استشهاد 39 فلسطينيًا بقصف إسرائيلي على غزة منذ فجر اليوم    سر الاحتفال العسكري لفرانك كيسي بعد فوز الأهلي بكأس السوبر السعودي    التعادل يحسم مباراة أسوان وبلدية المحلة في دوري المحترفين    رياح قوية وراية حمراء.. محافظ الإسكندرية يكشف تفاصيل غرق 6 طلاب بشاطئ أبو تلات    "تاتو وضهر مكشوف".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل هدى الإتربي    هل يجوز قراءة القرآن أثناء النوم على السرير؟.. أمين الفتوى يجيب    عشائر غزة: الصمت الدولي شراكة في جريمة الإبادة الجماعية    الأجهزة الأمنية تكشف حقيقة مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل بكفر الشيخ    محافظ الجيزة يتابع الأعمال الجارية لتوصيل كابلات الجهد العالي لدعم محطة مياه جزيرة الدهب    قائمة ريال مدريد لمواجهة أوفييدو في الدوري الإسباني    الزمالك يتلقى خطابا رسميا من الاتحاد المصري من أجل 5 لاعبين    بعد انخفاضه.. ماذا حدث لسعر الذهب بحلول التعاملات المسائية السبت؟    جامعة حلوان الأهلية تطلق برنامج «هندسة الشبكات والأمن السيبراني»    وزير العمل يمنح مكافأة مالية لعامل المزلقان" الذي أنقذ شابا ببني سويف    رئيس حزب حقوق الإنسان والمواطنة: نصف الشعب من الشباب وهو ما يفرض مسؤولية كبيرة على الأحزاب    "فستان محتشم وغطاء رأس".. أحدث ظهور ل بسمة بوسيل في مصر القديمة    «بحوث الصحراء» يقدم الدعم الفني والإرشادي لمزارعي سيناء| صور    هل يجوز الطلاق على الورق والزواج عرفي للحصول على المعاش؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف تدرب قلبك على الرضا بما قسمه الله لك؟.. يسري جبر يجيب    أوقاف الدقهلية تبدأ اختبارات أفضل الأصوات في تلاوة القرآن الكريم    أمين عام المصري الديمقراطي يلتقي رئيس الوطنية للإعلام    الجالية المصرية بهولندا: المصريون في الخارج داعمون للقيادة السياسية واستقرار الوطن    أحمد سامي يتظلم على قرار إيقافه وينفي ما جاء بتقرير حكم مباراة الإسماعيلي    فحص 578 مواطنا ضمن قوافل طبية مجانية بالبحيرة    زلزال بقوة 6 درجات يضرب المحيط الهادئ قبالة سواحل السلفادور وجواتيمالا    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    صلاح عبد العاطي: إسرائيل تماطل في المفاوضات ومصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار    اليونيفل: الوضع الأمني لجنوب لبنان هش ونرصد خروقات يومية لاتفاق 1701    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    إسماعيل يوسف مديرا لشؤون الكرة في الاتحاد الليبي    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    "عبد الغفار" يتابع استعدادات "المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية -3"    وزارة الصحة تقدم 314 ألف خدمة طبية مجانية عبر 143 قافلة بجميع المحافظات    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    جوندوجان وثنائي مانشستر سيتي يقتربون من الرحيل    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    استشهاد 9 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة من قطاع غزة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    محافظ الجيزة يشدد علي التعامل الفوري مع أي متغيرات مكانية يتم رصدها واتخاذ الإجراءات القانونية    حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين والتعديات على الطريق بمدينة أبوتيج بأسيوط    مصرع وإصابة أربعة أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهداف سويف: ثورة
نشر في أخبار مصر يوم 01 - 05 - 2013

ولما علم السيد المسيح بمرض أليعازر، ترك ما كان فيه فى شرق نهر الأردن، وعبره إلى أريحا، وظل مسافرا على طريق القدس إلى بلدة بيت عنيا (والتى يقال لها الآن العيزرية أى بيت أليعازر). وكان أليعازر وأختاه مريم ومرتا من المؤمنين، وكانوا مقربين من السيد المسيح، فكان ينزل فى ضيافتهم حين يكون فى المنطقة، فبيت عنيا لا يفصل بينها وبين أورشليم القدس سوى ثلاثة كيلومترات فقط.
