يعد استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية من ابرز القضايا المثارة علي مستوي العالم خلال السنوات الأخيرة في ظل تزايد الطلب علي الطاقة بمختلف اشكالها لتحقيق النمو الإقتصادي والرفاهية لأكبر قدر من البشر في ارجاء الأرض. وفي هذا المضمار برز استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء النظيفة كشعلة من الأمل التي يمكن ان تتحقق علي ضوئها آمال الكثير من الدول النامية في الحصول علي طاقة نظيفة منخفضة السعر تكفل مستقبلا افضل للأجيال القادمة. حتمية الإنطلاق : فوسط حالة من سوء توزيع الطاقة علي كوكبنا والعجز الواضح في المعروض من الطاقة الكهربائية علي وجه التحديد تشير الإحصائيات الي وجود ما يقرب من1.6 مليار شخص- أي اكثر من سدس سكان الكوكب- يعيشون بلا كهرباء بينما يعيش2.4 مليار شخص علي المصادر التقليدية الحيوية البدائية للطاقة( مثل الحطب والفحم)وقد وصل نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في بعض الدول الأفريقية الي50 كيلواط ساعة سنويا مقارنة بمتوسط نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء في دول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية والذي يقدر ب8600 كيلواط ساعة سنويا. وازاء حالة اللاتوازن في توزيع الطاقة بين الدول المتقدمة والدول النامية وفي ظل زيادة حاجة الأخيرة الي المزيد من الطاقة للتوسع في التنمية دون الإضرار بالبيئة( وهو ما يتحقق من التوسع في استخدام البترول ومشتقاته) انطلقت دول العالم النامي منها علي وجه الخصوص نحو الإستعانة بالمفاعلات النووية في توليد الكهرباء. وفي كلمة ادلي بها محمد البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية اشار الي ان انماط الطلب علي اقامة المفاعلات النووية قد تغيرت فبعد ان كانت اقامة المفاعلات تتركز في الدول المتقدمة فيما مضي دخلت الدول ذات الإقتصاديات الواعدة والنامية في المضمار ولم يكن من العجيب ان يكون بالدول النامية 16 مفاعلا من اجمالي 30 مفاعلا جديدا يتم تشييدهما حاليا في انحاء العالم. وعلي مستوي العالم فهناك ما يقدر ب435 مفاعلا نوويا حتي نهاية2006( منها103 مفاعلات بالولايات المتحدة وحدها) تعمل علي توليد الطاقة ب30 دولة حيث تنتج تلك المفاعلات في مجموعها ما يقدر ب15.2% من إجمالي الطاقة الكهربائية في كوكبنا. وفيما يتعلق بالرؤية المستقبلية لاستخدام المفاعلات النووية في انتاج الطاقة الكهربائية اشارت الإحصائيات من خلال توقعات الوكالة الدولية الواردة بالتقرير النصف سنوي الذي صدر في اكتوبر2007 تحت عنوان' القوي النووية في العالم:الوضع والتوقعات.. الطاقة والكهرباء والقوي النووية حتي عام2030 الي ان انتاج العالم في نهاية عام2006 قدر ب370 جيجا واط كهربائي(1 جيجا واط= الف ميجا واط= مليار واط) وينتظر بحلول عام2030 ان يتراوح بين447 جيجا واط بحد ادني و679جيجا واط. وهو تطور مذهل فخلال عام1960 كانت الكهرباء المنتجة من المفاعلات النووية تمثل1% فقط من اجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم ثم ارتفعت لتصل النسبة الي16% بحلول عام1986 قبل ان تثبت عند مستوي15.2% بنهاية عام2006. وتجدر الإشارة الي ان المفاعلات النووية انتجت في عام2006 ما قدر ب78.1% من إجمالي انتاج الكهرباء بفرنسا التي تمتلك وحدها59 مفاعل متفوقة علي اليابان التي تمتلك55 مفاعلا وروسيا31 مفاعلا وتنتظر اضافة7 مفاعلات جديدة. واليوم يقدر ما تنتجه المفاعلات النووية بالولايات المتحدة ب19% من اجمالي انتاج البلاد من الكهرباء بينما تقدر تلك النسبة ب16% في روسيا و38.6% في كوريا الجنوبية التي تمتلك20 مفاعلا و30% في اليابان التي تعتزم زيادة تلك النسبة الي40% خلال السنوات العشر القادمة. اما الهند فتحصل من مفاعلاتها ال16 علي اقل من3% من احتياجاتها الكهربائية ولكنها تشيد حاليا7 مفاعلات جديدة دفعة واحدة في ظل خطط لزيادة نسبة اسهام المفاعلات النووية في انتاج الكهرباء بالبلاد من3% عام2006 الي10% بحلول عام2022 و26% بحلول عام2052. وبوجه عام تتمثل عوامل زيادة الإعتماد علي المفاعلات النووية في توليد الطاقة في: (1)الرغبة في تنويع مصادر الطاقة وتأمين مواردها في ظل الازمات( سياسية وعسكرية) التي تحيط بمصادر البترول والغاز والتوقعات بنضوب الكثير من آبار البترول والغاز في غضون عقود قليلة. (2) دافع المحافظة علي البيئة حيث تعد الكهرباء المنتجة من المفاعلات النووية الخيار الأكثر نظافة بين مصادر الطاقة التقليدية. (3) قوة الإنجازات التي حققتها المفاعلات النووية خلال العقدين الأخيرين من حيث انخفاض تكلفة انتاج الكهرباء مقارنة بحجم الانتاج. القيود ولكن وعلي الرغم من توافر الدوافع المنطقية السليمة للسعي الي التوسع في اقامة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية فإن هناك من العوامل المقيدة والتحديات ما يوضع في الحسبان ويتناول بدقة وحرص شديدين وتلك العوامل هي: (1) الأمان النووي,(2) الأمن النووي,(3)النفايات النووية,(4)التخوف من الإخلال بسياسة منع الإنتشار النووي,(5)تراجع معدلات نمو الطلب علي الكهرباء في الدول المتقدمة.(6)تزايد المعارضة الجماهيرية لاستخدام الطاقة النووية نتيجة دوافع سياسية. (7)بعض المعوقات المالية والمؤسسية التي تحول دون استكمال تنفيذ الخطط النووية لبعض الدول وخاصة الدول النامية او ذات الإقتصاديات الواعدة.(8)عدم وجود آليات ملائمة لنقل التكنولوجيا النووية وتمويل المشروعات النووية بالدول النامية. اما ابرز ما يطيل من الفترة الزمنية التي تتطلبها اقامة المفاعل النووي فهي البنية الأساسية التي تختلف عن اي مشروع اخر من مشاريع الطاقة.. فخطأ وحيد قد يكلف البشرية مئات الألاف من القتلي والمشوهين لعقود تالية. فعلي سبيل المثال لا الحصر احيت بريطانيا خلال شهر اكتوبر2007 الذكري ال50 لحادثة اشتعال مفاعلها النووي في ويندسكيل بكامبريا والذي كان يعد الأسوأ في تاريخ البشرية الي ان وقع حادث مفاعل ثري مايل أيلاندعام1979 بالولايات المتحدة وثم كارثة مفاعل تشيرنوبيل بروسيا عام1986.