير للقوات المسلحة اقيم في طهران بمناسبة ذكري الحرب العراقية الايرانية، وتأكيدا لموقف ايران اعلن محمود احمدي نجاد ان العقوبات لن توقف مسيرة التقدم في بلاده ومن ضمنها البرنامج النووي واشار الي حق ايران في امتلاك التكنولوجيا النووية، ولم يترك نجاد الفرصة كعادته لمهاجمة الولاياتالمتحدة واكد ان وجود القوات الامريكية غير الشرعي في المنطقة هو سبب كل الخلافات وكل التهديدات.