رغم مرور سنتين على اندلاع ثورة سوريا، ووجود مشاكل صعبة أمام النظام الحاكم تكفي لجعل الثورة قادرة على إسقاطه، فإن الحالة السورية لم تفصح عن ذلك بعد، ولا تزال النخبة الحاكمة قابعة في السلطة ومتشبثة بها. فلماذا يحدث ذلك؟ ربما أن الأسباب الشاملة غير واضحة للعيان، سواء كانت داخلية أم خارجية، لكن أربعة أسباب جوهرية داخلية، هي التي أجلت من سقوط نظام سوريا: فأولاً، وهو سبب قد يبدو غريباً لأولئك الذين لا يلمون بتفاصيل الوضع الداخلي، ويتعلق بما يمكن تسميته مجازاً بظاهرة استعداء المدن الحضرية من قبل المدن والمناطق الريفية، فدرعا تحارب دمشق ودير الزور تحارب حلب، وقس على ذلك. وتعود هذه الظاهرة إلى ستينيات القرن العشرين، عندما شجع النظام سكان الريف على الهجرة إلى المدن. وبالنسبة لسكان الريف الهدف من الهجرة هو التحرك إلى أعلى ضمن الهرم الاجتماعي، لكن النتائج تمخضت عن صعوبات اقتصادية استفحل أمرها، وجعل من أهل الريف ناقمين على سكان المدن الكبرى، لأنهم تأثروا بالهجرة سلباً. ومع حلول عام 2010 كانت دمشق وحلب تضمان وحدهما عشرة ملايين نسمة من مجموع سكان سوريا البالغ عددهم 20 مليوناً. وفي الوقت الذي تحمل فيه سكان الأرياف عبء الثورة في بداية اندلاعها، بقي سكان دمشق العاصمة السياسية، وسكان حلب العاصمة الاقتصادية خارج الصراع. هذه الحقيقة ذات أهمية كبرى لأن هاتين المدينتين تشكلان صلب دعم النظام ودعمهما له حيوي في قدرته على البقاء، وبقاؤهما بعيدتين عن جوهر الثورة لفترة طويلة نسبياً قلل فرص سقوط النظام منذ البداية. ثانياً، النظام السوري يكافئ مؤيديه، ومنذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة في نوفمبر عام 1970 أقام نظاماً سياسياً أغدق من خلاله الفوائد والمكافآت على مؤيديه والمنتسبين إليه لكي يعزز شرعيته. وبعد وفاة الأب في يونيو عام 2000 ورث الابن بنية ذلك النظام، واستمر في المحافظة عليها وتقويتها، ومن الصعب على من يستفيدون من نظام مستمر لثلاثة وأربعين عاماً التخلي عن مكاسبهم بسهولة. وثالثاً، عدم وجود معارضة منظمة ذات وزن يعتد به حتى الآن، فرغم أن المظاهرات والاحتجاجات بدأت في فبراير عام 2011، فإن الأغلبية لم تنضم إليها بشكل كامل يفصح عن وحدة شعبية متراصة وتناغم كلي. ويلاحظ أيضاً وجود وتغيير في مواقف الأقليات المتعددة من تأييدها للنظام، وبعبارة أخرى، فإن تردد الأغلبية وغياب الأقليات عن المعارضة المسلحة يوضح المدى الذي تظهر فيه تلك الأطراف رغباتها في بقاء النظام في السلطة، لأنها إما لا ترى بديلاً مناسباً جاهزاً له، أو أنها قلقة من وصول الإسلاميين إلى السلطة، أو من تمزق سورية إلى أشلاء. رابعاً: وأخيراً ولاء الجيش للرئيس شخصياً، وتركيبة الجيش المنوعة. وبالعودة إلى مرحلة تأسيس الجيش على يد فرنسا، شجعت انضمام الأقليات إلى صفوفه، وأصبح للعلويين كأقلية جذور عميقة فيه. لذلك فإن الخلية الأساسية في اللجنة العسكرية التي نفذت انقلاب مارس عام 1963 كانت تتكون من خمسة أعضاء ينتمون إلى الأقليات، ثلاثة منهم علويون هم صلاح جديد، ومهند عمران وحافظ الأسد. وبعد أن وصل الأسد إلى السلطة، سيطر العلويون على الجيش بكامله وعلى الأجهزة الأمنية الأخرى. وفي هذه المرحلة 90 بالمائة من القادة الكبار للقوات المسلحة، بما في ذلك وحدات النخبة والميليشيا والشبيحة هم علويون. إن ذلك يعطي الطائفة العلوية مداخل إلى السلطة والقدرة على الاستمرار في السيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع، ما أدى إلى عدم سقوط النظام. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية