هل توجد إعلانات طرح وحدات إسكان اجتماعي قريبا؟.. مي عبد الحميد تجيب    رئيس بلدية رفح الفلسطينية: المدينة أصبحت منكوبة وأوضاعها كارثية    تعرف على موعد مباراة المنتخب أمام بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    التحفظ على كاميرات مراقبة لكشف ملابسات حادث تصادم نجل الفنان أحمد رزق    أحمد موسى يطالب برفع أسعار الخدمات المقدمة للسائحين بالفنادق.. (فيديو)    تفاصيل الحالة الصحية للفنانة ليلى طاهر    تراجع إيرادات فيلم "شقو" في إيرادات أمس    القبض على «ٌقمر الوراق» بحوزتها 2.5 كيلو «حشيش» (التفاصيل الكاملة)    الاتحاد السكندري يعلن قبوله دفعه جديدة من الناشئين بسعر رمزي لشراء استمارة التقديم    ما حكم الصلاة الفائتة بعد الإفاقة من البنج؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ أسوان يترأس اجتماع مجلس الصحة الإقليمي (تفاصيل)    بسبب نادي نيس.. مانشستر يونايتد قد يشارك في دوري المؤتمر الأوروبي    محافظ جنوب سيناء يترأس الاجتماع الأسبوعي لمتابعة الموقف التنفيذي للمشروعات    شركات محددة تستحوذ على "نصيب الأسد"، اتهامات بالتلاعب في تخصيص الأراضي بالدولار    ضبط شخص يدير صفحة عبر "فسيبوك" للنصب على أهالي كفر الشيخ    رئيس الأعلى للإعلام يشيد بالعلاقات القوية بين مصر والسعودية    ختام المؤتمر العربي ال22 لرؤساء المؤسسات العقابية والإصلاحية    لاعب أرسنال: الأعين كلها نحو رفح    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    كشف ملابسات سرقة سائق بإحدى شركات تطبيقات النقل الذكي حقيبة سيدة    الخميس.. قصور الثقافة تقيم حفل أغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بمسرح السامر مجانا    قومية سوهاج تقدم عرض اللعبة ضمن موسم مسرح قصور الثقافة بالصعيد    محافظ الإسماعيلية يشيد بدور مجلس الدولة في فض المنازعات وصياغة القوانين    تعرف علي مناطق ومواعيد قطع المياه غدا الاربعاء بمركز طلخا في الدقهلية    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    عضو تنسيقية تقدُّم: إعلان مجلس السيادة السوداني عن حكومة كفاءات وشيكة تهديدٌ للقوى المدنية    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    «الضوابط والمحددات الخاصة بإعداد الحساب الختامي» ورشة عمل بجامعة بني سويف    رئيس جامعة بني سويف يشهد الاحتفال بيوم الطبيب    شبانة: لجنة التخطيط تطالب كولر بحسم موقف المعارين لهذا السبب    محمد نشأت العمده: افتتاح الرئيس لمشاريع جنوب الوادي يضيف للتنمية الشاملة    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية البراجيل في ملوي غدًا    دفاع الفنان عباس أبو الحسن: تسلمنا سيارة موكلى ونتتظر سماع أقوال المصابتين    الطب البيطرى: تحصين 144 ألفا و711 رأس ماشية ضد الحمى القلاعية بالجيزة    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    محافظ الجيزة: تطوير وتوسعة ورصف طريق الطرفاية البطئ    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    نسألك أن تنصر أهل رفح على أعدائهم.. أفضل الأدعية لنصرة أهل غزة ورفح (ردده الآن)    وزيرة الهجرة تلتقي أحد رموز الجالية المصرية في سويسرا للاستماع لأفكاره    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية    كارول سماحة تعلق على مجزرة رفح: «قلبي اتحرق»    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    دويدار: الجزيري أفضل من وسام أبو علي... وأتوقع فوز الزمالك على الأهلي في السوبر الإفريقي    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة: المصريون‏..‏ بين المواجهة والهروب
نشر في أخبار مصر يوم 07 - 09 - 2012

خلاف الرأي لا يفسد للود قضية‏..‏ كلمات قليلة كنا نعبر عليها دون ان نتوقف كثيرا امامها،‏ فقد كانت في يوم من الأيام من بديهيات المواقف والأفكار‏..‏ ولكن مع تغير الظروف والأحوال وتراجع نظرتنا للأمور افسد خلاف الرأي كل شئ في حياتنا، ومن يتابع صورة المجتمع المصري الآن من بعيد تصيبه الحيرة وتمتلكه مشاعر الغضب كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الرفض للآخر وتأكيد نظرية الإقصاء، وهي اسوأ ما خلف لنا النظام السابق.
