يبدو ان "الاطماع الكردية" ستكون السبب فى تسرب خطر اتساع الحرب الاهلية فى سوريا ، لتلحق الاذى و الضرر بالدول المجاورة لها ، مما ينذر بالتهاب الموقف عامة فى منطقة الشام . ولقد جاء تعهد "مسعود بارزاني" رئيس إقليم كردستان العراق امس السبت بالدفاع عن السكان الاكراد في سوريا المجاورة ضد خطر تنظيم القاعدة المرتبط بالمقاتلين المتمردين ضد حكم بشار الاسد ، ليسلط الضوء من جديد على احتمالات تحول الحرب الاهلية في سوريا إلى صراع إقليمي، عرقي وطائفي شامل. التعليقات الواردة من "مسعود بارزاني" تاتى بعد متابعة لأسابيع من الاشتباكات في المناطق الكردية في شمال شرق سوريا بين الميليشيات الكردية والفصائل المتمردة الاسلامية المتطرفة والتي أسفرت عن مقتل العشرات من الجانبين. والقتال الدائر هناك فى حقيقته هو صراع للسيطرة على المنطقة الغنية بالنفط بالقرب من الحدود العراقية و هو فاصل اخر من فصول الحرب الأهلية التي تزداد تعقيدا ودموية في سوريا. بيان" البرازانى " نشر على الموقع الرسمي لحكومة إقليم كردستان، و فيه يدعو لضرورة قيام وفد دولى بزيارة المناطق الكردية في سوريا للتحقق من التقارير التي تفيد بأن "إرهابيي القاعدة" يقتلون الأكراد "، وقال انه في حال تأكد هذه التقارير فان كردستان العراق سيسخر كل قدراته للدفاع عن المرأة ، والأطفال والمواطنين الكراد في غرب كردستان العراق، لكن البيان لم يتضمن اى تفاصيل أخرى حول كيف سيتم حماية الاكراد في سوريا. وهناك ملاحظة هامة جدا ، فقد عمد البيان الى التشديد على خطر تنظيم القاعدة و انه من يقف وراء الهجمات فى المناطق الكردية بسوريا ، وهو يعكس حجة مقبولة فى الغرب الا و هى محارة تنظيم القاعدة و هو امر قد يجلب غطاء شرعى لقوات "البشمركة" الكردية اذا تدخلت فى القتال الدائر الان على الاراضى السورية و يظهر مشاركتها بالقتال على انها " محاربة لارهاب القاعدة " والذى سيسر الادارة الامريكية كثيرا. وان كانت كردستان العراق تفتخر بميليشياتها القوية المعروفة باسم "البيشمركة"، التي تضم مقاتلين من ذوي الخبرة ومجهزة بعد خوضها لسنوات من حرب العصابات فى العراق ، الا ان "البرزاني" يبدو من المرجح أنه لن يجازف بتدخل عسكري مباشر. لان مثل هذه الخطوة من المرجح ايضا أن تؤدي إلى رد فعل غاضب من الحكومة المركزية في العراق وكذلك تركيا المجاورة، التي تصارع منذ عقود ضد التمرد الكردي و اطماعه لاقامة دولة واسعة ، حيث هناك نحو 25 مليون كردي يعيشون في قوس من الأراضي تغطي أجزاء من تركيا، إيران، سوريا والعراق، وكثيرا ما طالبوا بوطن مستقل. وأكراد العراق يسيطرون على ثلاث محافظات في شمال البلاد، تتمتع بنظام منطقة الحكم الذاتي إلى حد كبير و لديها كل مظاهر الدولة المستقلة، وعلى الرغم من انها لا تزال تعتمد بشدة على الحكومة المركزية في العراق للحصول على التمويل ، الا ان علاقاتها مع بغداد لا تزال متوترة، والمنطقة تتمتع بمستوى من الرخاء والأمن لا مثيل لها في بقية انحاء العراق. اما فى في سوريا، فيعد الأكراد هم أكبر أقلية عرقية، يمثلون أكثر من 10 في المئة من 23 مليون نسمة في البلاد. ويتركز وجودهم في المناطق الشمالية الشرقية الفقيرة من الحسكة والقامشلي، الواقعة بين حدود تركيا والعراق.. كذلك هناك أيضا العديد من الأحياء ذات الأغلبية الكردية في العاصمة دمشق، وحلب كبرى المدن السورية. و لقد عانى الاكراد طويلا من الاضطهاد من قبل نظام الرئيس بشار الأسد، الا