يتمتع العراق بوضع متميز ضمن العالم العربي لأسباب عدة رغم ما يعانيه الآن من مشاكل داخلية وما يتعرض له من عنف وتفجيرات وعدم استقرار أمني وارتباك سياسي وأزمات اقتصادية واجتماعية جمة. فأولاً، لدى العراق موارد نفطية احتياطية ضخمة يقال بأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد احتياطيات المملكة العربية السعودية. وثانياً، أراضي العراق خصبة بشكل عام مع وجود مصادر للمياه العذبة مناسبة حتى الآن لاحتياجات البلاد رغم ما تعانيه أنهار العراق في منابع نهري دجلة والفرات. وثالثاً وأخيراً، الكثافة السكانية العراقية كبيرة مقارنة بجيران العراق من الدول العربية الأخرى. وعلى صعيد المنطقة العربية وجوارها الجغرافي يأتي العراق في المرتبة الثالثة بعد إيران وتركيا من حيث الكثافة السكانية، مايعطي العراق ميزة فريدة في أوساط الدول الإقليمية للعالم العربي والخليج العربي. هذه المنظومة من المزايا الإيجابية تخلق مناخاً مثالياً للعراق كقطر عربي فاعل في شؤون المنطقة، مايجعل من الاحتمال المستقبلي بأن يصبح العراق متحدياً رئيسياً لدول عربية أخرى لتبؤ دور قيادي في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي أمر وارد. ورغم أن أطراف سياسية عراقية تعمل على الدفع بالعراق لكي يصبح دولة دينية - شيعية على النمط الإيراني فإن الحقيقة القوية في ظروف الشعب العراقي منذ أمد طويل، حتى قبل أن يصبح العراق دولة وطنية مستقلة سواء كان ذلك، أثناء كونه أجزاء متفرقة تابعة لدولة الخلافة العثمانية أو أثناء فترة الانتداب البريطاني، أن الوطنية التثاقفية والنزعة العلمانية كانت ولازالت ظاهرة قوية في أوساط الساسة والعامة العراقية. ولكن مع غزو الولاياتالمتحدةالأمريكية للعراق عام 2003، والحسابات السياسية الخاطئة التي صاحبت ذلك، ونتائجها الكارثية التي زرعت حساً طائفياً قوياً في البلاد، جعل من الإسلام الشيعي قوة رئيسية في الشأن السياسي للبلاد بعد أن كان دور الشيعة ثانوياً رغم أنهم يشكلون النسبة الأكبر من الكثافة السكانية. لكن في تقديرنا أن ما هو سائد حالياً لا ينفي الحس الوطني والقومي العروبي العالي لدى الإنسان العراقي بغض النظر عن انتماءاته الطائفية أو الدينية أو العرقية أو المذهبية، ومخطئ من يظن بأن العراقيين جميعاً ميالون إلى أية انتماءات على أسس مذهبية أوطائفية خارج نطاق انتماءاتهم العروبية، والأدلة على ذلك كثيرة. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الأجيال الأولى من الإمتدادات القومية في العراق بدأت في الظهور على ضوء تراجع الدولة العثمانية مع بداية القرن العشرين وقادها أعضاء من العائلات العراقية المعروفة. وفي تلك المرحلة، بدأت الجماعات العروبية التي ظهرت في التركيز على قضايا الاستقلال الوطني، وبعد الحرب العالمية الأولى وفرض الانتداب البريطاني على العراق زاد الحس الوطني والقومي العروبي في أوساط العراقيين الذين تمكنوا من نيل استقلالهم عام 1932. ومنذ ذلك الوقت والعراق مشغول بالقضايا العربية كافة، ولولا حماقة القيادة "البعثية" عام 1990 وارتكاب خطيئة غزو الكويت الكبرى، ورغم أن العراق يعاني كثيراً على صعيده الداخلي، فإن عودته إلى الاهتمام بالقضايا العربية الكبرى لن يكون سوى مسألة وقت بعد أن يستتب الأمن والأمان فيه وتعود فيه الحياة السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها الأولى. إن كل ما يجري الآن من محاولات لإبعاد العراق عن العالم العربي على أسس مذهبية وطائفية ليس سوى حرث في البحر، ولن يكون لها نصيب من النجاح طال الزمان أم قصر، شاء من شاء وأبى من أبى. فالعراق منذ فجر التاريخ، صَقَلهُ الإسلام ووَطَدَ عروبته، وسيبقى عربياً خالصاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية