بالرغم من تصاعد حالة الغضب التي تعتري الشارع التركي تجاه القيادة السياسية التركية والضغوط الشعبية واعتراضات قادة الرأي العام وأحزاب المعارضة. لتقاعس الإدارة حتي اليوم في إعطاء الجيش إشارة البدء في تنفيذ العملية ال26 في شمال العراق للثأر من عناصر حزب العمال الكردستاني من ناحية والقضاء علي الإرهاب الذي تعيشه تركيا حاليا. من ناحية أخري فإن الشواهد تشير الي أن الرئيس التركي عبدالله جول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ورفاقهما في حزب العدالة والتنمية الحاكم باتوا علي مقربة من عبور أول أزمة حقيقية تواجههم منذ سيطرتهم علي جميع السلطات سواء التشريعية أو التنفيذية بجناحيها الحكومي والرئاسي في28 أغسطس الماضي. وتعود أسباب قرب عبور القيادة التركية لأول مواجهة حقيقية الي نجاحها في إدارة الأزمة سياسيا علي الصعيدين الإقليمي والدولي عبر تصعيد حالة الضغوط, التي بدأت في تحقيق أولي ثمارها والتي انعكست بتسابق الإدارتين الأمريكية والعراقية علي الاتصال بالحكومة التركية من أجل منحهما فسحة من الوقت لتنفيذ مطالبها ولعل أبرزها إعلان واشنطن استعدادها للقيام بعملية مشتركة في الهجوم علي مواقع عناصر المنظمة الإرهابية بشمال العراق الي جانب إعلان نوري المالكي رئيس وزراء العراق إغلاق مكاتب المنظمة بأراضيها. ومهما يكن من أمر فإن الثابت أن الحزب الحاكم في تركيا أحسن استغلال ما يملكه من أوراق للضغط علي الجهتين الفاعلتين في الأزمة دون التنازل عن الثوابت الوطنية بعيدا عن توجهاته الدينية أو السياسية. فمن ناحية ضغط ومازال يضغط علي واشنطن حتي تسقط أمر قانون الاعتراف بمذبحة الأرمن من جدول أعمال مجلس النواب الأمريكي بعد ممارسة فاعلة من الإدارة الأمريكية علي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي حتي ترفع مشروع القرار دون مناقشته ومن ناحية أخري كثفت من ضغطها علي حكومة العراق المركزية لتنفيذ مطالبها وشروطها ال6 التي تتضمن: * منع تمركز عناصر حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية. * قطع الدعم اللوجستي عن المنظمة الانفصالية. * الحد من أنشطة المنظمة الإرهابية. * تضييق الخناق علي متمردي العمال وتقليص ساحة تحركاتهم. * إلقاء القبض علي قياديي المنظمة وتسليمهم الي تركيا. * إغلاق مخيمات المنظمة في شمال العراق. وجميعها مطالب حيوية بالنسبة لتركيا اذا نجحت في تحقيقها بمشاركة الادارتين الأمريكية والعراقية وبذلك تكون قد وصلت الي الحد الأقصي من سقف مطالبها دبلوماسيا وسياسيا دون الحاجة الي تعريض جيشها الي أتون معركة لا تعلم هي نفسها متي تنتهي وقد تتعرض فيها الي خسائر فادحة تفوق ما ستحصل عليه من مكاسب لأنها تعلم مسبقا أنها اذا أرادت تأثيرا فاعلا فعلي جيشها أن يتوغل في أراضي العراق حتي عمق60 كيلومترا علي الأقل. إلا أن ما سبق لا يشير الي أن الخيار العسكري التركي أصبح لا وجود له وانما المؤكد أنها جعلته الخيار الأخير بعد أن وضعت الادارتين الأمريكية والعراقية في موقف صعب أمام العالم . باعتبارهما أصحاب السيطرة الفعلية علي قيادات إقليم كردستان العراق وفي مقدمتهم زعيم الإقليم مسعود البارزاني الذي تعتبره تركيا مقدما لجميع أشكال الدعم اللوجستي لعناصر المنظمة ومن ثم تكون قد فرضت رؤية مسبقة علي العالم أجمع بضرورة مساندتها في مكافحة الارهاب. ناهيك عن أمر آخر لا ينبغي غض النظر عنه تعتبره الإدارة التركية حاسما في تعاملها مع الأزمة علي الصعيد الداخلي خوفا من نشوب أزمة عرقية بين مواطنيها الأكراد والأتراك حالة حسم الأمر عسكريا مما جعلها تتأني وتفتح مساحة واسعة للحلول الدبلوماسية الأمر الذي جعل الرئيس عبدالله جول يصدر بيانا خطيا يوم الثلاثاء الماضي. يدعو فيه الشعب الي ابداء ردود فعل دون الاضرار بمقومات التضامن والتصرف بوعي المواطن المسئول في أثناء ابداء ردود فعل تجاه الأعمال الارهابية لمنظمة حزب العمال الكردستاني. غير أن ما سبق من إدارة الحكومة للأزمة لم يمنع قادة الرأي العام من توجيه سهام النقد اللاذع والجارح إليها معبرة عن غضب الشارع التركي. ومن أبرز هذه الانتقادات علي سبيل المثال لا الحصر مقالة الكاتب الصحفي مليح أشيك بصحيفة ميلليت واسعة الانتشار تحت عنوان لا أسباب جاء فيها: رئيس الوزراء شرح لنا من انجلترا أخيرا السبب في عدم التحرك التركي ضد حزب العمال بقوله لن نقوم بمثل هذا التحرك لمجرد أن البعض يريد ذلك أو يستفزنا لفعل ذلك. فعندما تتهيأ الظروف والأسباب العسكرية وتقدم إلينا للنظر فيها عندها فقط سنقوم باللازم. كما هاجم الكاتب شامل تايار الحكومة والجيش في مقال تحت عنوان كيف يتسلل200 ارهابي الي الداخل التركي دون رقيب قال فيها: هناك سؤال خطير لدرجة أن تجاهله وتركه بدون جواب يعتبر أكبر خيانة للوطن؟. وعلينا أن نكون واقعيين ونري أخطاءنا ونقاط ضعفنا ونناقش النقد الذاتي لقائد القوات البرية الذي اعترف بأنه برغم مرور23 عاما علي الارهاب في تركيا فإنهم لم ينجحوا حتي الآن في منع عمليات الانضمام لصفوف المنظمة الإرهابية.