هكذا تبدأ قصة الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح، عيسى عليه السلام، على الأرض، ويبدأ تصاعدها الدرامى بأن يرتحل المسيح ويأتى إلى بيت عنيا، بالقرب من القدس، لأنه عرف أن صديقه مريض هذا بالرغم من أن الكل يعرف أنه فى خطر هنا، فالقدس هى مركز السلطة، والسلطة باتت تشعر بأن رسالته تهددها.
والسلطة فى فلسطين مركبة؛ فهناك السلطة المحلية الحاكمة للبلاد، وهناك السلطة العالمية المهيمنة. الحكومة هى مجالس محلية من الكهنة من أهل البلاد يديرون شئونها، ومجلس عظيم فى العاصمة. وعلى نهج الإدارة فى الزمن القديم ليس هناك فصل بين الدين والدولة، فالتوراة هى القانون والقانون هو التوراة لكن هناك بالطبع مذاهب مختلفة فى تفسير التوراة/القانون (فمثلا بالنظر إلى الحكم التوراتى «العين بالعين» كان حزب يفسره بوجوب دفع تعويض معلوم للعين، وحزب ثان يفسره بوجوب قلع عين بالمقابل) واختلاف التوجهات المذهبية فى ارتباطه بالسياسة اليومية يؤدى إلى انشقاقات وخصومات فى الطبقة الحاكمة تجعل كلا منها تحاول الاستقواء بالقوة المهيمنة. والقوة المهيمنة العالمية هى الإمبراطورية الرومانية، ولها حاكم عسكرى رومانى يحكم البلاد نيابة عن الإمبراطور فى روما. والسلطتان تعتمدان تماما على موارد البلاد وضرائب أهلها، فهمها الأساسى هو المحفاظة على الاستقرار وثبوت الأحوال السياسية والاجتماعية ودوران عجلة الاقتصاد التى تحفظ أسلوب حياة كبار الكهنة والموظفين وأصحاب المال والنفوذ، وتضمن وصول الضرائب إلى روما.
يصل السيد المسيح إلى بيت عنيا يوم السبت، وتخرج مرتا للقياه، وتخبره أن أليعازر مات منذ أربعة أيام، وبشىء من اللوم تقول «لو كنتَ هنا ما كان مات». ويستعين السيد المسيح بالله ويحقق إحدى معجزاته فيقوم أليعازر من القبر سليما معافى. وينتشر خبر المعجزة فى البلاد فتزداد شعبية عيسى بن مريم، وفى اليوم التالى، الأحد، يتوجه إلى القدس نفسها، ويدخلها فى تحد واضح للسلطات؛ فهو يدخل المدينة وسط تهليل شعبى وهتافات «خلصنا! خلصنا الآن!»، ويدخلها راكبا حمارا فتيا عنوانا على التواضع ورفض علامات الكبر الدنيوى، فيفرش الناس أمامه الزهور وسعف النخيل ترحيبا، ويحوطونه ويهتفون طلبا للخلاص.
يكتفى المسيح بهذا الزخم الشعبى يوم الأحد، ويعود إلى بيت عنيا فيبيت فيها. ثم يصبح فى اليوم التالى فيتجه مرة أخرى إلى القدس وفى يده سوط من الحبال المجدولة. يغلبه الحزن على أبواب أورشليم إذ يرى الدمار الذى سوف يحل بالمدينة إن هى فى النهاية رفضت الخلاص الذى يأتيها به؛ يبكى الفرصة الضائعة، الفرصة التى سوف يضيعها أهل المدينة إن هم رفضوا «مملكة السماء» التى يأتيهم بها. ومع ذلك فهو يدخل إلى المدينة، ويذهب إلى الهيكل، وهو مركز الحياة السياسية والدينية والإدارية، وهناك يطلق العنان لثورة غضبه. يرى الأحواش مليئة بالبهائم والطيور تباع وتشترى، ويرى كاونترات الصرافة تبدل العملة وتقدم القروض، يثور «كيف لكم أن تحولوا بيت الله إلى سوق؟» يرى ضريبة دخول الهيكل تصل إلى ما يزيد عن أجر يومين للعامل، ويرى الكهنة يبيعون للناس طيورا وحيوانات «صالحة» للتقديم كنذر أو قربان بعشرة أضعاف سعرها فى السوق، يثور: «بيت الله للعبادة وحولتوه إلى وكر للصوص»، يرى البهائم والتعاملات والتجارة تتم فى الحوش المخصص لغير اليهود مما يلهيهم عن تعبدهم ويمنعهم عنه، يثور: «ألم يُكتَب أن بيت الله بيت عبادة للأمم أجمعين؟» تعامل المسيح الثائر بعنف، لكنه عنف محسوب، قلب كاونترات المال وطرد التجار، أخرج البهائم من المكان، أمر بإخراج الطيور ولكن فى أقفاصها. أى أنه لم يبدد ملكا ولم يتسبب فى خسارة لفرد، لكنه عبر تعبيرا قويا عن رفضه لنظام بأكمله، نجح فى يومها ذلك الواقع منذ نحو ألف وتسعمائة وثمانين عاما من أسبوع الآلام الذى نحتفل به اليوم فى بعثرة النظام وشلِّه وزرع بذرة انهياره.
