بعد تصديق الكونجرس الأمريكي علي قرار الرئيس جورج بوش بتعيينه مساعدا لوزيرة الخارجية لشئون الدبلوماسية العامة يتسلم جيمس جلاسمان منصبه الجديد كمسئول عن تحسين صورة الولاياتالمتحدة في العالمين العربي والإسلامي محاطا بأسباب الفشل. ليس فقط للأسباب التي دفعت ثلاثة سبقوه في هذا المنصب منذ انشائه عام2002 الي الاستقالة خلال فترة قياسية(5 سنوات منذ انشاء هذه الوظيفة عقب هجمات11 سبتمبر2001); بل ايضا لأسباب ربما تتعلق بخلفية جلاسمان نفسه. الثلاثة الذين سبقوه وهم تشارلوت بيرس ومارجريت تنوايلر واخيرا كارين هيوز بخلاف السفير ادوارد جير جيان الذي قام بجولة يتيمة في المنطقة استقالوا من مهمتهم لعجزهم عن تحقيق اهدافها, وسجلوا في خطابات اعتذارهم عن الاستمرار في هذه المهمة ان سياسة الإدارة الأمريكية في الشرق الاوسط تجعل النجاح ضربا من ضروب المستحيل. الاستقالات تعتبر دليلا علي ان السياسة لن تتغير و من ثم فإن اسباب الفشل مازالت قائمة ويزيد عليها ان جلاسمان نفسه احد المشاركين في صنعها وفي ترويجها جلاسمان تولي رئاسة تحرير مجلة ذي امريكان التي تصدرها مؤسسة اميركان انتربرايز للدراسات التابعة للمحافظين الجدد ورفيق ريتشارد بيرل وولفويتز ودوجلاس فايث اركان المؤسسة ومهندسي خطة غزو العراق وتستند تقاريرهم لنشر تشجيع الديمقراطية في العالم العربي والاسلامي ونشر القيم الأمريكية الي استخدام القوة كما كان جلاسمان كاتب افتتاحيات واشنطن بوست خلال فترة غزو العراق وروج فيها لمبررات الغزو واكاذيب الادارة بحيازة العراق اسلحة دمار شامل كما عمل خلال هذه الفترة عضوا في مجموعة استشارية فوضها الكونجرس الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون لشئون العلاقات في العالمين العربي والاسلامي. فإذا كانت استطلاعات الرأي العام الأمريكي التي اجرتها كل من صحيفة واشنطن بوست وشبكة إيه بي سي اثبتت ان اغلبية الشعب الأمريكي لا تحب سياسة الإدارة الحالية برئاسة جورج بوش, وتدني شعبيته إلي33% فقط, وان64% من الشعب الأمريكي مستاءون من اسلوب ادارته لبلدهم, وان75% من شعوب العالم تشعر بالغضب من سياسة الولاياتالمتحدة.. فلا مجال للدهشة او للاستغراب من الشعور بالغضب الذي يجتاح العالمين العربي والاسلامي. فإذا كانت الإدارة فشلت في تسويق نفسها في الولاياتالمتحدة ذاتها واقناع اهلها بسياستها فمن الطبيعي ان يفشل كل من تولي المهمة خارج الحدود في تسويق سياستها في منطقة تدفع ثمن هذه السياسة من: استيلاء علي الأرض واحتلال.. وتشريد المواطنين.. وسلب ثروات واستيطان واهانة للمقدسات في فلسطين, والعراق. وعقب هجمات11 سبتمبر2001 الارهابية اثارت الادارة سؤالا: لماذا يكرهوننا ؟ وانشأت لهذا وزارة الخارجية منصب وكيل الوزارة, قبل ان يصبح مساعد الوزير للشئون الدبلوماسية العامة; للوقوف علي اسباب الكراهية المزعومة و تحسين صورتها, وتولت المهمة تشارلوت بيرس واستقالت عام2003 بعد غزو العراق وكلف جيرجيان بمهمة محدودة وانتهت قبل ان تتولي تنوايلر المهمة التي استقالت بدورها منها عام2005 الي ان تولت هيوز هذه المهمة واستقالت ايضا في نوفمبر الماضي. كل من المسئولين الاربعة زار المنطقة وجال في دول عربية واسلامية من باكستان وحتي المغرب والتقطت له صور تذكارية في لاهور وخان الخليلي والدار البيضاء والتقي مع مسئولين وصحفيين, وممثلي المجتمع المدني وعاد الي واشنطن وقدم تقريرا للإدارة حدد فيه الاسباب الحقيقية وبعد فترة قدم استقالته. كل منهم ابلغ الادارة بأن السياسة الامريكية حيال العراق وافغانستان وفلسطين