كلّ ما نشهده اليوم بين سورية وإسرائيل، وما قد نشهده في المستقبل القريب، سوف يُنظر إليه، حتما، من ضمن منظار نتائج وتداعيات حرب يوليو (تمّوز) على لبنان العام 2006. إسرائيل اليوم في مأزق تجاه عقيدتها الاستراتيجيّة التي يبدو ان الزمن تجاوزها ولم تعد مجدية حيال نوعيّة المخاطر الجديدة التي قد تتعرض لها. ومن المعروف أن مأزق غياب العمق الاستراتيجي، بالاضافة إلى المأزق الديموغرافي، كان ولا يزال يؤرق المسؤولين السياسيين كما العسكريّين في إسرائيل. معضلة اسرائيل الكبرى حصيلة المنطق التالي: إن احتلّت إسرائيل الاراضي العربيّة لتأمين عمق استراتيجي كما حدث عام 1967, فإن أمنها القومي سوف يبقى معرّضا للأخطار. وإن انسحبت من جانب واحد اعتمادا على القانون الدولي مثل قرارات مجلس الامن, فإن هذا الوضع ايضا سوف لا يحلّ معضلتها الأمنيّة، كما تبين في أعقاب الانسحاب من لبنان ومن غزّة. إذن فان الوجود العسكري الاسرائيلي وامتداده الجغرافي في المحيط المباشر، لم يعد كافيا لتأمين الاستقرار في الداخل الاسرائيلي. تداعيات حرب تمّوز 2006: لقد أثبتت حرب تمّوز الأمور التالية: لم تستطع إسرائيل نقل الحرب إلى أرض العدو. لم تعد إسرائيل قادرة على تحقيق حسم سريع مع عدوّ من نوع جديد. لم يعد الداخل الاسرائيلي بمأمن من الصواريخ البالستيّة بعد حرب تمّوز أدركت إسرائيل مأزقها الاستراتيجي كما فتحت هذه الحرب الابواب واسعة امام من يريد من العرب أخذ الدروس العمليّة منها وليس النظريّة فحسب. وفي هذا السياق يندرج خطاب الرئيس السوري بشار الأسد حول الخيار العسكري لتحرير الجولان. والواقع ان سورية تعلمت من حرب تمّوز ثلاثة دروس مهمّة هي: محدوديّة سلاح الجو في الاماكن الآهلة. إمكانيّة إعطاب المدرّعات الاسرائيليّة. وأخيرا وليس آخرا، إمكانية شلّ إسرائيل عبر قصف الداخل. لكن هذه الدروس قد لا تعني انه يمكن نقل تجربة حزب الله كما هي إلى الجولان. فظروف نشأة تجربة الحزب تعود إلى عوامل عدّة غير متوفرة لدى سورية منها: التجربة الطويلة للحزب مع إسرائيل، كما التراكمات المعرفيّة حول العدو، وقتال الحزب غير التقليدي، بعكس ما قد تتبعه سورية في قتالها. والجولان هو غير جنوب لبنان، كما ان سورية، كدولة، في غير وضع حزب الله تجاه الدولة اللبنانيّة. لكن هاجس إسرائيل يبقى في قدرة سورية في مجال الصواريخ البالستيّة، وما قد تحمل في رؤوسها من ذخيرة تقليدية، او غير تقليدية. كذلك الامر، تتميز سورية عن إسرائيل في توفر عمق جغرافي استراتيجي لها، الأمر الذي قد يفرض أعباء كبيرة على سلاح الجو الاسرائيلي في حال اندلاع الحرب، وفي هذا الاطار يمكن وضع عملية خرق سلاح الجو الاسرائيلي ليلة أول من أمس للعمق السوري، بهدف اختبار ردّة الفعل السورية، كما إلى كشف التدابير الدفاعيّة. لكن الاكيد يبقى، ان الفوارق في النوعيّة بين السلاح الاسرائيلي، والسلاح السوري كبيرة جدّا، لذلك يبقى على سورية ان تبتكر طريقة قتال مناسبة، تمكنها من تقليل الفوارق النوعيّة على صعيد كيفيّة استعمال السلاح المتوفر لديها. وكذلك ايضا يبقى على سورية تأمين عدد من الصواريخ البالستيّة كاف للتصدي لأي سلاح إسرائيلي متطوّر مهمته تدمير هذه الصواريخ. فعلى سبيل المثال، يعود تاريخ الكاتيوشا التي استعملها حزب الله إلى الحرب العالمية الثانية، لكنها كانت فعّالة لأن طريقة استعمالها والعقيدة العسكريّة التي اعتمدها الحزب كانا مناسبين لحربه. فهل سيكون الوضع مشابها مع سورية؟ كم تبلغ ترسانة سورية من الصواريخ البالستيّة؟ بغض النظر عن الارقام، من الطبيعي ان تعتمد سورية في نشر صواريخها ثلاث دوائر: قريبة، ومتوسطة، وبعيدة المدى. الكثافة في هذه الحالة ستكون في القريبة، والأقلّ كثافة لكن مع اهميّة استراتيجيّة سوف تكون في العمق السوري من هنا قد يمكن تفسير هدف تحليق الطيران الاسرائيلي داخل العمق السوري. فعلى سبيل المثال، تقول المعلومات ان لدى سورية الصواريخ التالية: حتى عام 1999، كان لديها حوالي 220 صاروخ «سكود ب»، مدى 300 كلم، وحوالي 60 «سكود سي»، مدى حوالي 600 كلم. ويُقال ان سورية عمدت إلى بناء انفاق عبر اراضيها لحماية هذه الصواريخ من القصف. كما تقول المعلومات ايضا ان سورية اصبحت قادرة على تصنيع صواريخ «سكود ب»، كما صواريخ «سكود دي»، التي يبلغ مداها حوالي 700 كلم. مواقع هذه الصواريخ سوف تكون في الدائرتين المتوسطة، والبعيدة. أي ستكون في الوسط السوري كما في العمق البعيد. أما في الدائرة الأقرب إلى خط المواجهة، فإن لدى السوريين الكثير من الصواريخ التي جُرّبت في حرب تمّوز من قبل حزب الله والتي يبلغ مداها بين 150كلم 200 كلم. في الختام، وفي حال اندلاع الحرب ستكون هذه الصواريخ مركز ثقل قوّة السورييّن، كما ستكون محطّ اهتمام الطيران الاسرائيلي. ويبقى السؤال، في نوعية حمولة هذه الصواريخ: هل هي تقليدية، ام غير تقليديّة؟ في الحالة الثانية، يمكن لإسرائيل ان تستعمل السلاح غير التقليدي الذي تملكه. لذلك، تبقى العبرة في التنفيذ، وفي النتيجة النهائيّة.