اللهم لا حسد علي الرغم من أن المسألة ليست كذلك بقدر ما هي غيظ وشفقة. شفقة ليس طبعا علي الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر أو في العشوائيات أو العاطلين عن العمل، بل علي الحيوانات التي يتم «حلبها» بتحايل قد يكون الإنسان في حاجة إلي جزء منه لكي يشعر بأنه حي. الفكرة ببساطة تدور حول تجربة تجريها مزرعة أبقار في إحدي القري بضواحي موسكو. فقد تم تزويد حظيرة الأبقار بست شاشات عريضة ركبت فوق معالف الحيوانات لعرض صور للمروج الخضراء بمرافقة موسيقي كلاسيكية. ويري أصحاب هذه الفكرة أن الصور المثيرة للشهية والموسيقي الباعثة علي الاسترخاء ستضاعف من كمية الحليب الذي تدره الأبقار. في الحقيقة لا تشارك آلاف أو ملايين الأبقار في هذه التجربة المثيرة للغيرة والحقد، كل ما في الأمر أن عشرين بقرة فقط تشارك في التجربة، أسعد الحظ 10 منها للاستمتاع بالشاشات والموسيقي الكلاسيكية، حيث تم تقسيمها إلي مجموعتين. الأولي في حظائر مزودة بالشاشات والأخري في حظائر عادية. وفي نهاية التجربة سيوزن الحليب الذي تم الحصول عليه من كلتا المجموعتين للتأكد مما إذا كانت المؤثرات البصرية والصوتية قد آتت ثمارها. يقول رئيس اتحاد عمال الزراعة في روسيا إن تحديث مزارع الأبقار بهذا الشكل سيكون رائعًا إذا كانت بقية الظروف مثالية، فيجب أن تكون الحظيرة دافئة، وأن يرتدي العاملون فيها ملابس خاصة! علي الجانب الآخر من زريبة الأبقار الروسية، اندهش المواطنون الروس، ومن بينهم عمال الزرائب، عندما علموا أن عدد أصحاب المليارات في روسيا تضاعف خلال عام واحد. إذ ارتفع عددهم من 32 في عام 2008 إلي 62 في عام 2009، علمًا بأن الناتج الإجمالي المحلي سجل انخفاضاً قياسياً بلغ 8%. وكعادة الإعلام إياه، طبلت الصحف الحكومية وزمرت بشيء من الاعتزاز والفخر. في حين سارع الخبراء إلي الكشف عن أسباب هذه القفزة العجيبة في عدد أصحاب المليارات الروس. ورأوا أنه لا شيء يدعو إلي العجب لأن رئيس الحكومة فلاديمير بوتين تعهد طواغيت المال بالعناية والرعاية، لدرجة أن أحد طواغيت الإعلام الروس فلاديمير ليسين تضاعفت ثروته من 7.7 مليار دولار عام 2008 إلي 7.18 مليار دولار في عام 2009 رغم الأزمة المالية الطاحنة! وفي الحقيقة، لم تقتصر الزيادة علي عدد أصحاب المليارات بل شملت أيضاً ذوي الدخل المحدود الذين ارتفع عددهم من 43 % إلي 51 %، في حين يتم تصنيف المتقاعدين ومَن هم علي أبواب التقاعد في عداد القريبين من خط الفقر. ويبلغ عدد هؤلاء 15 مليوناً (حسب الإحصائيات الرسمية غير الدقيقة!) يضاف إليهم 4 ملايين تحت خط الفقر (حسب نفس الإحصائيات غير الدقيقة أيضا!). رئيس الحكومة طمأن المواطنين بأن الاقتصاد الوطني تجاوز مرحلة الخطر. في حين تؤكد أعداد العاطلين عكس ذلك. وتدل المعطيات علي تنامي البطالة منذ مطلع العام الحالي لتتجاوز نسبة 9% من مجمل المواطنين القادرين علي العمل في روسيا. وفيما رأي الخبراء أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلي مزيد من الاحتقان السياسي والاجتماعي، قللت وزيرة الصحة والتنمية الاجتماعية من خطورة الوضع وعزت نمو نسبة البطالة في بداية العام الحالي إلي ما أسمته العواملِ الموسمية!