ودعم اسرائيل هي سبب الكراهية, فاكتفت بإصدار صحيفة هاي وبث اذاعة سوا وانشاء قناة الحرة لتحسين صورة امريكا, وفشلت هذه المحاولات لأن سبب الكراهية هو السياسة, وكشفت الصحافة الامريكية عن ان التيار المسيحي الصهيوني في واشنطن افشل مهمة الاربعة وعرقل جهودهم لتحسين الصورة. وفضلا عن السياسة الامريكية اسهم اعضاء في الكونجرس في زيادة الصورة تشويها فاتهم عضو الكونجرس توم دانكن المسلمين بكراهية امريكا وطالب بنسف المقدسات الاسلامية في مكةالمكرمة والمدينة المنورة, واتهم وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد المسلمين بأنهم كسالي, ورفض عضو مجلس النواب عن اوكلاهوما ريكس دوكان نسخة من القرآن كهدية واهانه, ولم لا والرئيس الامريكي جورج بوش نفسه صك في عام2007 مصطلح الفاشية الاسلامية بعدما كان اعلن عام2001 الحرب الصليبية الجديدة.!! ربما تكشف نتائج استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة عن تدني شعبية بوش وعدم الرضا عن سياسته و حاجة الادارة الي بذل جهود لتحسين صورتها داخل الولاياتالمتحدة اولا. وسألنا السفير نبيل فهمي سفير مصر بالولاياتالمتحدة حول ملاحظاته علي هذه المهمة واسباب فشلها.. وما إذا كان يدير حوارا من جانبه مع الادارة في هذا الشأن؟ ويجيب السفير نبيل فهمي قائلا: ان طرح هذا السؤال بهذا الشكل كان إحدي النتائج المهمة لهجمات11 سبتمبر, فقد فوجئ المجتمع الامريكي بحجم الهوة التي تفصل بينه وبين الرأي العام السائد في المنطقة وحجم اختلاف الشعوب العربية والاسلامية مع سياسات أمريكا وتوجهاتها. وقد اطلق ذلك جدلا واسعا في الساحة الامريكية بحثا عن اجابة لهذا السؤال وخضع لتفسيرات عديدة منها ان الكراهية الموجهة ضد امريكا مصدرها غياب او جمود الإصلاح السياسي في المنطقة ومنها ما يرتبط بازدواجية المعايير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية, ومنها ضعف الموقف الامريكي في مواجهة الارهاب إبان الادارات السابقة, وكل ذلك ينم عن جدل صحي من وجهة نظري, فبرغم ان الكثير من التفسيرات التي يتم تداولها في اطار هذا الجدل تبتعد عن جوهر المشكلة وحقائق الواقع السياسي في المنطقة فإنه يعكس رغبة حقيقية للتعرف علي حقيقة الوضع في العالم العربي وربما يتطور في اتجاه يتسم بقدر اكبر من الموضوعية ومراجعة الذات ولذلك فهو امر ايجابي. ويضيف فهمي: ان رد فعل امريكا في التعامل مع هذا الامر انصب علي اعتبار ان المشكلة ترجع الي غياب الدراية الحقيقية لدي شعوب المنطقة بالمجتمع الامريكي استنادا الي صورة مشوهة للولايات المتحدة لا تعكس بشكل صحيح القيم والمبادئ الامريكية, اي ان الموضوع كله يمكن ان يختزل في شكل علاقات عامة, ولا يرتبط في جوهره بالسياسات الامريكية, الامر الذي يفسر تركيز جهود الادارة علي مجال الإعلام واستحداث منصب جديد في الخارجية يتولي مسئولية تحسين صورة الولاياتالمتحدة خارجيا بالتركيز علي العالم العربي. وحول رؤيته لهذا الامر يقول: في رأيي فإن افضل وسيلة للاشتباك مع هذا الجدل في الساحة الأمريكية ليس من خلال الاتصالات الرسمية وإنما من خلال مشاركة اصوات وآراء مجتمعية قادرة علي توصيل ملامح مختلفة عن حقيقة المجتمع المصري والمجتمعات العربية والاسلامية وما تذخر به من حضارة وثقافة وتنوع بما يدحض الصورة النمطية التي تتشكل احيانا في الاعلام ودوائر الرأي عن واقع هذه المجتمعات. ولذلك بدأت السفارة المصرية منذ فترة طويلة عقب11 سبتمبر مباشرة برنامجا طويل المدي لترتيب زيارات لشخصيات مصرية مرموقة الي الولاياتالمتحدة لتحقيق هذا الهدف.