أضحى رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، ضعيفاً حتى في داخل حزبه "الليكود"، حيث تزايدت الانتقادات التي توجه له. وقد نقلت صحف إسرائيلية عن مصادر من داخل الحزب "أن كثيرين اعتبروا نتنياهو فاشلاً، وأن طريقته في إدارة قيادة الانتخابات كانت كارثة لم يسبق لها مثيل في تاريخ أحزاب اليمين"، وطالبوا بمحاسبته وإسقاطه. ويرى "يوسي فيرتر" أن "قائمة الليكود- بيتنا هزمت هزيمة شديدة لاذعة. وتلقى هو شخصياً لطمة مجلجلة من مصوتي اليمين. سيحافظ على مقعده، لكن في ظروف أصعب، وفي بيئة ائتلافية أقل إطراءً، وفي حزب سيطغى شعوره بالمرارة رويداً رويداً". بل إن أسرة تحرير "هآرتس" كتبت تقول: "هذا يدل على أن نتنياهو هو رجل الماضي". وفي تقرير لمركز أطلس للدراسات الإسرائيلية في قراءة لنتائج انتخابات الكنيست الأخيرة جاء: "صحيح أن نتنياهو لا يزال هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يشكل الحكومة القادمة، لكنه سيكون أشبه بسلطان دون سلطات حقيقية، أو ليس أكثر من ملك صوري"، كما ينقل التقرير عن الصحفي من "هآرتس"، جدعون ليفي. نتائج الانتخابات مع فوز "يئيش عتيد" بموقع الحزب الثاني في الخريطة السياسية، تؤشر إلى أن الإسرائيليين رفضوا استمرار الجنوح إلى اليمين، واختاروا تيار "الوسط" ربما لتعزيز موقع إسرائيل على الساحة الدولية رغم استمرار قوة التيار اليميني الأشد تطرفاً. وقد كتب "اري شافيت" في صحيفة "هآرتس" يقول: "ثملين بالسلطة، دفع المستوطنون والقوميون الناس إلى أن يضيقوا ذرعاً بهم وسمحوا لنجم تلفزيوني بلا خبرة بنقل أربعة أو خمسة مقاعد مهمة من كتلة اليمين إلى كتلة الوسط في الكنيست". وأضاف: "تبين هذا الأسبوع أن الاتجاه الغبي من اليمين إلى اليمين انتهى، خلافاً للانطباع الذي ساد العالمَ بأن إسرائيل ليست دينية، وليست عنصرية وليست ضد الديمقراطية، فنحن لسنا جميعاً موشيه فيجلين (زعيم لوبي المستوطنين في الليكود)"! إذن، المشكلة تكمن في نتنياهو نفسه. ويقول "بوعز بسموت" في مقال "أمريكا أخرى ورئيس آخر": "إن نتنياهو شخصية مأساوية، فقد وصل مرتين إلى الحكم، واستقرت آراء الناخبين مرتين على إنهاء ولايته بضربة مُذلة لا لأنه رئيس وزراء سيىء جداً، بل لأنه يُنفر الجمهور منه مرة بعد أخرى بإجراءاته وسلوكه... إنه وعائلته مستعد لأن يفعل كل فعل مذموم بشرط ألا يسلبوها المنصب الفخم وكتائب الحُراس والانتباه". ومع توقع المحللين الإسرائيليين أن يركز نتنياهو على قضايا محلية، مثل الحد من عجز الميزانية ومعالجة الشكاوى من أعفاء طلبة المدارس الدينية من الخدمة العسكرية وتوفير مساكن أرخص للشبان، إلا أن سياسته خاصة ما يتعلق بالاستعمار (الاستيطان)، وإيران سترهقه. فأداؤه الباهت سيجدد الضغوط عليه فيما يتعلق بموقفه المتشدد إزاء قيام الدولة الفلسطينية ووقف "الاستيطان" كما سيقيد المجال المتاح أمامه للمناورة في مواجهة إيران. ذلك أن الدوامة السياسية التي يعيشها نتنياهو اليوم تجبره على الاختيار بين خيارين كلاهما مر: أولاً؛ تحالفه مع يائير لابيد، زعيم حزب "يئيش عتيد" (يوجد مستقبل) الذي فاز ب 19 مقعداً، يمكن أن تنسفه مطالبة الأخير بأن يؤدي