توقفت كثيرا عند بعض الأحداث التي عايشتها في الفترة الماضية والخلافات الحادة التي دارت حولها، وطرحت هذا السؤال هل من الضروري ان نتفق على كل شئ، وماهي حدود الخلافات بيننا، ومتى اتفق الناس على شئ وقد خلقنا الله سبحانه بملايين الوجوه والأفكار والمشاعر.. وإذا اختلفنا فهل يعني ذلك الإقصاء والرفض ام ان الخلاف يعني ان تبقي بيننا مسافة اقل ما فيها الاحترام ثم الإحتكام في النهاية إلى صوت العقل والضمير؟!.
تلقيت ردود افعال واسعة حول قبولي المشاركة بالرأي والمشورة في الفريق الرئاسي ضمن نخبة فكرية وسياسية متنوعة وإن كانت تستحق المزيد من التنوع وتعدد وجهات النظر.. البعض رأي في هذا القبول موقفا مرفوضا، ودخولا في عباءة الإخوان وكأنهم فصيل جاء من خارج هذا الوطن واستولى في غفلة منا على السلطة.. وفي تقديري اننا عانينا زمنا طويلا من عمليات الإقصاء وعدم قبول الآخر وكان النموذج الصارخ في ذلك ما حدث بين النظام السابق والإخوان المسلمين وفي الوقت الذي كان فيه النظام يقطع كل الروابط معهم كانوا يزدادون تشبثا بالأرض وتأثيرا في الشارع..
إن مصر تحتاجنا الآن جميعا وكل مواطن يرفض المشاركة للخروج بها من هذا المأزق التاريخي يعتبر مقصرا في حق نفسه ووطنه.. وسوف اصل إلى درجة اخطر واقول ان المطلوب من جميع القوى الآن ان تقتحم المشهد من خلال مشاركة فعالة حتى ولو كان ذلك ضد رغبة الإخوان المسلمين أو سياساتهم.. لقد قبلت شاكرا ان اكون مستشارا لرئيس الجمهورية في شئون الثقافة وهي عقل الأمة وضميرها واي إنجاز في هذا المجال يزيد مساحة الضوء في العقول ويدفع بنا إلى افاق اوسع من العمق والوعي والفهم امام جحافل السطحية والتفاهات وثقافة الهشك بشك التي اجتاحت حياة المصريين زمنا.. ما اسهل ان نجلس بعيدا نشاهد الصورة ونسخر منها أو نرفضها ولكن الشئ المجدي ان نلتحم معها ونعيد تشكيلها وتغيير مسارها الذي لا نرضي عنه ولا يتناسب مع ثوابتنا وقناعاتنا.. وإذا اكتشفنا عدم جدوى الأشياء فإن الإنسان ينسحب راضيا انه لم يجلس في صفوف المتفرجين وجلس يلعن الظلام ولم يحاول ان يضئ شمعة.. إذا كنت قبلت المشاركة في إنجاز شيء يفيد هذا الوطن فلن اتردد في الانسحاب في اي لحظة إذا حالت ظروف ما بيني وبين تحقيق هذا الهدف، فلست من هواة المناصب ولابد ان اعترف بأن بيني وبين السلطة في كل صورها مسافة بعيدة ولكن في ظرف تاريخي يعيشه الوطن عندي قناعة ان اتنازل عن كل تحفظاتي السابقة من اجل نقطة ضوء تسري في ربوع هذا الوطن بالعقل والحكمة والحوار، انا شخصيا كنت في حالة صدام سنوات طويلة مع العهد البائد ولن يتغير موقفي مع النظام الحالي إذا لم يسلك طريقا يعيد لهذا الوطن دوره وامنه واستقراره، لقد عارضت العهد البائد عشرين عاما ولدي استعداد ان اعارض النظام الحالي ما بقى لي من العمر إذا لم يحقق احلام هذا الشعب في الحرية والكرامة والعدالة، وهي مطالب المصريين في ثورة يناير.
القضية الثانية التي وجدت نفسي طرفا فيها هي الجمعية التأسيسية للدستور سواء في تشكيلها الأول أو صورتها الثانية.. لقد اختلف البعض حول جدوى البقاء في جمعية تنتظر حكما قضائيا بإلغائها، أو قرارا ينهي كل شيء.. وهنا اريد ان اوضح بعض الحقائق من خلال رصد امين لنشاط هذه الجمعية وما قامت به حتى الأن في إعداد الدستور:
هناك تناقضات كثيرة من حيث الفكر والرؤى داخل الجمعية ولكن هناك مناطق ألغام وخلافات حادة نجحت الجمعية برئاسة المستشار حسام الغرياني في تجاوزها.. هناك مواد مهمة كانت مثار خلافات حادة تم تذليل العقبات حولها.. وهناك حالات من التشدد غير المبرر تم الاتفاق عليها، ورغم كل الصعوبات كانت هناك مساحة لا بأس بها من التفاهم.
كنت اتمنى ان تزداد مساحة المشاركة من اطراف اخرى خاصة الأعضاء المعتذرين لأن وجودهم مكسب كبير للجمعية وإثراء لأفكارها وتوجهاتها بحيث لا يسيطر عليها تيار واحد، وانا لا ألوم فقط من يحتكر الحقيقة ولكن اللوم اكثر على الهاربين منها.
إذا تغيرت الأحوال وتم إعادة تشكيل الجمعية الحالية فأنا على يقين ان ما انجزته في إعداد الدستور إنجاز حقيقي لا يمكن الاستغناء عنه وسوف تعتمد عليه اي جمعية اخرى قادمة.
هناك مواد كثيرة حول الحقوق والحريات والواجبات ونظام الحكم والقضاء والرعاية الإجتماعية والعدالة والمساواه وحقوق الإنسان والمرأة والشيخوخة والأمية والطفولة وحصانات مؤكدة ضد العدوان على الحياة الخاصة والممتلكات وضمانات لمعاملة إنسانية في السجون والمحاكمات.. بنود كثيرة تم إنجازها مع قراءات جادة وعميقة لعشرات الدساتير في العالم إستفادت منها الجمعية..
ان الجهد والوقت والإنجاز الذي بذله اعضاء جمعية الدستور يستحق العرفان والتقدير ايا كانت النتائج التي تحملنا إليها الأحداث والظروف.
ولهذا لا اجد مبررا لهذا الهجوم الضاري على الجمعية من المعارضين وبعض اجهزة الإعلام، لأن في ذلك إنكارا لجهد كبير قام به اعضاء الجمعية وليس اقل من كلمة وفاء.. ان هذا الهجوم يؤكد ان هناك من يسعى إلى إجهاض تجربة ناجحة من حقها ان تكتمل ومن واجبنا ان نضعها في سياق سليم من حيث السلبيات والإيجابيات ونستفيد منها في كل الحالات.
القضية الثالثة هي ما يجري في سيناء الآن لتطهير هذا الجزء العزيز من الوطن امام عمليات إرهابية تشارك فيها اطراف كثيرة.. ولا اعتقد ان ما يحدث يمكن ان يكون مثار خلاف بيننا.. إن جيش مصر وقوات الشرطة تخوض معركة ضد الإرهاب في سيناء، وهذه قضية ينبغي ألا نختلف عليها ولكن الشئ المريب والغريب ان تقرأ اخبارا في الإعلام المصري تؤكد انه في واد وان الدولة بكل اجهزتها ومعاركها في واد آخر.. ان معظم ما ينشره الإعلام المصري عن احداث سيناء جاء من مصادر مغرضة اما في تل ابيب من خلال الإعلام الإسرائيلي، أو مصادر غربية لاتلتزم الأمانة في نقل صورة الأحداث.. والغريب ان الإعلام المصري لم يذهب إلى مواقع الأحداث وجلس في مقاهي القاهرة يتلقى الأخبار من هنا وهناك.. كان ينبغي ان يغطي الإعلام المصري أحداث سيناء في متابعة دائمة ويومية ليس كعمل صحفي فقط ولكن كمسئولية وطنية، ان ما يحدث في سيناء هو البداية الحقيقية لعودتها إلى ارض الوطن بعد ثلاثين عاما من الغياب.
القضية الرابعة هو ما يحدث من تغييرات جذرية في هياكل الدولة ومؤسساتها، البعض يطلق عليه اخونة الدولة بينما يراه البعض الآخر عملية إصلاح ضرورية لمواجهة مواكب الفساد التي تأصلت لسنوات طويلة في قلب المجتمع وان الهدف هو مشروع إقامة مؤسسات حقيقية وليس إخوانيات معاصرة، وهنا لا اعتقد ان انسحاب جميع التيارات السياسية والفكرية من الساحة يدخل في نطاق المواقف الإيجابية يجب ان تعود هذه التيارات إلى الساحة وتجادل وتستعيد مواقعها وتأثيرها اما الانسحاب فهو حيلة العاجزين، ان غياب القوى السياسية عن المشهد جريمة سوف يدفع ثمنها الجميع.
نحن امام رئيس منتخب جاء من خلال إرادة شعبية وهو رئيس لكل المصريين قبل اي انتماءات فكرية أو عقائدية ومن واجبنا ان نمد له ايدينا، ومن واجبه ان يفتح ابواب المشاركة امام كل من يرغب في العمل الوطني..
اما التقسيمات والصراعات والميليشيات الفكرية والأيديولوجية فلن تصل بنا إلى شئ في هذه المرحلة الصعبة..
