فشلت كل مساعي التوسط لإعادة أحد الصبية لورشة السمكرة التي كان يعمل بها بدعوي نشوز أدائه عن الآخرين خلال عملية الطرق علي الصاج. بينما كان الصوت الكلاسيكي أو الحالم فاتحة خير علي مربي الأبقار الأوروبية عندما اكتشفوا تأثيره علي زيادة إدرارها للألبان. وعلي العكس منها فقد استغلت بعض المقاطعات الصينية الصوت المفزع في حماية محاصيلها الزراعية من الطيور بإزعاجها بالطرق علي الصفائح لتسقط مجهدة من الطيران المستمر. هذه نماذج توضح أثر الصوت علي الحالة النفسية والجسمانية للكائنات الحية عموما وعلي الانسان بصفة خاصة: بالإيجاب عندما يصدر منسجما أو متوافقا مع النفس ليبعث علي الارتياح أو الهدوء والاطمئنان وربما النوم كصوت الام وهي تهدهد وليدها أو تنفس النائم الذي تبثه قناة Gulli ليلا ليبعث علي الارتخاء ويوحي بالنوم. وقد يصل بأثره لزيادة الخشوع أو التجاوب العاطفي أو الحركة عندما يصدر بتوافق أو تجانس أو رتم تتقبله الأذن ويتغلغل في النفوس ليتم استغلاله في العلاج النفسي أو العضوي. أو بوتيرة حماسية تلهب الأفئدة وتؤجج المشاعر لتستحثها علي الحرب أو النزال. الصوت قد ينعكس بمردود سلبي أو سييء يبعث علي العبوس والملل أو التأفف والضجر وقد يتعداه للانزعاج والهلع والتوتر المسبب لزيادة المشاحنات بين البشر أو المخلوقات. عندما يصدر نشازا بلا توافق أو موالفة. وقد يوحي بالخوف أو الرعب عندما ينبعث عن مصدر مقلق كزئير الأسد أو بفجائية تثير الفزع كهزيم الرعد أو الطرق المتقطع غير المتوقع علي مصدر للصوت كقرص نحاسي استخدموه في الماضي لتعذيب السجناء أو الأسري أو لإجبارهم علي الاعتراف بالطرق عليه لشد انتباهم كلما هموا بالنوم فتتوتر أعصابهم وقد تدفعهم للجنون أو الانتحار. وقضية الصوت تلمس عدة نواح من أهمها: مصدره. ودرجة تقبل النفس البشرية له. ثم طريقة الأداء أو تآلفه. فغياب المايسترو أو النوت الموسيقية يحول أداء أي جوقة إلي تهريج. والطبلة التي يتلاعب بها فنان ماهر "كالملقب بكتكوت بالستينيات "يمكن أن تحرك الجمهور بمقاعده طربا وتجاوبا معها. وهي نفسها التي لو اعطيت "لهبلة" في زفة لانتهي العرس بمعازيمه في أحد أقسام الشرطة. ويعتمد الإحساس بالصوت علي جهاز السمع. الذي يتأثر بشدة الصوت التي تقاس بالدسيبل DB والذي لا تحس به الاذن البشرية عندما يقل عن الخمسة لضعف تضاغط وتخلخل جزئيات الهواء الناقلة له. بينما تميزه وتتعامل به بعض الكائنات الحية الأخري. وتبدأ الأذن البشرية في تمييزه عندما يتعدي العشرة كحفيف الأشجار أو تنفس النائم ليلا. بينما تتراوح شدة الصوت في التعاملات البشرية بين "603" DB وتقترب من حدها الأقصي بين المعايشين للضوضاء المستمرة في الورش والمطاعم وفصول الدراسة والشوارع والقطارات وحتي المنازل التي تعج بالاطفال والأجهزة والتي تضطرنا مع تدني حاسة وحساسية السمع لرفع أصواتنا خلال الحديث والنقاش لتضعنا في صدارة الدول الأكثر إزعاجاً والأكثر تدنيا في حاسة وحاسية السمع وتصورنا أمام زوار مدننا من القري أو الأجانب كما لو كنا نتعارك. وتمتد لتفسد تذوقنا السمعي تدريجا بعد أن لازم الطنين آذاننا والصداع رؤوسنا واتسع الارتباك في سلوكنا والأرق في منامنا لتزداد ضربات القلب والآلام في العديد من أعضائنا حتي فقدنا الشهية وأصاب الكثيرين منا عسر الهضم وضعف التركيز والقدرة علي الاستيعاب والتذكر ليقل الإنتاج وتتنامي الاضطرابات النفسية والعصبية بعد اقتراب بعض المصادر من المائة ديسيبل وربما 130 DB التي توازي صوت اقلاع الطائرات أو الساوند العالي الذي أفسد استمتاعنا بالافراح وأفقدنا الاحساس ببهجتها وطال اثرها لتخرجنا عن الخشوع والتدبر في المآتم لتجعلنا نكره الافراح ونتأفف من القيام بواجبات العزاء. وليس ببعيد أن تكون تلك الضوضاء أحد أسباب رفض الفيفا لتنظيمنا لمونديال 2010 أو الرمز الذي تمحور حوله موضوع فيلم "النوم في العسل" أيضا!. وإذا كانت عوازل أو سدادات الأذن قد تخفف من وقع التلوث السمعي علينا. إلا أنها لن تغني عن حاجتنا للهدوء كرمز للتحضر والرقي في حياتنا وحواراتنا وإعادة تشكيل السلوك البشري ببث الوعي البيئي وبتركيز إعلامي مستمر. تدعمه تشريعات رادعة. تتعدي مصادرة الأجهزة الباعثة للضجيج أو الغرامة إلي الحبس وغلق أماكن انبعاثاتها وسحب رخص المركبات المسببة للازعاج وبخاصة في المدن ودون تساهل مع مسببيها مادمنا قد فقدنا الاحساس بالغير وأسأنا استغلال الحرية لإقلاق الآخرين وطرد السكينة من ديارنا لتزداد حسرتنا علي الزمن الجميل.. بعد أن فقدنا التمييز بين نهيق الحمير وأصوات الباعة الجائلين وبين المنادي علي الانابيب والمدعي بخلافته للعندليب وأسأنا لإحدي أهم نعم المولي علينا.. نعمة السمع.