إن غضب المسيح لم يكن لما يخصه ولا حتى لما يخص أهله وأهل دينه؛ بل كان غضبا للشأن العام، كان غضبا للشعب الذى يُسرق ويهمش، وكان غضبا لبيت الله الذى يُستباح، وكان غضبا على حكام يحكمون باسم الدين ويتواطئون مع سلطة محتلة على حساب الشعب. فى اليوم التالى يعود السيد المسيح إلى الهيكل حيث تواجهه السلطة، ويسألونه أمام الملأ: «من أعطاك الصلاحية لتقوم بهذه الأعمال؟» ولنذكر أن الحكومة هنا هى أيضا رجال الدين، أى أن لهم وحدهم أن يتكلموا باسم الرب. ويرى السيد المسيح الفخ المنصوب له، فيجيب عن سؤالهم بسؤال: «أجيبونى أجيبكم: هل كان تعميد يوحنا من السماء أم من الأرض؟» ويوحنا المعمدان، الصديق والمقرب من المسيح، بل المعمدان الذى عمّد السيد المسيح نفسه بمياه الأردن، كان قد قتله النظام من فترة قريبة وهى القصة الشهيرة عن سالومى ابنة هيرود وكان الشعب يحبه ويعتقد فى رسالته ويراه شهيدا. فإن أجاب الكهنة أن تعميده كان من السماء أصبح للناس أن تسائلهم حول استشهاده وحقه. وإن أجابوا أنه لم يكن من السماء استثاروا غضبة الشعب، فأسقط فى يدهم وانسحبوا.
تنساب الرواية هادرة إلى العشاء الأخير، وسكب مريم أخت مرتا العطر الثمين على السيد المسيح، واعتراض يهوذا الإسقريوطى، ثم إبرامه صفقة مع رئيس الحكومة (المعين من قبل المحتل الرومانى) ليسلمه عيسى بن مريم نظير ثلاثين قطعة من الفضة، ثم المحاكمات المتتالية التى تحاول فيها كل مؤسسات النظام التخلص من السيد المسيح والتبرؤ من دمه فى نفس الوقت، والبلطجية المستأجرون ليقفوا أمام دار الحاكم ويطالبوا بدمه.
إن عقيدة «مملكة السماء» التى جاء بها السيد المسيح كانت عقيدة ثوررية بامتياز، فهى العقيدة التى بنيت على الإيمان بحب الله ورحمته لكل مخلوقاته سواسية، والتى أصرت على الروحانية فى الدين، والتى قدمت الضعفاء والأطفال والفقراء والمهمشين، والتى طالبت بالعدالة والنقاء فى الأرض كشرط للحياة الأبدية فى السماء. فلا عجب أن أصحاب التميز والمصالح فيما عدا من تمتعوا بقدر من الرومانسية استشعروا فى رسالة المسيح خطرا كبيرا، ولا عجب أن الجموع جذبت إليها، وأنها لم تزل قادرة على إلهام المواقف الشجاعة (انظر لاهوت التحرير والكنيسة فى أمريكا اللاتينية) والقيام بدور كبير وملهم فى بحثنا عن عالم جديد. فسلام عليك يا عيسى، سلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا، سلام عليك من مصر فى أسبوع الآلام.
نقلا عن جريدة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.