تحرير و ترجمة : خالد مجد الدين محمد اطلق لي كى يانج رئيس الوزراء الصينى الجديد ، في كلمة له أمام كوادر الحزب الشيوعى الصينى، أجرأ تصريحات مؤيدة لاقتصاد السوق تخرج من مسئول صينى في أكثر من عقد من الزمان. "يانج " قال ان الحكومة الصينية تخطط الان لكى تلعب شركات القطاع الخاص وقوى السوق دورا أكبر في اقتصاد البلاد، وهو ما يعد تحولا كبيرا في السياسة العامة الصينية بهدف تحسين الظروف المعيشية للطبقة المتوسطة، وجعل الصين منافس أقوى على الساحة العالمية. و قال "يانج " انه بالفعل اتخذت الحكومة المركزية هذا الشهر اجراءات من شأنها أن تقلل من دور الدولة في المسائل الاقتصادية على امل إطلاق العنان للطاقات الإبداعية للأمة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولاياتالمتحدة. وقد أصدرت الحكومة الصينية يوم الجمعة الماضى، مجموعة من المقترحات السياسية التي تظهر جدية " يانج" في الحد من التدخل الحكومي في السوق وإعطاء المنافسة بين شركات القطاع الخاص دورا أكبر في قرارات الاستثمار وتحديد الأسعار. ويرى المحللون ان تصريحات يانج و غيره من الزعماء الصينين تعد علامات قوية حتى الآن وأن واضعي السياسات جادين في تجديد نموذج النمو في البلاد.. ويقول ستيفن جرين، الخبير الاقتصادي في بنك ستاندرد تشارترد البريطاني والخبير في الاقتصاد الصيني " ان هذا تغيير جذرى ، و لطالما تحدث الناس عن هذا لفترة طويلة، ولكن الآن هناك جدول أعمال للإصلاح الاقتصادى ، وقادة الصين يتعرضون لضغوط أكبر للتغيير مع تباطؤ النمو والقيود التي تقودها الدولة ، و اصبح الاقتصاد الذي يحركه الاستثمار أكثر وضوحا الان" . و يقول هوانج يى بينج، الخبير باسواق اسيا الناشئة في بنك باركليز البريطاني ، ان خفض توقعات النمو فى الصين ، و زيادة المخاطر المرتبطة بمستويات عالية من ديون الشركات والحكومة التي تراكمت على مدى السنوات الخمس الماضية ، يدفع بكين لتغيير سياساتها الاقتصادية ، مشيرا الى ان هناك عدد لا بأس به من الرسائل القادمة من هؤلاء القادة الجدد الذين يدركون انه اذا تاخر الاصلاح فإن الاقتصاد الصينى سيكون في ورطة عميقة. وتشمل المقترحات الحكومية الصينية الجديدة ، زيادة الضريبة على الموارد الطبيعية، واتخاذ خطوات تدريجية لتسمح لقوى السوق بتحديد أسعار الفائدة المصرفية، ووضع سياسات لتعزيز دخول رأس المال الخاص في التمويل، والطاقة، والسكك الحديدية والاتصالات ومجالات أخرى، ووفقا لتوجيه نشر على موقع الحكومة على الانترنت ، سيتم منح المستثمرين الأجانب المزيد من الفرص للاستثمار في التمويل، والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية وغيرها من القطاعات التى ظلت لسنوات طويلة مغلقة ، و كثيرا ما شكت الحكومات الغربية والبنوك والشركات من أن الحكومة الصينية تعيق الاستثمار الأجنبي في صناعات مثل الخدمات المصرفية وغيرها، على الرغم من وعودها المتكررة بفتح الطريق امام هذه الاستثمارات. كما وعد قادة الصين أيضا بتخفيف الرقابة على الصرف الأجنبي، واحداث تغييرات تقلل تشوهات الأسعار في الاقتصاد والسماح للسوق بتحديد قيمة العملة الصينية. ان بكين يبدو أنها ستمضي قدما فى هذا الطريق ، حيث لا يوجد امامها الان بدائل كثيرة ، مع تباطأ الاقتصاد هذا العام بسبب انخفاض الصادرات إلى أوروبا والولاياتالمتحدة وتباطؤ نمو الاستثمارات .. فضلا عن ان ارتفاع تكاليف العمالة واجراءات تعزيز العملة اضعفوا القدرة التنافسية للمصنعين . ومع اقتناع قادة الصين الجدد باهمية التحرك نحو اقتصاد السوق ، نجد ان هناك عوامل اخرى تجعل الصين مضطرة لاتخاذ هذا الطريق ، فهناك تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية والمحركة للنمو الاقتصادي. فقد بدا السكان يشيخون بسرعة، وهناك انخفاض فى عدد الشباب الذين يدخلون قوة العمل، وهى تحولات تجبر الصين لرفع مستوى العمليات الصناعية والتنافس باستخدام شيء اخر عدا السلع الرخيصة والعمالة منخفضة التكلفة. ويقول نيكولاس لاردي، وهو زميل بارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي و خبير بالاقتصاد الصيني " ان الرقابة الحكومية على أسعار الفائدة، وأسعار الصرف، وأسعار الطاقة أدى إلى سوء توزيع رؤوس الأموال و تحقيق نمو غير متوازن .. لذا فانه من شأن هذه الإصلاحات رفع دخل الأسرة وتقليل الادخار، وتوفير دفعة لزيادة الاستهلاك ". ويضيف لاردي ان نجاح قادة الصين فى اصلاح الاقتصاد يرتبط بقدرتهم على درء جماعات المصالح القوية، فضلا عن المسؤولين الفاسدين الذين اعتادوا على استخدام سلطتهم السياسية لإثراء أنفسهم وأسرهم من خلال الرشاوى والعمولات السرية مع الشركات. يذكر ان الإدارة السابقة برئاسة الرئيس هو جين تاو ورئيس الوزراء ون جيا باو، كانت قد وعدت أيضا بتعميق الاصلاحات الاقتصادية وتعزيز دور القطاع الخاص ، لكن وفقا لاراء المحللون كانت القيادة الصينية حينذاك تفتقر للنفوذ السياسي اللازم لتحقيق النجاح، لكن يبدو أن القادة الجدد، الذين تولوا مناصبهم في مارس الماضى ، أكثر تصميما على تغيير المسار ، حيث اكد رئيس الوزراء الصينى في خطابه هذا الشهر " اذا اعتمدنا على التوجيه الحكومى المفرط و على نفوذ السياسة لتحفيز النمو، فانه سيكون من الصعب أن نستمر ويمكن أن ينتج هذا مشاكل ومخاطر جديدة ".