فى مقاله الاسبوعى بصحيفة النيويورك تايمز ، سخر الكاتب الامريكى الشهير " توماس فريدمان" من زيارة الرئيس باراك أوباما لإسرائيل، ووصفها بانها زيارة "سياحية" و قال ان القضية الفلسطينية اصبحت "هواية" لا "ضرورة " بالنسبة للدبلوماسيين الامريكيين. واستهل فريدمان مقاله ، قائلا : " هل سمعت ان الرئيس باراك أوباما سيتوجه لإسرائيل الأسبوع المقبل. و اذا كنت قد سمعت .. فانه من الصعب بالنسبة لي أن أذكر رحلة لرئيس امريكى الى اسرائيل ، دون التوقعات مثل هذه الرحلة" . و عليه فان الرئيس باراك أوباما يزور إسرائيل كسائح و ليس كلاعب رئيسى فى عملية السلام .. اوباما سيتوجه لاسرائيل من دون ان يفعل أي شيء في طريق الدبلوماسية. و الرسالة الواضحة ، هى : ان هناك القليل من المتوقع من هذه الرحلة - ليس فقط لأن القليل هو الممكن، ولكن لأنه و من وجهة نظر الولاياتالمتحدة الضيقة ان القليل هو الضروري. فقد تحول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من ضرورة هامة للدبلوماسيين الامريكيين الى هواية. و قد اضطلع السيد اوباما بهذه الهواية فى مستهل ولايته الاولى ، و قد صدم بموقف كلا الجانبين .. لذا اتخذ جانبا و عمد الى الاهمال الحميد لهذه القضية. ويرى فريدمان ان هناك عدة اسباب هيكلية رئيسية ادت لانسحاب وضعف ثقل الدبلوماسية الامريكية ازاء عملية السلام ، ليتحول الاهتمام بها الى هواية بدلا من كونه ضرورة منذ اواخر الحرب الباردة .. و يشير فريدمان لثلاثة أسباب كبرى: اولا : النفط ان انخفاض التبعية الامريكية للنفط العربي، وعدم وجود خوف من حظر النفط العربي بسب قضية فلسطين، احد الاسباب الرئيسية وراء الفتور الامريكى ازاء تحقيق السلام العربى الاسرائيلى ، حيث كان هناك وقت عندما كان يخشى حقا من ان اى حرب عربية إسرائيلية قد تثير صراعا عالمى أوسع . و خلال حرب أكتوبر 1973، رفع الرئيس ريتشارد نيكسون درجة استعداد أمريكا العسكري لدرجة ديفكون 3 ، إشارة و دعوة للسوفييت للبقاء بعيدا. وهذا من غير المرجح أن يحدث اليوم. وعلاوة على ذلك، فإن اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز في الولاياتالمتحدة وكندا والمكسيك ، جعل من أمريكا الشمالية " السعودية الجديدة". لذا من يحتاج الان للسعودية القديمة؟ و يضيف فريدمان بالطبع ان النفط والغاز هي من السلع العالمية، وأي انقطاع لتدفقات الشرق الأوسط من شأنه أن يدفع بالاسعار. ولكن على الرغم من ان أمريكا مازالت تستورد بعض النفط من الشرق الأوسط، الا انها لن تكون مهددة مرة أخرى من أثار الحظر النفطي العربي بسب الغضب على فلسطين. لكن بالنسبة للصين والهند، وفهى مسألة أخرى بالنسبة لهم، فالشرق الأوسط الان بالنسبة لهم تحول من هواية لضرورة. كلاهما يعتمد بشكل كبير على نفط و غاز الشرق الأوسط . و إذا كان هناك من ينبغي أن يحرز اليوم تقدم بالنسبة للسلام العربي الإسرائيلي ( وبين السنة والشيعة )، فهم وزراء خارجية الهند والصين. روبن ميلز رئيس الاستشارات في مؤسسة المنار للطاقة كتب في مجلة السياسة الخارجية الأسبوع الماضي، أنه"وفقا للارقام الاولية فان الصين قد تفوقت على الولاياتالمتحدة باعتبارها أكبر مستورد للنفظ الخام في العالم " .. ووصف السيد ميلز هذا على أنه تحول كبير شبهه بما حدث فى اواخر القرن التاسع عشر حينما وقع انحسرت قوة البحرية الملكية البريطانية أو كما تجاوز الاقتصاد الأميركي الاقتصاد البريطاني ... لذا يتعيين على الولاياتالمتحدة ان تصبح المنتج الأكبر للنفط في العالم عام 2017. " ثانيا : السنة و الشيعة يقول فريدمان انه في حين أن حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يحمل صدى عاطفي في جميع أنحاء العالم العربي والاسلامى ، و ان حل الصراع ضروري لتحقيق الاستقرار الإقليمي، فمن الواضح أنه لا يكفي. فهناك صراع اخر هو الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة وهو الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة التي تعصف بلبنان وسوريا والعراق والكويت والبحرين واليمن. وفي حين أنه سيكون أمرا جيدا لإقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام مع إسرائيل، نجد ان القضية اليوم اصبحت : هل ستكون هناك بعد الآن الدولة السورية، والدولة الليبية والدولة المصرية؟ واخيرا : يرى فريدمان ان الوقت الحالى لا يمثل الفرصة المناسبة لتحقيق السلام .. ففي حين تجد أميركا احتياج اقل لإقامة السلام الإسرائيلي الفلسطيني ، تزداد العقبات سوءا : فإسرائيل قد زرعت الآن اكثر من 300الف مستوطن في الضفة الغربية، وهناك الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس على إسرائيل من قطاع غزة وكذلك هناك تآكل خطير لشهية الأغلبية الصامتة الاسرائيلية بالنسبة للانسحاب من الضفة الغربية، منذ اصبح صاروخا واحدا من غزة قادرا على إغلاق مطار إسرائيل الدولي في اللد. و يختتم فريدمان مقاله بالقول : ان كل هذه الاسباب تجعل من باراك اوباما اول رئيس امريكى يزور اسرائيل كسائح .. بالطبع هذه اخبار مفرحة بالنسبة لاسرائيل .. والوضع الراهن قد يكون مقبولا اليوم لإسرائيل، ولكنا ليس وضعا صحيا.. وأكثر من ذلك فالوضع الراهن يعني استمرار المستوطنات الإسرائيلية ، واستمرار لضمها ضمنيا اجزاء من الضفة الغربية. و يعتقد فريدمان ان أهم شيء يمكن لاوباما القيام به في رحلته ان يسال سرا وعلانية كل مسؤول اسرائيلي هذه الأسئلة: "من فضلك قل لي كيف يمكن ان يستمر الاستيطان في الضفة الغربية دون ان ينتهي الامر بضم إسرائيل هذه المستوطنات لها ، و كيف سيستمر التحكم فى أكثر من 2.5 مليون فلسطيني بادارة استعمارية ، وهو ما يمكن ان يقوض إسرائيل ليس فقط كدولة ديمقراطية يهودية بل بنزع الشرعية عن إسرائيل امام المجتمع العالمى ؟