طلبة المعاهد الدينية الخدمة العسكرية ودعوته لإحياء محادثات السلام الفلسطينية المتعثرة رغم أن احتمالات التقدم تبدو ضعيفة. وفي هذا الشأن يقول "شموئيل ساندلر"، الأستاذ في مركز بيجن -السادات بجامعة بار ايلان، إن "نتنياهو في حاجة إلى العمل مع لابيد وإلى أن يكشف عن وجه أكثر اعتدالاً للعالم. وإذا لم يتمكن من ذلك فسيثير هذا مشكلات كثيرة له. لكن توفيق الآراء في القضية الفلسطينية لن يكون سهلاً.. لن يكون هذا طريقاً سهلاً، وسيكون تشكيل الحكومة أمراً أصعب من ذي قبل". ثانياً: احتمال نجاح نتنياهو في تشكيل ائتلاف أكثر يمينية من الائتلاف السابق، بعد إعلان زعماء حزبي "شاس" و" التوراة اليهودي المتحد" (18 مقعداً) أنهما سيتحالفان من أجل الدخول في أي حكومة ائتلافية يشكلها نتنياهو لمقاومة حزب "يئيش عتيد" الذي يتعهد بحرمان المتدينين المتشددين من مزايا تقليدية حصلوا عليها ابتزازاً. خلاصة القول إن نتنياهو بات بلا "عمود فقري" يحفظ تماسك "نخاعه الشوكي" مثلما أصبح هلامياً لا شكل صلب يحدد توجهاته، وكل الفرص أمامه رجراجة! وتستخلص "سيما كدمون" الموقف كما يلي: "يعلم كل من يعرف نتنياهو أنه شخص لا يلتزم أبداً، إلا إذا كان محتاجاً لأحد ما أو لشيء معين. ولم يكن هناك إلى الآن ما يدعوه للالتزام، لا لأحزاب ولا لأعضاء كتلته الحزبية". فهو إن نجح في تشكيل حكومة، فإنها لن تكون ذات حضور قوي بحيث تشكل عموداً فقرياً للدولة: فأولاً، التنازل عن تحالفه مع الأحزاب الدينية وتشكيل ائتلاف مع "يئيش عنيد" يعني التسبب في حالة غليان لدى الأوساط الدينية وإشعال احتجاج شعبي كبير من طرفهم مع تشكيل معارضة متشددة في الكنيست. ثانياً، ائتلاف يمين ومتدينين: وهو الأسهل لكنه سيزيد من العزلة، الداخلية والخارجية، التي يعانيها نتنياهو. ثالثاً، أن جهود الجمع بين حزبي (العمل) و(يئيش عنيد) والأحزاب الدينية، ستكون قد أدت إلى حالة معرضة للانفراط بسهولة نتيجة الخلافات الجوهرية بين الأطراف جميعاً". ويلخص ذلك "ناحوم برنياع" في مقال بعنوان "فشل... في ستة دروس"، حيث يقول: "لن يحدث هذا كما يبدو. فنتائج الانتخابات تدع لنتنياهو إمكانية محدودة لإنشاء حكومة أو حكومة ضيقة قائمة على المتدينين والحريديين، أو حكومة أوسع شيئاً ما بمشاركة قائمة لابيد وآخرين. ولن يكون له من هذه الجنازة فرح كبير". هذا على الصعيد الداخلي. أما على الصعيد الخارجي، فإن نتنياهو سيكون الخاسر الأكبر. ذلك أنه في هذا الوضع، ودون عمود فقري في البيئة السياسية والحزبية المستجدة، بات بابه السياسي مفتوحاً على مصراعيه أمام أي قوة، الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعظم دول أوروبا الغربية، كي تضرب (إن هي شاءت) على هذا العمود الفقري، بحيث (1) يتألم نتنياهو سياسياً وبالتالي يغير مواقفه، رغم أن مثل هذا التغيير يعتبر أمراً مستبعداً، أو (2) تؤدي به تحالفاته مع اليمين المتطرف (القومي والديني) إلى مزيد من استفزاز الغرب عموماً، والولاياتالمتحدة خصوصاً، الأمر الذي سيدفع به نحو الخروج من الساحة كما حدث معه في الولاية الأولى (1996 -1999). نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية