نقلا عن الاهرام / 8/11/2007 لا أظن أن بمقدوري أو بمقدور أحد في هذا العالم أن يتكهن بما تنتوي الولاياتالمتحدةالأمريكية عمله خلال الأشهر القادمة مع القضية الساخنة والملتهبة التي تحمل اسم الملف النووي الإيراني بعد أن اعدت نبرة التهديدات باحتمال اللجوء لضربة عسكرية كبيرة في الوقت الذي تبحث فيه أمريكا عن مخرج مشرف من ورطتها المهينة في المستنقع العراقي والسعي لتبييض وجهها في المنطقة باسم جدية الرغبة في حل المشكلة الفلسطينية. ولكنني أعتقد وربما يكون اعتقادي أقرب إلي اليقين أن جزءا كبيرا وأساسيا من أهداف ومقاصد السياسة الأمريكية في المنطقة هو أن تضمن لإسرائيل حق احتكار السلاح النووي في الشرق الأوسط وحدها دون شريك.. مع استمرار سياسة الضغط والابتزاز والتخويف لسائر الدول الأخري التي تمتلك أو يشتبه في امتلاكها أسلحة كيماوية أو بيولوجية في اطار المساحة المحدودة بين اشارتي المرور لصفراء والخضراء فقط, أما السلاح النووي فإنه الاشارة الحمراء المضاءة ليل نهار في وجه دول لمنطقة باستثناء إسرائيل! وربما يفسر ذلك بوضوح أن إسرائيل بحماية أمريكية صريحة لم تتوافر لأي دولة من دول المنطقة أو من خارجها حتي اليوم تتمتع بالاستثناء من الانضمام إلي المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية.. وهي المعاهدة التي تستخدمها واشنطن لفرض العقوبات علي بعض الدول في حالة عدم توقيعها بالانضمام! وهذا هو سر الخوف والقلق الذي يسود العالم العربي ويجعله حائرا بين مطرقة السلاح النووي الإسرائيلي الجاهز للاستخدام وبين سندان الهواجس المحتملة لقرب امتلاك إيران القدرة علي دخول النادي الذري! وإذا كان هاجس الخوف العربي علي مستقبل المنطقة وعدم الاطمئنان لامكانية تحقيق السلام المنشود ظل لسنوات هاجسا مبنيا علي احتكار إسرائيل للسلاح النووي في المنطقة فإن هذا الهاجس سوف يتضاعف أثره إذا دخلت المنطقة لعبة السباق النووي تحت شعار أن الضرورات تبيح المحظورات! ولست هنا في معرض تأكيد الادعاءات الأمريكية الإسرائيلية حول النيات الايرانية لانتاج السلاح لنووي ولا أنا في معرض الدفاع عن حق إيران في ذلك, ولكنني أتساءل... لماذا إيران وحدها التي ينبغي رمانها من حق تخصيب اليورانيوم بينما إسرائيل تجاهر والكل يعرف بما تختزنه في ترسانتها من ؤوس نووية؟ لقد كان يمكن لأمريكا أن تجد دعما وتأييدا واسعا من كل شعوب المنطقة التي تلح منذ سنوات علي ضرورة فهم ودعم المجتمع الدولي لمبادرة الرئيس مبارك بجعل هذه المنطقة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل لو أنها أزاحت عن صدورنا كل المخاوف والهواجس التي تحشر المنطقة بأسرها بين طرقة الترسانة النووية لإسرائيل من ناحية وسندان الرعب من قرب امتلاك إيران للسلاح النووي من ناحية أخري! ولست أخرج عن سياق هذا الحديث عندما أقول أن ازدواجية المعايير الأمريكية في هذه القضية بالذات مثل أحد عوامل الشكوك العربية في أي اتفاق سلام يروج لامكانية التوصل إليه سواء في المؤتمر الدولي الوشيك أو في أي إطار آخر!.. أريد أن أقول بوضوح إن شعوب الأمة العربية تري أن الخطر يبقي قائما وماثلا حتي لو تصورنا بالوهم أن إسرائيل يمكن أن تعود للصواب وأن تنفذ كل مقررات الشرعية الدولية والاتفاقيات المبرمة.. والسبب أن السلام يحتاج إلي تكافؤ القوي ولا يتحقق اطلاقا في ظل الهيمنة والاحتكار والتفرد بامكان ردع الآخرين... وكل دروس التاريخ قديمه وحديثه تؤكد بما لا يدع مجالا لأي شك أنه ليس ممكنا أن يقوم سلام حقيقي في أي مكان بالعالم في غيبة من تكافؤ القوي.. فما بالنا إذا كان يراد للمنطقة أن تبقي تحت رحمة لحظة مجنونة قد يقوم فيها رجل مجنون في تل أبيب أو في طهران تحت ظروف يأس محبطة أو بناء علي أي حسابات وتقديرات خاطئة بالدوس علي زر الخطر النووي؟ إن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط لن تقوم له قائمة إلا بإخلاء المنطقة بأكملها من كل أسلحة الدمار الشامل وما عدا ذلك هو وهم وسراب وضحك علي الذقون! ويخطئ كثيرا أولئك الذين يتوهمون أن بامكانهم أن يضمنوا إلي مالانهاية أن تبقي إسرائيل وحدها هي المحتكر الوحيد للسلاح النووي أو أن يتوقف الطموح لامتلاك هذا السلاح المدمر عند إيران وحدها! ولست أقول ذلك من باب التخمين.. أو من أرضية ادعاء المعرفة.. وإنما أقول ذلك استنادا إلي أن ما هو قائم الآن أمر استثنائي وشاذ وضد طبيعة الأشياء.. والحياة لاتدوم مع الاستثناء أو مع ما يتم بناؤه ضد طبيعة الأشياء! إن الشعوب العربية ليس بمقدورها أن تتجاهل إلي مالانهاية تلك التقارير الدولية الموثوقة التي تؤكد أن إسرائيل تملك أكثر من100 رأس نووي.. وليس هذا فحسب وإنما تملك وسائل ايصال هذه الرؤوس النووية إلي أهدافها صواريخ وطائرات وغواصات وأن الترسانة الإسرائيلية تتضمن أنواعا شتي من الأسلحة النووية كقذائف المدفعية والألغام والقنابل التي تحملها صواريخ أرض أرض وصواريخ بحر أرض وتلك التي تحملها الطائرات إلي جانب القنابل الهيدروجينية ذات القوة التدميرية الهائلة والقنابل النيوترونية التي تقتل بالاشعاع.. فضلا عما تملكه اسرائيل في ترسانتها من مخزون هائل من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية... مثلما لا يمكن تجاهل التقارير الدولية التي تتحدث عن5 سنوات فقط تفصل بين إيران وقدرتها علي انتاج وامتلاك السلاح النووي. فهل يمكن أن يصدق أو أن يتوهم أحد في أمتنا العربية أن إسرائيل تملك هذه الأسلحة النووية لمجرد العرض والزينة أو لكونها عامل ردع وقائيا فقط وانها لن تفكر في استخدامها كما تروج لها بعض الدوائر الغربية ويصدقها بكل أسف بعض المحللين والمثقفين العرب المتأثرين بموجات التغريب والأمركة اللذين في ذات الوقت يبالغون إلي حد التهويل في الخطر الإيراني المحتمل الذي لم يزل جنينا في رحم التخصيب! وإذا قبلنا لاثبات حسن النيات كما نفعل مرارا وتكرارا بصحة هذا المنطق المغلوط الذي يستهدف تخدير العقل العربي عن التيقظ والانتباه للخطر الكامن في الترسانة الإسرائيلية والالتفات فقط إلي الخطر الإيراني الوشيك فإن السؤال المطروح هو: أليس مجرد وجود هذه الأسلحة التدميرية بهذا الكم الرهيب يمثل سيفا مصلتا علي رقاب دول المنطقة يوفر لإسرائيل ليس فقط ارهاب وازعاج الأخرين بل مواصلة الابتزاز السياسي والاستراتيجي علي موائد التفاوض بشأن أي قضايا خلافية من موروثات الماضي أو من مستجدات الغد؟... ثم أليس ذلك يوفر المبرر الذي يقترب من درجة الحق لأي دولة في المنطقة بما فيها إيران أن تسعي لامتلاك السلاح النووي؟ ولست أظن أن أحدا يمكن أن يصدق أو أن يبني حساباته علي ما تروج له إسرائيل تلميحا من أن السلاح النووي الإسرائيلي أشبه بعملة نقدية غير قابلة للصرف إلا في حالة حدوث إفلاس شامل وبالتالي لاينبغي ادراجه علي جدول موازين القوي بالمنطقة. بل إنه ليس بمقدور أحد في العالم العربي أن يقبل بصحة الاشارات الإسرائيلية التي تقول إن السلاح النووي لإسرائيل هو بمثابة الخيار الأسوأ والأخير الذي لن تلجأ إليه إلا في حالة تعرضها لخطر الهزيمة الكاملة والإبادة الساحقة.... فهل هناك من يضمن عدم لجوء اسرائيل لهذا الخيار الذي يهدد المنطقة بأسرها باستخدام شماعة التصريحات المتهورة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد عن ازالة الدولة العبرية من خريطة المنطقة؟ بل إنني أقول صراحة أن منهج اسرائيل في التحرك المحسوب ما بين الترويج لنظرية الغموض النووي والتلميح لنظرية الخيار الأخير تريد أن تحقق به أهدافها في المنطقة بغير أن تدوس علي أزرار التشغيل في ترسانتها النووية.. وربما يكون ذلك أيضا هو منهج إيران في ركوب قطار الغموض حول نياتها وقدراتها الحقيقة في هذا السباق المجنون! ثم لعلي أضيف إلي ذلك اعتقادي بأن إسرائيل بما تروج له دائما وتلمح إليه أحيانا تكشف عن منهج استراتيجية الردع بالايحاء الذي تستخدمه في تخويف دول المنطقة وانزال الرعب في قلوب شعوبها من أجل الحصول علي