أخطأ من تصور أن خروج الأحزاب والقوي السياسية ذات المرجعية الاسلامية أمام دار القضاء في تظاهرة سلمية لم نرها منذ ثلاثة أشهر قبل أن تهاجم من مثيري الفوضي وناشري العنف في الشارع مستهدفين دماء المصريين ببرود. وبإصرار في نفس الوقت, وبرغم الحرق والإصابات التي طالت المتظاهرين وحرق سياراتهم فإنهم نجحوا في تجنب صدام استدرجوا اليه, لكن الله سلم, وأخطأ من المتظاهرين من تصور أنه خرج لإهانة القضاء, أو التخلص ممن أساءوا اليهم بمجرد الخروج أو الهتاف ورفع الشعارات! بل وتجاوز حدود العقل والمنطق من عمم دعواه حول فكرة التطهير وضم كل قضاة مصر في كفة واحدة! كل هؤلاء أخطأوا, لأن الحقيقة بعيدا عن التظاهرة وضرورتها تتجلي في معان محددة تحدثنا فيها كثيرا ونوهنا عنها كثيرا من أن الهدف الذي طالبت به الثورة بل ونادينا به من قبل الثورة هو دعم قضاة الاستقلال الذين بدأوا في انتزاع استقلالهم من تغول السلطة التنفيذية منذ مؤتمر العدالة الأول عام1987 م بقيادة المستشار يحيي الرفاعي رحمه الله, الهدف هو مطالبة قضاة الاستقلال الأحرار الذين وقفوا أمام دولة الفساد والاستبداد وفضحوا التزوير الذي رعاه من يتصدر المشهد القضائي الآن! هنا ارتفعت الأصوات تطالب قضاة الاستقلال الحقيقيين لمحاسبة زملائهم الذين انشغلوا بالعمل السياسي الحزبي بمناصرة فريق ضد فريق بل وصارت آراؤهم السياسية في تصريحات ومؤتمرات بل وأحكام قضائية! ومظاهر هذه الإشكاليات تتلخص في أولا تقديم أدلة فاسدة لمحاكمات رموز النظام البائد ترتب عليها احكام بالبراءة أثارت غضب الشعب المصري وأغلبيته التي تضررت كثيرا من ممارسات منظومة حكم فاسدة انتفع من ورائها البعض وهم من يدافعون عنه الآن- ثانيا إصدار أحكام متتالية مثلت تغولا من السلطة القضائية علي باقي السلطات, تشريعية كانت أم سياسية هدفت الي هدم كل مؤسسة يتم بناؤها بشكل ديمقراطي( مجلس الشعب الذي حصل علي32 مليون صوت مصري! - الجمعية التأسيسية الأولي رفض القرار الرئاسي بعودة المجلس إبطال الإعلانات الدستورية التعدي علي الدستور وحكم إبطال تعيين النائب العام وقف قرار الرئيس بالدعوة للانتخابات والنظر في شرعية مجلس الشوري الذي انتخب ب7% وتحصن بنسبة64% في الاستفتاء علي الدستور النظر في نتيجة الانتخابات الرئاسية برغم تحصينها بالمادة28 من الإعلان الدستوري بل والنظر في الجمعية التأسيسية الثانية, وشرعية الدستور الذي تم الاستفتاء عليه!) كل ذلك أثار الشعب المصري بسطاءه وشرفاءه من حالة التربص القائمة بين السلطة القضائية وباقي سلطات الدولة التي جاءت بالانتخاب الحر المباشر( الرئاسة ومجلس الشوري) وخوفا من استمرار الحديث حول الثورة المضادة ودور القضاء فيها, وهو ما نرفضه برغم كل ماذكرت وغيره كثير يتم تداوله في نطاق الإعلام الإلكتروني فقط, حيث ينضم الإعلام الصحفي والفضائي الي الدولة العميقة التي تحمي الفساد وتقاوم تفكيك هذه الشبكات الفاسدة, تحت ترويج مصطلح حرية الإعلام وأخونة الدولة!! والآن يغالطون ويجعلون المطالبة بمحاسبة من ورط القضاء في مواجهة سياسية لسلطات الدولة المنتخبة والتي شرف القضاة أنفسهم