الاهرام 14/1/08 .. حتي لا تكون الذاكرة العربية كالجبنة السويسرية مملؤة بالثقوب ويتندر عليها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في جلساته الخاصة, علينا أن نتذكر أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يرمي إلي اعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط جغرافيا وديموغرافيا لا هدف له سوي تمكين اسرائيل. بهذا تحدث شيمون بيريز الرئيس الحالي للدولة العبرية في كتابه المعروف الشرق الأوسط الجديد.. وعلي هدي من ذلك سارت السياسة الأمريكية في زمن الرئيس جورج دبليو بوش الذي كانت أول كلمة نطق بها فور هبوط طائرته في اسرائيل هي أن التحالف الأمريكي الاسرائيلي يضمن أمن اسرائيل كدولة يهودية. ولم يغب عن بال رئيس أكبر دولة في العالم أنه بهذا التحالف انما يضرب مسمارا كبيرا في نعش ما يسمي بمؤتمر أنابوليس الذي يريد أن يجعله نقطة مضيئة في حياته السياسية, لكن هيهات! فالمؤتمر كما لاحظ القاصي والداني كان مجرد مكلمة, وحديث عن بنود لا أساس لها في أرض الواقع, ولقد ذهب إليه الطرفان دون( حد أدني) من اتفاق حول القضايا الأساسية لنزاع طال واستطال لأكثر من نصف قرن.. .. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تجلس فتح والرئيس عباس مع أولمرت والوفد الاسرائيلي في أنابوليس بينما في نفس التوقيت كانت الآلة العسكرية الاسرائيلية تعربد في غزة والضفة الغربية, وكأن أنابوليس جاء ليقرر أن هناك فسطاطين, الأول دار الحرب وتمثلها حماس وأغلبية الشعب الفلسطيني, والثاني دار سلام ويمثلها الرئيس عباس ورفاقه.. الأخطر أن أنابوليس انطلق من أرضية لم تعترف بها اسرائيل ولا الولاياتالمتحدة( راعية المؤتمر) وهي ضرورة إزالة المستوطنات, وعدم التعامل مع إسرائيل علي أنها دولة يهودية..! العجيب والغريب أن قادة اسرائيل لم يلتفتوا لهذين الأمرين ومارست اسرائيل هوايتها في بناء المستوطنات الجديدة, وعندما زارها الرئيس الأمريكي لم يقف إلا هنيهة أمام هذه النقطة وانطلق يقر المبدأ الآخر وهو يهودية دولة اسرائيل. فكأننا, بهذا المعني, لم نحصد عربيا من أنابوليس سوي الحنظل.. أما اسرائيل فلقد ربحت كل شيء: التأييد والتحالف.. ولم لا ألم يعتبر الرئيس جورج دبليو بوش أن أمن اسرائيل هو جزء من أمن الولاياتالمتحدة. وأصبح أنابوليس والحالة هذه مجرد محطة جديدة في سلسلة المرجعيات مثل مدريد, وأوسلو, وكامب ديفيد, وواي بلانتيشن.. وكلها تتحدث عن سلام مشلول وتعد بقيام دولة موصولة الأجزاء, وقابلة للحياة.. وهو ما لم يحدث ولن يحدث.. ومن هنا يجب أن نفهم أن الوعد الذي قطعه الرئيس جورج دبليو بوش علي نفسه مبشرا إيانا بتوقيع اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين قبيل مغادرته مقعده في البيت الأبيض, سوف يلحق بالوعد الكاذب الآخر الذي كان قطعه علي نفسه عندما تحدث عن أن عام2005 سيشهد تحقيق رؤيته للسلام في المنطقة القائمة علي دولتين.. بكلمة أخري إن سلام جورج دبليو بوش بات أشبه بالعنقاء التي نسمع عنها ولا نراها.. ولقد جاءت زيارته الحالية لمنطقة الشرق الأوسط لتؤكد مجددا أن السلام الذي يدغدغ مشاعرنا بالحديث عنه لن يتحقق لأن مباحثاته مع القادة في اسرائيل لم تتطرق الي قضايا الوضع النهائي, ولم تركز إلا علي حق اسرائيل في أن تعيش في أمان.. وكأن أمن اسرائيل ليس جزءا من أمن المنطقة ككل. أما الأكثر خطورة, في هذا السياق, أن الرئيس الأمريكي تحدث عن قوانين الشرعية الدولية باعتبارها جزءا من الماضي, وهو لم يلق الكلام علي عواهنه كما قد يظن البعض من حسني النية وانما يريد أن يقطع الطريق علي المتحدثين عن حق عودة اللاجئين الذي نص عليه القرار الدولي الذي يحمل اسم194 وكان ضمن ثلاثة شروط وضعتها الأممالمتحدة للاعتراف باسرائيل وقبول عضويتها في المنظمة الدولية. .. الثابت أننا أمام زيارة لا تستهدف سوي تدشين الحقبة الاسرائيلية التي تنطلق من اعتبار اسرائيل الدولة الأقوي, فبعد احتلال العراق وتمزيق اوصاله لم يعد هناك من خطر سوي ما يتردد حول قوة ايران النووية.. وهوملف أعلن البيت الأبيض أنه يتصدر مباحثات الرئيس الامريكي مع قادة الدول التي يزورها.. وكان طبيعيا أن يتوقف في اسرائيل كأول محطة حتي يحاط علما بما تريده الدولة العبرية لينقله الي الدول الخليجية التي سيتوقف فيها.. وليس غائبا عن عقولنا أن استعداء دول المنطقة بما فيها مصر والسعودية( ضد إيران) هو هدف كبير تسعي اليه تل أبيب وواشنطن بتنسيق وتدبير مسبق.. فالمهم هو أن يزول الخطر الايراني, لتجد اسرائيل نفسها في المنطقة( السيد المطلق). وعندئذ تنحني الجباه طواعية لها, ولم لا, وهي والحالة هذه ستكون صاحبة القوة والنفوذ.. فالوثائق الامريكية ذاتها تكشف عن أن اسرائيل تمكنت من انتاج وتخزين عدد( لا بأس له) من الأسلحة النووية منذ عام1974.. وهل ننسي أن اولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية قد اعترف بأعلي صوت أن بلاده تملك عددا ضخما من القنابل النووية.. .. إذن نحن امام مخطط أمريكي لتمكين إسرائيل من رقاب الدول العربية جميعا.. والمؤكد أن الانفراجة التي حدثت علي استحياء بين مصر والسعودية ودول الخليج من ناحية وايران من ناحية أخري قد اصطكت لها اسنان اسرائيل, لذلك تبادر اليوم عبر المخلب الأمريكي بتعكير الأجواء ليظل شبح التوتر( والتصعيد العسكري) مخيما علي سماء المنطقة وضمن هذه الرؤية تندرج المزاعم الأمريكية حول تحرش زوارق ايرانية بالبوارج الأمريكية القابعة في مضيق هرمز بهدف جعل المنطقة في حالة( ترقب) للمجهول الأسوأ الذي يمكن أن يحدث.. والثابت( عملا) أن الرئيس جورج دبليوبوش سوف يحمل ملفات اعدتها أو فبركتها لا فرق المخابرات الاسرائيلية ليعرضها علي قادة الدول التي سيزورها وتتضمن معلومات تنذر بكثير من الشرور حول ما تدعيه اسرائيل من خطر ايراني داهم علي المنطقة.. والرهان الاسرائيلي هو أن ادعاءاتها بشأن ايران سوف تلقي المصداقية لمجرد أنها ستأتي علي لسان الرئيس الأمريكي الذي يراهن بدوره علي دول محور الاعتدال, التي تربطه بها علاقات طيبة, وودودة.. والحق أن ما غاب عن العقل الاسرائيلي المدبر لكل هذه التحركات أن دول المنطقة وعلي رأسها مصر, لن تربط أمنها القومي وفق الاجندة الأمريكية أو الاسرائيلية, ولن تغمط ايران حقها كدولة اقليمية واسلامية تشترك معها في كثير من الرؤي.. وتربطها بها علاقات ومصالح مرشحة للتعميق والتوسيع .. كما لن تنسي دول المنطقة أن الخطر القادم من اسرائيل( النووية) اكبر من الخطر المتوقع من إيران التي أكدت تقارير المخابرات الأمريكية أنها تخلت عن برنامجها النووي العسكري منذ عام2003 .. والأهم من كل ذلك أن العقل السياسي العربي سيكون( نقديا) في جرأة وجسارة مع الطروحات التي سيقدمها الرئيس الأمريكي في هذه الزيارة التي وإن أقامت لها اسرائيل الأفراح والأهازيج باعتبارها زيارة تخدم المخططات الاسرائيلية( التوسعية) إلا أنها ليست كذلك بالنسبة للعرب.. فالتجربة أثبتت أن امريكا لا تأتي من وراء تحركاتها سوي الأتربة التي تملأ العيون بالقذي ناهيك عن أن مصر تدرك جيدا أن واشنطن لاتنظر في هذا الهزيع الأخير من حكم الرئيس جورج دبليوبوش الا بعيون اسرائيلية, وتكاد تكون سياستها الخارجية فيما يتعلق بالشرق الأوسط, انعكاسا للسياسة الاسرائيلية, وما تعليق مبلغ ال100 مليون دولار في المساعدات الأمريكية لمصر سوي أكبر دليل علي ذلك.. يبقي أن تؤكد أن زيارة بوش للمنطقة لا تعنينا بقدر ماتعني اطلاق شرارة البدء في تدشين الحقبة الاسرائيلية في المنطقة. وهو أمر لو تعلمون خطير علي مستقبل الشعوب العربية التي ستجد نفسها والحالة هذه عبيدا في إمبراطورية إسرائيل والصهيونية العالمية.. المزيد فى أقلام وآراء