ثورتنا ستنتصر بإذن الله، وبأفعالنا لا أقوالنا. فقد سكب كلام كثير على اوراق الصحف على مدى العامين الماضيين، وبعثرت اقوال أكثر عبر أثير الفضائيات، ولم تؤد كلها إلا الى المزيد من شق الامة. الفلاح المصري وحده أخرج لسانه لمن اتهموه بالجهل والتخلف وحقق أول شعارات الثورة "عيش" حين اقترب هذا العام من تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من القمح وهو ما لم تستطعه مصر على مدى 60 عاما، على مدار هذا الزمن كان تأخر سفينة امريكية في عرض البحر (اثناء الخمسينيات) أو روسية (في الستينيات) أو فرنسية (في السبعينيات) أو أوكرانية (في الثمانينيات والتسعينيات) وهي تحمل القمح لمصر، كفيلا باصابة حكومات مصر بالهلع. ننتج هذا العام ما يقرب من 10 ملايين طن قمح (استهلاكنا حوالي 13 مليون طن) اي اصبحنا ننتج أكثر من 75% من استهلاكنا وفي العام القادم يمكن ان يتضاعف هذا الانتاج كما يبشرنا "الباسم" عودة وزير التموين، بعد الحوافز التي رصدها لتشجيع الفلاحين على زراعة القمح ومنها صرف مكافأة مليون جنيه للمحافظة الأكثر توريدا له مع صرف جائزة للمحافظة التي يزيد توريد القمح عن 50 ٪ من إنتاجها والفلاح الأكثر إنتاجا والأكثر توريدا. المثير للدهشة ان الاقتراب من تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من القمح جاء في عز الانفلات "الزراعي" الذي راح فيه نخاسو الاراضي الزراعية الخصيبة يحولونها الى كتل اسمنتية قبيحة، مستغلين الانفلات الامني فجعلوا مصر تخسر اعز ما تملك، وهم نخاسون لانه لافرق بين من يبيع ارضه، ومن يبيع عرضه، فالارض عند المصريين الاصلاء هي العرض. ومع ذلك فإن الغالبية العظمى من الفلاحين الاصلاء اخذوا زمام توجيه الطلقة الاولى في معركة الاستقلال الوطني الحقيقي لمصر لانه كما يقول فضيلة العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي "لما يكون عيشك من فاسك، يبقى قرارك من راسك". كم خضعنا للروس والامريكان حتى لا يموت المصريون جوعا لان شحنات القمح تحكّم فيها فترة العم سام واخرى الرفيق الروسي. حتى اذل الحرص على القمح أعناق الرؤساء، وللاسف عاش بين ظهرانينا وزراء زراعة روجوا لفكرة عدم جدوى زراعة القمح واقنعونا أنه من الافضل زراعة الفراولة والكنتالوب كمحاصيل تصديرية نحصل مقابلها على العملة الصعبة التي يمكن أن نستورد بها القمح، ولو افترضنا حسن الظن بهم، لقلنا انهم نسوا او تناسوا ان القمح سلعة استراتيجية، وأن المصري يصبر على اي شيء إلا ضياع رغيف العيش، وحكمته الازلية "عض قلبي ولا تعض رغيفي" كما اغفلوا ان القوى العظمى كثيرا ما استخدمت القمح سلاحا ضد كل من يحاول ان يتمرد او ان يستقل بقراره عنها، ورأت أمريكا وروسيا في القمح سلاحا امضى من القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات لانها تستطيع ان تنجح في اخضاع الشعوب ونظم التحرر في العالم دون حرب باستخدام سلاح القمح. وهكذا تمكن الفلاح المصري وحده من ان يحقق أول أهداف الثورة "عيش" وبالتالي تمكن من تحويل شعار "ارفع رأسك فوق أنت مصري" الى حقيقة قائمة على ارض الواقع، إلا أن كل ذلك ما كان يمكن ان يتم إلا مع نظام وطني أعاد الامور الى نصابها وقضى على نخاسي القمح وهم مستوردوه ومن بينهم سكرتير المخلوع الذي حقق ثروات طائلة من استيراد القمح لحساب هيئة السلع التموينية، لذلك يجب ألا يأمن الدكتور عودة ألاعيب هؤلاء المستوردين من امثال سكرتير المخلوع وغيره، لانه بخفض استيراد القمح او توقفه التام في السنوات القادمة بإذن الله، تكون مافيا استيراد القمح من ديناصورات رجال اعمال العهد البائد، قد خسرت الجلد والسقط، وبتحالفها مع غيرها من القوى المضادة للثورة، ستحاول ان تحبط هذا الاكتفاء من القمح بشرائه من الفلاح وحرقه او في افضل الاحوال اطعامه للماشية، حتى لا ترفع مصر رأسها ابدا وتظل أسيرة.. كسيرة.. نهبا لتحالف المستوردين مع القوى الخارجية التي يعز عليها ان تتحرر مصر من ذل السؤال واستجداء السنابل من الأجانب: "حبة قليلة تمنع بلاوي كتيرة". العمل هو الحل. نقلا عن جريدة أخبار اليوم