يحتل الاقتصاد جانبا هاما ورئيسيا فى السياسة الصينية ، حيث يعتمد الحزب الحاكم على خفض الفقر ورفع مستوي المعيشة في مواجهته للمنغصات السياسية ، على غرار ، عيش حرية ، عدالة اجتماعية وبالفعل خرج مايقرب من 400مليون شخص من دائرة الفقر فى الصين بفضل تحقيق معدلات نمو قوية خلال العقدين الماضيين ولكن هذه الأيام مع قرب تولى قيادة جديدة لمقاليد الحكم فى البلاد تتعالى صيحات التحذير من التحديات الاقتصادية الراهنة التى يمكن ان تهدد شرعية الحزب الشيوعى الحاكم ، وهى تحديات ، توقعت الفايننشال تايمز ، ان يسفر النجاح في تخطيطها اذا حدث ذلك عن عصر جديد من التحول الاجتماعى الجذرى فى الصين فما هى تلك التحديات ، وماهى فرص القيادة الجديدة فى الحفاظ على السلطة ؟ التقرير الخاص الذى نشرته الفايننشال تايمز عن الصين مؤخرا يقول عندما تحدث الرئيس الصينى المرتقب للسنوات العشر القادمة الى الجماهير لأول مرة فى منتصف الشهر الماضى ، فوجىء الجميع بلون جديد من الخطاب السياسى الخالى من الشعارات السياسية الخاوية التى اشتهر بها الرئيس الحالى المنتهىة ولايته بعد شهرين ، هو جينتاو ، وفى خطاب موجز انتقد فيه الحزب الشيوعى الذى يرأسه لعدم بذله الجهود الكافية لرعاية مصالح الشعب لم يذكر شى جين بينج الاشتراكية سوى مرة واحدة فقط عندما تعهد بالاستمرار فى طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ، مؤكدا علي سياسة الإصلاح والانفتاح . شى جين بينج الذى تم اختياره رئيسا للحزب الشيوعى الحاكم وسيصبح في مارس المقبل رئيسا لثاني اكبر اقتصاد فى العالم خلفا لهيوجيناو تعهد بالحفاظ على الاصلاحات المتعلقة بالسوق وتعزيز سلطة القانون وفي خطوة غير مسبوقة ، اعلنت مؤسسة الرئاسة عن بعض التعديلات فى بروتوكولات زيارات الرئيس مثل إلغاء حفلات الاستقبال وخطب الترحيب خلال سفرياته الداخلية ، وحسب تعليماته ، لن يتم عرقلة المرور بسبب موكبه ، كما أنه فتح مدونات صغيرة لاستقبال المواطنين على الانترنت ويبدو أن هذه الإجراءات تتماشى مع سياسته الاقتصادية التى أعلن عن ملامحها قائلا ان البلاد ستواصل سياستها المالية الاستباقية وسياستها المالية الحذرة ، وان كان هذا الاتجاه يتناقض فى رأى البعض لرد فعل الحزب على الأزمة المالية عام 2008 عندما قامت الحكومة بضخ استثمارات ضخمة لتحفيز الاقتصاد وتوسعت بنوكها في منح القروض مما ساعد على ظهور فقاعات مادية ، وخلال هذا العام تمت الموافقة ايضا على العديد من مشروعات البنية التحتية ، اما فيما يتعلق بالسياسة النقدية ، فقد خفض البنك المركزى اسعار الفائدة خلال النصف الأول من العام ، لكنه اكتفى بذلك وهو مايعد غير كاف . ولكن الرئيس الصينى المرتقب اعترف بوجود مشاكل داخل الحزب ، الذى يحكم البلاد منذ عام 1949 وبالتحديات التى تواجهه ايضا ، مؤكدا على ضرورة حل القضايا الملحة داخل الحزب لاسيما رفع مستوى أدائه وتعزيز علاقته بالجماهير والفوز بقتهم . ومقارنة بخطابات سياسية سابقة ، كان شى جين بينج صريحا للغاية في مواجهة الجماهير بالمشاكل وفي محاولة صارخة للتميز عن سلفه ، قال ايضا ينبغى على الحزب مكافحة البيروقراطية والتخلى عن الشكليات وكذلك مكافحة الرشوة والفساد داخل الحزب والحكومة ، بالاضافة الى تحسين الخدمات الاجتماعية وحماية البيئة هذه الطموحات ، يتفق معظم الاكاديميين والمسئولين الحكوميين ، على عدم توافر امكانية تحقيقها لعدة أسباب ، أبرزها ، عدم قيام إدارة هيوجينتاو بالاصلاحات السياسية والاقتصادية التى كان من شأنها وضع البلاد علي الطريق الصحيح المستدام . وبالرغم من تحول الصين من سادس الى ثانى اكبر اقتصاد فى العالم ، إلا أن خبراء مركز هرتدج فاونديشن فى واشنطن يرون ان فترة هيوجنتاو وإدارته كانت فترة الفرص الضائعة ، بل فترة فشل ، وانهم لايستحقون الفضل كله فى تحول الصين الى قوة عالمية وان هذا كان سيحدث في جميع الأحوال وأنه فى عام 2002 عندما تولى هيو وزملاؤه زمام الأمور في البلاد كان معدل نمو الاقتصاد الصينى عند 8 % ، وفجوة الدخول كانت عند مستوى معقول نسبيا ، وكان هناك توازن جيد بين الاستثمار والاستهلاك والنظام المصرفى قد تم إصلاحه بعد ترنحه من هاوية الإفلاس قبل خمس سنوات سابقة أما اليوم فمعدل النمو المتوقع هذا العام 7.5 % فقط وهو مايعد الأبطأ منذ عام 1999 ، وحصة الاستثمار فى الناتج المحلى الإجمالى تزيد كثيرا عن نصيب الاستهلاك ، ومع تباطؤ الاقتصاد ومخاوف بشأن تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لاستمرار النمو تتسع الفجوة بين طبقات الشعب حيث لم يتم توزيع مكاسب النمو بشكل عادل ، وبسبب الاستخدام الكثيف للمياه والفحم والموارد الطبيعية الأخرى وتجاهل صارخ لقوانين البيئة وعدم احترامها اصبحت الصين اكثر دول العالم تلوثا للبيئة . هذا بالاضافة الى جمود الحياة السياسية والافتقار للحريات . مما دعا فى النهاية خبراء للتحذير من ان خلال العشر سنوات القادمة ، ستكون اكبر مشكلة أمام الحكومة التهديد بفقدان الحزب الحاكم لشرعيته او ربما السلطة فى دورة التغيير المقبلة في عام 2012 . وهكذا يحذر اقتصاديون من قرب انتهاء صلاحية النموذج الذى استمرت عليه الصين طوال ثلاثين عاما للنمو الاقتصادى الذى يعتمد على التصدير والاستثمار لاسيما فى ظل المشاكل الحالية التي تواجه قطاع الصناعة ، مثل الطاقة الفائضة فى صناعات منها الصلب والاسمنت والسيارات، وكذلك تراكم المخزون حيث فشلت كثير من الشركات خلال النصف الاول من العام الحالي في الحفاظ علي مستوى مبيعاتها في الخارج مما دفعها الي خفض الانتاج. حتي ان معرض كانتون الذي يعد اكبر معرض تجاري في الصين قد شهد تراجعا حادا في طلبيات التصدير وصل الي 17.5% عن العام الماضي. وحسب بيانات رسمية انخفضت الصادرات الصينية الي الاتحاد الاوروبي بنسبة 18% خلال العام الماضي في ظل فشل اوروبا في حل ازمتها مما بات يلقي بظلاله علي مستقبل الصين فلا يوجد مكان في العالم يمكن ان يعتبر معدل نمو 7% سنويا انهيارا في السوق إلا في الصين فبالنسبة للصينيين ولشركات صناعة السيارات التي سجلت نموا 6.9% خلال اثني عشر شهرا حتي اكتوبر الماضي معدلات النمو التي قد يحتفل بها الاخرون تثير الاحباط في الصين. يتحدث الخبراء والاقتصاديون عن الحاجة الي التركيز في المرحلة المقبلة علي اجراء اصلاحات جوهرية لاستمرار النمو وذلك من خلال تطوير قطاع الخدمات الاجتماعية وزيادة الاستثمار في مجالات سلامة الغذاء، العلوم، التعليم، الرعاية الصحية وحل مشاكل الاسكان. يذكر انه في السنوات الاخيرة قد تجاوزت ميزانية الامن الداخلي والتي تتضمن بنود الانفاق علي الشرطة والشرطة السرية والقوات شبه العسكرية الميزانية العسكرية الرسمية مما يعني ان الصين تنفق علي قمع التهديدات الداخلية اكثر مما تنفقه علي الحماية من الاعداء الخارجين. ويتساءل استاذ في جامعة تشينخوا عما اذا كان سيستطيع الحزب الشيوعي تطبيق الديمقراطية من داخلها، ثم هل سيتم التخلص منه بواسطة قوي خارجية؟ ويقول ان هذا هو ربما أهم تحد الآن. يعتقد بعض المحلليين بل بعض المسئولين الحكوميين ان شي جن بينج لديه الرغبة وربما القدرة علي اجراء الاصلاحات السياسية الشاملة في السنوات القادمة ولكن حتي الان لا يوجد دليل مادي يدعم هذا الرأى. وخلال خطابه الاول تحدث عن رفع مستوى المعيشة وتحسين مستوى الخدمات لكنه لم يتطرق الي قضية الحريات والسماح للمواطنين باختيارمن يحكمهم او كيف ، كما انه لم يتحدث من قريب او بعيد عن سياسته الخارجية وذلك من وقت تبدو فيه الصين اكثر حزما وتهديدا لكثير من جيرانها . فايننشال تايمز