المزيد من التنازلات والمزيد من المكاسب التي تلبي احتياجات المشروع الصهيوني باسم متطلبات الأمن الضرورية لها كثمن مستحق لبعض الانسحابات التكتيكية المحدودة تحت رايات وأوهام السلام المستحيل... وبالتالي فليس من المستبعد أن تلجأ إسرائيل للخيار الأسوأ دون أن يكون هناك خطر يهددها أو هزيمة توشك أن تلحق بها إذا واتتها ظروف اقليمية ودولية مادامت اطماعها بغير حدود وسقف التوسع والهيمنة لديها سقفا مفتوحا! وهنا يكون السؤال الحيوي هو:هل يمكن لأحد في العالم العربي أن يقبل بترك مصيره القومي رهنا للمصادفات غير المحسوبة أو المتغيرات الاقليمية والدولية التي تهب رياحها العاصفة فجائية وصاعقة بغير أي مقدمات مثلما حدث في الحرب ضد العراق وادي إلي انهيار شامل في قواعد اللعبة الدولية بأكملها وانهيار في أمن واستقرار الشرق الأوسط بأكمله؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن تجيب عنه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تزعم أنها ملتزمة بمحاربة ووقف الانتشار النووي بشكل خاص وأسلحة الدمار الشامل بشكل عام.. ونحن معها في هذا الاتجاه بشرط أن تكون محاربة ووقف الانتشار النووي سياسة شفافة لا تفرق بين إيران وإسرائيل! وأظن أن هذا سؤال يصعب أن تجيب عنه واشنطن في ظل إدارة تعكس معظم قراراتها رغبة في السباحة ضد تيار الشرعية الدولية رغم أنها ترفع لافتاته لمجرد الخداع فقط! والحقيقة أن تطورات وملامح المشهد الراهن في المنطقة والمعبأ بكل عناصر التفجير والاضطراب تفرض علينا نحن العرب سؤالا جوهريا وضروريا هو: هل يمكن أن يكون هناك بالفعل سلام وأمن واستقرار في منطقة الشرق الأوسط في ظل هذا السباق النووي الرهيب بين أطراف غير عربية تشاركنا في الوجود والجوار علي أرض هذا الاقليم المبتلي بعشرات الأزمات والتحديات المتراكمة؟ ان الإجابة عن مثل هذا السؤال الجوهري والضروري ينبغي أن تكون ركيزة وأساسا لموقف عربي موحد من الاحتكار النووي الذي تتميز به إسرائيل علي دول المنطقة وبنفس درجة الرفض القاطع لأي طموحات ايرانية لامتلاك السلاح النووي لأنه مهما تعددت رؤيتنا وتعريفاتنا للأمن القومي العربي فإنه لايمكن الحديث عن هذا الأمن إلا إذا شعرت كل دولة عربية علي حدة بانتفاء الخوف من جيرانها وتوافر لديها الاحساس بالاطمئنان لشقيقاتها! ولست بحاجة إلي القول إن التحدي الكبير الذي يواجهنا اليوم هو أن الأمة العربية تواجه منذ سنوات تحديات ومتغيرات اقليمية دولية أسهمت في خلط الأوراق السياسية وتبديل المفاهيم في الأقطار العربية مما أدي للأسف الشديد إلي سيطرة مفهوم الأمن الأحادي علي مفهوم الأمن الجماعي وهو ما انعكس بشكل واضح في تراجع الاحساس بالخطر المشترك كأمه وانتعاش سياسات الانكفاء علي النفس إلي الدرجة التي لم تعد فيها بعض الدول العربية تتحرج في طلب الحماية الأجنبية والتدخل الدولي. ان علينا أن نتفق علي حد أدني من الإرادة الواحدة والموحدة لاصدار رسالة للمجتمع الدولي مفادها أنه ليس ممكنا أن يتوافر السلام والأمن والاستقرار في أي منطقة من العالم في غيبة من تكافؤ القوي. ان السلام المنشود الذي يتجهون لعقد مؤتمر باسمه خلال الأسابيع المقبلة, والديمقراطية الموعودة التي يصدعون رءوسنا بها لا يمكن لأيهما أن يتحقق في منطقة يجري عمدا واصرارا وضعها تحت رحمة الابتزاز النووي لأطراف اقليمية أخري! ان هذه هي لحظة مواجهة الحقيقة مهما كان ثمن المواجهة لأن الذي نراه وترصده عيوننا ليس فقط مجرد ازدواجية في المعايير بشأن قرارات دولية جعلوا منها حبرا علي ورق, وإنما الأمر يتعلق بالمصير والوجود. وما لم تكن هناك شفافية دولية في التعامل مع قضايا المنطقة وفي المقدمة منها قضية السلاح النووي بعيدا عن أية انتقائية أو ازدواجية فإن الأمن لن يتحقق والاستقرار لن يدوم, أما السلام الذي يتحدثون عنه فسوف يظل بعيدا وبعيدا جدا لأنه لا سلام تحت رحمة الابتزاز النووي من هذا الطرف أو ذاك! المزيد من الاقلام والآراء