بالإشراف عليها اعتداء علي القضاء وإهانته وسب للقضاة وترويعهم!!!, تلك هي الإشكاليات, وهذه هي المغالطة, أضف الي ذلك أن أحدا من تلك الأحزاب السياسية التي تساند القضاة وتحضر مؤتمرات نادي القضاة الذي تعرض يوما ما الي هجوم حكومي من نظام مبارك بعد موقفه من دعم قضاة الاستقلال عام2006, ثم تم الاستيلاء عليه بقيادة المستشار الزند الذي هاجم عمل القضاة بالسياسة, وصرح إن النادي فقط لأعمال خدمية اجتماعية فإذا به يحوله الي حزب سياسي له موقف ضد أومع من يمارس السياسة في مصر, بل وصار هو كما يدعي من قضاة الاستقلال! أقول هذا وأنا أدرك قيمة استقلال القضاء استقلالا حقيقيا كما أدرك أن هيبة القضاة تأتي من ترفعهم عن تناول الشئون الحزبية وانحيازتها و من شموخ نظرتهم في التعامل والتفريق بين حقوقهم وواجباتهم بنزاهة واستعلاء عن الصغائر التي قد تجعلهم في مواجهة وندية مع غيرهم من فئات الشعب, وهم حصن العدالة بالنسبة لهم! حماية القضاة واستقلال القضاء خط أحمر, وضرورة لا يدركها إلا من تعلق مصيره يوما ما بكلمة ينطقها قاض شريف مخلص, وكل من خرج في هذه التظاهرة من هؤلاء الذين دافعوا عن القضاة الأحرار المستقلين, وهتفوا لهم لا عليهم, ودعما لهم لا إهانة كما يريد البعض أن يفسر الحدث! هناك تصيد للتظاهرة الأخيرة وعنوانها, ومن دعوة البعض لمحاصرة منازل القضاة, وكلا الأمرين عبث لا يليق بسلطة نحميها بأرواحنا ونحافظ علي استقلالها ونربأ بأحكامها أن تسيس حتي لو أساء لها بعض المنتسبين اليها! أدلة التصيد واستعمال الأزمة بشكل يخدم اتجاهات سياسية محددة دائما رموزها ضيوف علي مؤتمرات نادي القضاة, أن أحدا لم نسمع له صوتا عند محاصرة دار القضاء, والتهجم علي النائب العام, ومحاصرة المحاكم والنيابات التي يمثل أمامها شباب التيار الشعبي أو البلاك بلوك أو أحدا ممن يخضع للتحقيق حتي وصل الأمر الي حرق جزء من مبني محكمة المنشية بالإسكندرية دون أن يجتمع نادي القضاة أو ينعقد مؤتمر للجبهة! هذا الكيل بمكيالين يخدم قضية منافسيهم الذين لو فعلوا عشر ما حدث من غيرهم لكان مصطلح إرهاب القضاة والضغط عليهم وتزييف العدالة والبلطجة السياسية من نصيب اولئك الذين اكتفوا بلعب دور الضحية برغبتهم درءا للفتنة! أما عن تعديلات قانون السلطة القضائية المقدم من حزب الوسط فلم يناقش حتي الآن! لكنه كشف وأكد تغول بعض من السلطة القضائية, عندما أنذر مجلس الشوري من مناقشة التعديلات! ولا أفهم بأي حق يتم ذلك لكن ما أدركه يقينا أن نادي القضاة برئاسة المستشار الزند يلعب دورا حيويا في إثارة وتأجيج النزاع بين السلطة القضائية وباقي السلطات, فعندما يخاطب رئيس الدولة بطريد العدالة مع التهديد بقضية فتح سجن وادي النطرون, وينذر رئيس مجلس الشوري ويتترس باحزاب سياسية معارضة, فإنه يورط كل القضاة في هذه المواجهة ظنا منه أن ذلك سيبعد عنه شبح طلب رفع الحصانة لمحاسبته أمام قضاة الشرف والاستقلال, اتقوا الله في مصر وعلي كل من أخطأ أن يعترف بخطئه في الوسيلة حتي لو صدقت نواياه, وعلي كل سلطة أن تحاسب نفسها وتنقي ثوبها فهذا أكرم لها والكمال لله وحده. نقلا عن صحيفة الاهرام