انهم قد وجدوا ا أنفسهم الآن يتمتعون بشبه الحكم الذاتي في شمال شرق البلاد بعد انسحاب قوات الأسد و تنازلها عن السيطرة الفعلية للمقاتلين الاكراد المسلحين. ويدعو بعض الاكراد الان صراحة لاعلان المناطق الشمالية الشرقية منطقة حكم ذاتي رسميا في سوريا على غرار ماهو قائم فى شمال العراق. و في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد تزايدت بوتيرة كبيرة في الأشهر الأخيرة، و اصبحت المواجهه قائمة بين الميليشيات الكردية وقوات المتمردين من فصيلين هما جبه النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة ، و تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. . وفي أعقاب مقتل زعيم كردي بارز في أواخر الشهر الماضي، قامت الميليشيات الكردية القوية باعلان التعبئة العسكرية لطرد المتطرفين الإسلاميين من المنطقة. ويعكس القتال في جزء من الاستجابة المعقدة من جانب الأكراد ازاء نظام الأسد والانتفاضة ضده. فعندما بدأت الثورة، انضم بعض الأكراد للاحتجاجات السلمية ضد حكم الاسد ، و حينما تحولت الثورة إلى التمرد المسلح، فضل العديد من الاكراد البقاء بعيدا ينظرون بعين الشك الى المعارضة السورية التي أصبح يهيمن عليها بصورة متزايدة المتطرفين الاسلاميين الساعين لفرض تفسير متشدد للإسلام. و لا ننسى ان تصاعد التوتر على الجبهة العربية - الكردية الان ، يعكس ايضا تاريخ من الأحقاد الطائفية شديدة الضراوة بين السنة الذين يؤيدوا المقاتلين المتمردين ، والعلويين الموالين للنظام والشيعة من جانب اخر. ويرى بعض المحللون للشان العراقى .. ان بيان " مسعود برزانى " لا يتعدى كونه بداية لتغيير موقفه المؤيد للثورة السورية والتحول الى دعم نظام بشار الأسد ، و اشرة على ان ضغوط القيادة الايرانية وضغوط رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد اتت اؤكلها باقناع رئيس اقليم كردستان العراق لتغيير اتجاهه .. و بالطبع فأن المواجهات الاخيرة وحالة التوتر الأمني في المدن السورية الكردية ضد تحالف تنظيم "القاعدة في العراق وبلاد الشام" و"جبهة ساهم في بلورة تقارب سياسي بين طهران و بغداد من جانب و اربييل من الجانب الاخر , و يعزز فرص التعاون معه لمواجهة خطر "القاعدة" الموجه ضد أربيل وبغداد في وقت واحد. و لكن تظل المخاوف قائمة من ان يكون الاكراد هم السبب فى خروج الحرب السورية الاهلية عن نطاقها القائم الان لتتسع حدودها وتطول دول اخرى ، ستكون العراق هى اولى محطاتها ، خاصة مع موقف بغداد المؤيد لبشار الاسد و موقف المالكى الذى قد يبدو وانه يشجع البرزانى على الدخول فى معمعة الحرب السورية بحجة مقاتلة تنظيم القاعدة و ابعاد خطره عن البلاد. وتشير انباء الى ان المالكي عرض على القيادة الكردية في اربيل, إرسال تعزيزات عسكرية تشمل أسلحة ثقيلة الى معبر فيشخابور الحدودي بين الاقليم وسورية لتأمين المنطقة من تسلل مقاتلي "القاعدة", كما نقل المالكي إلى بارزاني معلومات عن ان نظام الاسد لا يمانع دخول قوات من البشمركة الكردية المدربة إلى أراضي شمال سورية للدفاع عن الأكراد السوريين أمام هجمات "القاعدة", وهذا معناه ان نظام الاسد يريد كسب تدخل المزيد من الاطراف الاقليمية في معركته المفتوحة مع المتمردين. وتبقى الاطماع الكردية و احلامهم بوطن واحد مستقل تحت مسمى" كردستان الكبرى" تجمع بين اكراد العراق و سوريا وايران وتركيا ، هى اكبر خطر قائم الان يهدد باتساع الحرب الاهلية السورية .