في خطوة مهمة وحاسمة لتحديد مسار السباق الرئاسي للوصول إلى الإليزيه، يتوجه الناخبون الفرنسيون اليوم الأحد إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشح اليمين للانتخابات الرئاسية المقررة في 2017 وذلك في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين اليميني وأحزاب يمين الوسط . وستنظم جولة ثانية في السابع والعشرين من الشهر الجاري وذلك في حالة عدم حصول أي مرشح على غالبية الأصوات خلال الجولة الأولى وهو الأرجح حدوثه حيث يصعب حصول أي مرشح على أكثر من50 بالمئة من الجولة الأولى. المرشح الذي سيخرج منتصرا من الجولة الثانية سيخوض رسميا غمار الانتخابات الرئاسية في 2017 باسم اليمين ويمين الوسط. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي ينظم فيها اليمين الفرنسي انتخابات تمهيدية لاختيار مرشحه للرئاسة على خلاف الحزب الاشتراكي الذي خاض هذه التجربة للمرة الأولى عام 2011 واختار فرنسوا أولاند مرشحا للرئاسة عام 2012. الانتخابات التمهيدية.. وتمثل الانتخابات التمهيدية فرصة أمام تعدد المرشحين لضمان منافسة شريفة بينهم, كما تمنح فرصة للناخبين لاختيار المرشحين الذين يودون أن يمثلونهم في معركة الانتخابات الرئاسية في 2017. ويحق للمواطن الفرنسي الوارد اسمه بالقوائم الانتخابية المشاركة في عملية التصويت بشرط توقيعه تعهدا باحترامه لقيم الجمهورية, ودفعه مبلغا رمزيا (2 يورو). ومن المنتظر أن يشارك في هذا الاقتراع ما بين مليونين وستة ملايين ناخب يصوتون في أكثر من 10 آلاف مركز اقتراع. من هم المرشحون .. يتنافس في هذه الانتخابات سبعة مرشحين وهم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي, ورئيسا الحكومة السابقان آلان جوبيه وفرنسوا فيون, ووزير الزراعة السابق في حكومة فيون برينو لومير, والنائب في الجمعية الوطنية جان فرانسوا كوبيه, ورئيس حزب الكاثوليك الديموقراطي جان بيير بواسون, وأخيرا نتالي كوسيسكو موريزيه النائبة في الجمعية الوطنية وهي المرأة الوحيدة التي ستشارك في هذه الانتخابات التمهيدية. وتحتدم المنافسة بين ثلاثة مرشحين رئيسيين حيث تظهر آخر استطلاعات الرأي تقدم آلان جوبيه ونيكولا ساركوزي يليهما فرنسوا فيون في المركز الثالث. وعلى الرغم من توقعات استطلاعات الرأي غير أنه يصعب التنبؤ بما ستفرزه نتائج هذه الانتخابات خاصة أن نتيجة الانتخابات الأمريكية جاءت مخالفة لكافة الاستطلاعات وتوقعات وسائل الإعلام وهو ما يفرض حالة من الغموض حول نتائج هذا الاقتراع الحاسم. برامج متشابهة .. برامج المرشحين الثلاثة الأبرز متشابهة حيث يركز مضمونها على الرغبة المشتركة في تعزيز الأمن الداخلي ومراقبة الحدود الأوروبية وخفض النفقات العامة وتخفيض الضرائب ودعم التنافسية والحد بشكل كبير من الهجرة. مما سبق يتبين أن اختيار الناخب سيعتمد على أسلوب المرشح أكثر منه على مضمون البرنامج. في هذا الصدد يعمل ساركوزي على اجتذاب الجمهور من خلال التركيز على "حيويته" وصرامته وخبرته الرئاسية (2007-2012) فضلا عن تبنيه لملفات ذات أولوية لدى الجبهة الوطنية كالهجرة والأمن والاندماج في محاولة لاجتذاب أصوات من اليمين المتطرف فضلا عن حرصه علي الظهور بمظهر "المدافع عمن جردوا من طبقتهم الاجتماعية في وجه النخب" ليبعد عن نفسه صورة "رئيس الأغنياء" التي أطلقت عليه بعد ولايته خمس سنوات في قصر الإليزيه. أما آلان جوبيه, المرشح الأوفر حظا وفقا للكثير من المراقبين, فإنه يعتمد على تبني خطاب أكثر اعتدالا بهدف جمع كافة أطياف الفرنسيين, لاسيما اليمين المعتدل والوسط. ويؤكد جوبيه تفهمه لغضب الفرنسيين ومعاناتهم من الأوضاع التي تمر بها البلاد, غير أنه حذر من خطورة تصاعد النزعة الشعبوية والتطرف مؤكدا أنها ليست أكثر من كذب على الشعب قبل الانتخابات . وفيما يتعلق بفرنسوا فيون الذي يحظى بشعبية لدى أوساط الأعمال فإنه يقدم نفسه باعتباره "الصوت المجدي الوحيد" في الانتخابات التمهيدية ويعتبر برنامجه "مزيجا من اليمين الليبرالي واليمين السلطوي". ويحرص فيون على تسليط الضوء على الحصيلة السلبية لساركوزي في الرئاسة كما يتوقع خيبة هائلة في حال انتخاب جوبيه. وحقق فيون تناميا ملحوظا في شعبيته في الاستطلاعات الأخيرة حيث كشف آخر استطلاع للرأي أجراه معهد إيلاب للدراسات بأن فيون كان الأكثر إقناعا في المناظرة التلفزيونية الثالثة والاخيرة التي جرت الخميس الماضي بين المرشحين السبعة. اليمين المتطرف .. وفي ظل تنامي المخاوف من أزمة الهجرة والاعتداءات الإرهابية فضلا عن تشتت معسكر اليسار, تشير كافة استطلاعات الرأي إلى أن اليمين المتطرف سيصعد إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 2017 أمام مرشح يمين الوسط وهو ما يعني سيناريو مماثل لما حدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2002 عندما تم إقصاء اليسار في الجولة الأولى ممثلا في ليونيل جوسبان وتأهل للجولة الثانية مرشح اليمين آنذاك جاك شيراك أمام مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبين. وينظر العديد من المراقبين بعين الاهتمام إلى الانتخابات التمهيدية الحالية حيث يرون أن الرهان هنا أكبر من مجرد انتخابات حزبية فالأمر لا يقتصر على معركة داخل المعسكر اليميني بل أنها معركة حاسمة للسباق الرئاسي, وأنه في ظل انقسام صفوف اليسار فإن المرشح الفائز في هذه الانتخابات سيصعد للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستنظم بعد أقل من ستة أشهر في فرنسا أمام مارين لوبن مرشحة اليمين المتطرف, وعلى الأغلب سيشق طريقه إلى قصر الإليزيه. كما يرى هذا الفريق من المراقبين أنه بعد الخروج الصادم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية, فإن انتخابات الرئاسة الفرنسية العام المقبل ستكون الاختبار التالي لمدى قوة وصمود القوى السياسية التقليدية التي أصابها الضعف أمام التيار الشعبوي المتصاعد.