لقد اكتفى البعض الآن بالبكاء على اللبن المسكوب وان اخونة الدولة اصبحت واقعا لا بديل عنه وجلس من يبكي ومن يندب ومن يشعل النيران رغم ان الوطنية الحقيقية ان يخوض كل صاحب فكر معارض أو غير معارض معركة إعادة البناء لأنها مسئوليتنا جميعا..
انني ادعو جميع القوى السياسية إلى المشاركة سواء مع بعضها أو ما يتاح لها من مواقع في صفوف الإخوان ومواكب السلطة.. إن الهروب من الساحة بكل اشكاله خيانة لثوابت هذا الوطن وان واجبنا جميعا ان نفتح الأبواب وان يكون الحوار دليلنا والمشاركة غاية لنا جميعا..
هناك من يعتقد ان الإخوان المسلمين امسكوا الأن بمفاصل الدولة المصرية تحت شعار اخونة الدولة.. وإذا كان الإفتراض صحيحا فماذا فعل هؤلاء المعارضون وماذا قدموا؟! وإذا كانوا يرفضون التعاون مع الإخوان أو حتى الإعتراف بهم فماهي نهاية المطاف.. هل يتركون الإخوان بالفعل يسيطرون على الدولة ام يقتحمون المشهد ويصارعون ويكون البقاء للأصلح؟!.. انها لعبة صراع بين افكار ينبغي ان تتفق على شيء لأنه لابديل امامها غير الحوار والمشاركة.
إذا كان البعض يسعى إلى إقتلاع الإخوان تماما فهذا ضد طبيعة الأشياء وقد يبدو الأن امرا مستحيلا خاصة ان تجربة الإخوان لم تثبت فشلها بعد ولهذا على الاتجاهات الأخرى ان تعود إلى مواقعها وتمارس لعبة الديمقراطية بشروطها وليس على هوى احد دون الأخر.
وسط هذا النفق الطويل افضل كثيرا ان نضئ شمعة ولا نكتفي بأن نلعن الظلام.
.. ويبقى الشعر
حجر عتيق في زمان النبل
يلعن كل من باعوا شموخ النهر
في سوق البغاء..
وقف الحزين علي ضفاف النهر يرقب ماءه
فرأي علي النهر المعذب
لوعة.. ودموع ماء..
وتساءل الحجر العتيق
وقال للنهر الحزين أراك تبكي
كيف للنهر البكاء..
فأجابه النهر الكسير
علي ضفافي يصرخ البؤساء..
وفوق صدري يعبث الجهلاء..
والآن ألعن كل من شربوا دماء الأبرياء..
حتي الدموع تحجرت فوق المآقي
صارت الأحزان خبز الأشقياء..
صوت المعاول يشطر الحجر العنيد
فيرتمي في الطين تنزف من مآقيه الدماء..
ويظل يصرخ والمعاول فوقه
والنيل يكتم صرخة خرساء..
***
حجر عتيق فوق صدر النيل يبكي في ألم..
قد عاش يحفظ كل تاريخ الجدود وكم رأي
مجد الليالي فوق هامات الهرم..
يبكي من الزمن القبيح
ويشتكي عجز الهمم..
يترنح المسكين والأطلال تدمي حوله
ويغوص في صمت التراب
وفي جوانحه سأم..
زمن بني منه الخلود وآخر
لم يبق منه سوي المهانة والندم..
كيف انتهي الزمن الجميل
الي فراغ.. كالعدم..
***
حجر عتيق فوق صدر النيل يصرخ
بعد أن سئم السكوت..
حتي الحجارة أعلنت عصيانها
قامت علي الطرقات وانتفضت
ودارت فوق أشلاء البيوت..
في نبضنا شئ يموت..
في عزمنا شئ يموت..
في كل حجر علي ضفاف النهر
يرتع عنكبوت..
في كل يوم في الربوع
الخضر يولد ألف حوت..
في كل عش فوق صدر النيل
عصفور يموت..
***
حجر عتيق
لم يزل في الليل يبكي كالصغار
علي ضفاف النيل..
ما زال يسأل عن رفاق
شاركوه العمر والزمن الجميل..
قد كانت الشطآن في يوم
تداوي الجرح تشدو أغنيات الطير
يطربها من الخيل الصهيل..
كانت مياه النيل تعشق
عطر أنفاس النخيل..
هذي الضفاف الخضر
كم عاشت تغني للهوي شمس الأصيل..
النهر يمشي خائرا
يتسكع المسكين في الطرقات
بالجسد العليل..
قد علموه الصمت والنسيان
في الزمن الذليل..
قد علموا النهر المكابر
كيف يأنس للخنوع
وكيف يركع بين أيدي المستحيل..
من قصيدة حتى الحجارة اعلنت عصيانها سنة 1998
‬نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.