كان "شيمون بيريز" رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق قد طرح فكرة الشرق الأوسط الجديد في أحاديثه للمرة الأولي عام 1994 مؤكدا علي ضرورة قيام كيان إقليمي جديد تكون إسرائيل جزءا أساسيا وفاعلا فيه، بديلا عن الجامعة العربية التي أسماها "جامعة الكراهية". وبلور هذه الفكرة في كتابه "الشرق الأوسط الكبير" عام ،1995 عندها أدرك كثيرون الهدف الأصلي من المبادرة التي سرعان ما تلقفتها الأوساط الأمريكية دعاية وترويجا وأدرجته أمريكا علي جدول أعمال الدول الثماني الصناعية الكبري، لتناقشه في "سي آيلاند" بالولاياتالمتحدة يوليو 2004 وتبين لكل منصف أن الهدف من هذا المشروع هو إعادة رسم خريطة المنطقة علي نحو يتيح دمج إسرائيل في كيان لم تستطع حتي الآن تثبيت وجودها فيه أو علي حد التعبير الذي نقله الدكتور أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عن المحلل الفلسطيني وجيه كوثراني، ادخال إسرائيل في "منطقة ينزع عنها مواصفات الجغرافيا التاريخية وسمات التاريخ الحضاري والثقافي، ويشدد فيها علي الجغرافيا الاقتصادية المعاصرة في نظام السوق العالمية، ليوجد فيها نواة سوق شرق أوسطية تتوسع بالتدريج انطلاقا من إسرائيل كنواة ودورها كقوة جاذبة ومهيمنة اقتصاديا وتكنولوجيا وأمنيا ومدنيا ويقول الدكتور ثابت إن كتاب بيريز وكتاب "بنيامين نتنياهو" "مكان تحت الشمس" أبرز إسرائيل كدولة متقدمة مصنعة وسط محيط من التخلف العربي، ودولة ديمقراطية بين نظم دكتاتورية، وكقوة عسكرية رادعة تمكنت من جلب العرب إلي طاولة المفاوضات بعد اقتناعهم بأنه لا مجال لهزيمة إسرائيل عسكريا! هذان الكتابان اللذان نشرا عامي 1995 و1996 هما حصيلة فعليه لما طرحته تل أبيب من قائمة مقترحات قدمتها في الاجتماع الأول لما عرف بالمفاوضات متعددة الاطراف في موسكو في يناير ،1992 ثم في المؤتمرات الاقتصادية لما عرف بالشرق الأوسط وشمال افريقيا في الدارالبيضاء عام 1994 وعمان عام 1995 والقاهرة عام 1996 والدوحة عام 1997". تكريس الوجود الإسرائيلي واستمرت محاولات تكريس الوجود الاقتصادي الاسرائيلي في المنطقة التي تكللت بالنجاح في فتح مكاتب تمثيل تجارية في عدد من البلدان العربية التي لم تعقد حتي الآن اتفاقات سلام مع إسرائيل، والتراجع الفعلي عن قرارات المقاطعة العربية للشركات التي تتعامل معها، وصولا إلي اتفاقيتي الكويز اللتين عقدتا مع كل من الأردن ومصر وواكب هذه الجهود تصاعد موجة ارهاب كل من تجرأ وعارض أو هاجم الصهيونية واتهامه بالتهمة التي باتت تفوق تهمة الكفر البواح، وهي تهمة "معادة السامية" التي طالت حتي يهودا يعارضون السياسات الاسرائيلية وبات انكارا المحرقة النازية أو التشكيك في عدد قتلاها تهمة لا تغتفر في الأوساط الغربية يتضاءل أمامها انكار وجود الله، أو التهجم علي أنبيائه، أو السخرية من المسيح في مجتمعات يدين أغلب أفرادها بالمسيحية وجاءت أحداث سبتمبر 2001 لتشكل ذريعة استخدمتها الولاياتالمتحدة لتبرير مخططاتها المسبقة، والتعجيل بها بدعوي محاربة الارهاب وأكد الرئيس جورج بوش "الابن" اصرار بلاده علي خوض هذه الحرب مهددا من لم يقف مع الولاياتالمتحدة بأنها ستعتبره "ضدها"، في تهديد واضح استجابت له دول كثيرة للأسف واستخدمت الولاياتالمتحدة في حشد ولاءات ومساعدات الدول النامية والعربية منها بالذات الورقة التي تحتفظ بها عادة لاستخدامها للضغط في مثل هذه الأوقات وهي ورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات. وقد رأينا في أكثر من مناسبة كيف تلوح وشنطن بهذه الورقة في وجه الحكومات التي تبدي أقل "تململ" ولا أقول تذمرا من الاملاءات الأمريكية فيتصاعد الحديث عن حقوق الأقليات المهدرة واضطهاد المرأة، وغياب الديمقراطية والفساد وعرقلة منظمات المجتمع المدني.. الخ وكل هذه ملفات تحت يد الإدارة الأمريكية حافلة بالبيانات الحقيقية غالبا والتي تستخدمها عند اللازوم، وتستخدم معها التهديد بتخفيض المعونات أو الانفاق بسخاء علي تمويل منظمات مدنية عارضة وما أن يبتلع المتململ تململه، ويذعن طائعا لهذه الاملاءات حتي تختفي فجأة الحملات الدعائية في الاعلام الأمريكي (الحر) ضد استبداد وفساد النظام المعني، وتصبح كما لم تكن وتعود المياه إلي مجاريها، ولا بأس من اشادة مسئولين أمريكيين بقيادات البلد المذكور، والحديث عن التدرج في الاصلاح الديمقراطي ورضا البيت الأبيض عما تحقق من اصلاحات في المسيرة الديمقراطية حتي الآن وإن كان بانتظار المزيد وما إلي ذلك من حديث المداعبة اللطيف بين واشنطن وحلفائها.